آيات من القرآن الكريم

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ

ولمّا كان الحسد والبخل رذيلتين متناهيتين فى الذم وصفهم الحق- تعالى- أيضا به «١»، فقال:
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٤ الى ٥٧]
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧)
قلت: (أم) بمعنى بل، و (سعيرًا) تمييز.
يقول الحق جلّ جلاله توبيخًا لليهود على الحسد: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ، أي: العرب حيث انتقلت النبوة إليهم، وقد كانت في أسلافهم، عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وهو ظهور النبوة فيهم، أو رسول الله ﷺ لأنه اجتمع فيه ما افترق في سائر الناس، حسدوه على ما آتاه الله من فضله، من النبوة وغيرها، وقالوا- لعنهم الله-: ماله همٌّ إلا النساء، ولو كان نبيًا لشغله أمر النبوة عن النساء.
فكَّذبهم الله- تعالى- وردَّ عليهم بقوله: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ وهم: يوسف وداود وسليمان، الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ أي: النبوّة، وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً، فقد اجتمع لداود عليه السلام مائة امرأة. ولسليمان- عليه السلام- ألف امرأة: ثلاثمائة مهيرة، - أي بالمهر- وسبعمائة سرية، فقال لهم- عليه الصلاة والسلام- حين نزلت الآية: ألف امرأة عند رجل، ومائة امرأة عند آخر، أكثر من تسع نسوة، فسكتوا «٢».
فَمِنْهُمْ أي: اليهود، مَنْ آمَنَ بِهِ أي: بمحمد- عليه الصلاة والسلام- كعبد الله بن سلام وأصحابة، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ أي: أعرض عنه، أو: من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم، ومنهم من صدّ عنه، ولم يكن في ذلك توهين لقدر إبراهيم، فكذلك لا يُوهن كفرُ هؤلاء أمرَك، أو: من أسلافهم من آمن بما أُوتي آل إبراهيم من الكتاب والحكمة والمُلك، ومنهم مَن صدّ عنه، كما فعلوا مع سليمان وغيره. وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً لمن كفر بما جاء به أحد من الرسل، أي: فإن لم يُعاجَلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم.

(١) أي بالحسد، فقد ذكر البخل فى الآية السابقة.
(٢) راجع تفسير البغوي.

صفحة رقم 515

ثم بيَّن مآل مَن كفر، فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا المنزلة على رسلنا، أو الدالة على وحدانيتنا، سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نارًا أي: نحرقهم بها ونشويهم، كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ أي: لانت واحترقت بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها، قال صلّى الله عليه وسلم: «تُبدَّلُ في ساعةٍ مائةَ مَرَّة». وقال الحسن: (تأكلهم النارُ في كل يوم سبعين ألف مرة، كلما أكلتهم وأنضجتهم قيل لهم: عودوا فيعودوان كما كانوا). وقال مجاهد: (ما بين جلده ولحمه دود، لها جلبة- أي حركة- وهرير كجلبة حمر الوحش). رَوى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «غلظٌ جِلدِ الكَافِرِ اثنَانٍ وأربعَونَ ذرَاعًا، وضِرسه مِثلُ أحُد».
وإنما بدلت جلودهم لِيَذُوقُوا ألم الْعَذابَ، أي: يدوم لهم ذلك بخلق جلد آخر مكانه، والعذاب في الحقيقة للنفس العاصية لا لآلة إدراكها، فلا محذور، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً لا يمتنع عليه ما يريد، حَكِيماً يعاقب على قدر حكمته.
ثم ذكر مقابل هؤلاء فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ مما يستفذر وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا أي: دائمًا لا تنسخه شمس، ولا يصحبه برد. قدَّم وعيد الكفار على وعد المؤمنين، لأن الكلام فيهم، وذكر المؤمنين بالعرض. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الحسد خلق مذموم، لا يتطهر منه إلا الصديقون، وكل من بقي فيه بقية من الحسد لا يشم رائحة المعرفة، إذ لو عرف الله لم يجد من يحسد، وقد قيل: الحسود لا يسود. وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «الحَسدُ يأكُلُ الحسنَاتِ كما تأكلُ النَّارُ الحَطَبَ». وقال سفيان: (بلغني إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: الحاسدُ عدو نعمتي، غيرُ راضٍ بقسمتي التي قسمت بين عبادي). وأنشدوا:

ألاَ قُل لمَن كانَ لي حَاسِدًا أتدري على مَن أسَأتَ الأدَب
أسَأتَ على اللهِ في فِعلِه إذا أنتَ لم تَرضَ لي مَا وَهَب
جَزَاؤُكَ منه الزيادةُ لي وألاَّ تَنَالَ الذِي تَطَّلِب
وقال آخر:

صفحة رقم 516
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي
تحقيق
أحمد عبد الله القرشي رسلان
الناشر
الدكتور حسن عباس زكي - القاهرة
سنة النشر
1419
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
إن تحسُدُوني فإني غيرُ لائمكم قَبَلى من الناسِ أهل الفضلِ قّد حُسِدُوا
فَدَامَ لي وَلَهُم ما كَانَ بي وبهم وماتَ أكثَرُنا غيظًا بما يَجِدُ