آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ۚ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ

رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ فِيهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا"؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ أَعْطَيْتهَا جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا"، فَقَالَ: مَا أَجِدُ، فَقَالَ: "فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ"؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا -لِسُورٍ سَمَّاهَا -فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ" (١).
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِأَقَلِّ الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ قَالَ: "الْتَمِسْ شَيْئًا" فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِنَ الْمَالِ، وَقَالَ: "وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" وَلَا قِيمَةَ لِخَاتَمِ الْحَدِيدِ إِلَّا الْقَلِيلَ التَّافِهَ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يجوز تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ صَدَاقًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَكُلُّ عَمَلٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ صَدَاقًا، وَلِمَ يُجَوِّزْ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُجْعَلَ مَنْفَعَةُ الْحُرِّ صَدَاقًا، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ جَوَّزَهُ بَعْدَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عَلَى الْعَمَلِ، فَقَالَ: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنِكحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ" (الْقَصَصِ -٢٧).
﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥) ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ أَيْ: فَضْلًا وَسَعَةً، ﴿أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ الْحَرَائِرَ ﴿الْمُؤْمِنَاتِ﴾ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ ﴿الْمُحْصِنَاتِ﴾ بِكَسْرِ الصَّادِ حَيْثُ كَانَ، إِلَّا قَوْلَهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَالْمُحْصَنَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ جَمِيعِهَا، ﴿فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ﴾ إِمَائِكُمْ، ﴿الْمُؤْمِنَاتِ﴾

(١) أخرجه البخاري في النكاح، باب تزويج المعسر: ٩ / ١٣١، ومسلم في النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن.. برقم (١٤٢٥) : ٢ / ١٠٤٠ - ١٠٤١، والمصنف في شرح السنة: ٩ / ١١٧.

صفحة رقم 196

أَيْ: مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَهْرِ الْحُرَّةِ الْمُؤْمِنَةِ، فَلْيَتَزَوَّجِ الْأَمَةَ الْمُؤْمِنَةَ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَجِدَ مَهْرَ حُرَّةٍ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْعَنَتِ، وَهُوَ الزِّنَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لِلْحُرِّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ، أَمَّا الْعَبْدُ فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، كَمَا يَقُولُ فِي الْحُرِّ.
وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّهُ قَالَ ﴿فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ جَوَّزَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابِ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ" (الْمَائِدَةِ -٥) أَيْ: الْحَرَائِرُ، جَوَّزَ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَبِالِاتِّفَاقِ يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
[ ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ﴾ أَيْ: لَا تَتَعَرَّضُوا لِلْبَاطِنِ فِي الْإِيمَانِ وَخُذُوا بِالظَّاهِرِ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ] (١).
﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ قِيلَ: بَعْضُكُمْ إِخْوَةٌ لِبَعْضٍ، وَقِيلَ: كُلُّكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تَسْتَنْكِفُوا مِنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ، ﴿فَانْكِحُوهُنَّ﴾ يَعْنِي: الْإِمَاءَ ﴿بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ أَيْ: مَوَالِيهِنَّ، ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ مُهُورَهُنَّ، ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ مِنْ غَيْرِ مَطْلٍ وَضِرَارٍ، ﴿مُحْصَنَاتٍ﴾ عَفَائِفَ بِالنِّكَاحِ، ﴿غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ﴾ أَيْ: غَيْرَ زَانِيَاتٍ، ﴿وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ أَيْ: أَحْبَابٍ تَزْنُونَ بِهِنَّ فِي السِّرِّ، قَالَ الْحَسَنُ: الْمُسَافِحَةُ هِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَعَاهَا تَبِعَتْهُ، وَذَاتُ أَخْدَانٍ أَيْ: تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ لَا تَزْنِي إِلَّا مَعَهُ، وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُحَرِّمُ الْأُولَى وَتُجَوِّزُ الثَّانِيَةِ، ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَالصَّادِ، أَيْ: حَفِظْنَ فُرُوجَهُنَّ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَسْلَمْنَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: ﴿أُحْصِنَّ﴾ بِضَمِّ الْأَلْفِ وَكَسْرِ الصَّادِ، أَيْ: زُوِّجْنَ ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ﴾ يَعْنِي: الزِّنَا، ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ﴾ أَيْ: مَا عَلَى الْحَرَائِرِ الْأَبْكَارِ إِذَا زَنَيْنَ، ﴿مِنَ الْعَذَابِ﴾ يَعْنِي: الْحَدَّ، فَيُجْلَدُ الرَّقِيقُ إِذَا زَنَى خَمْسِينَ جَلْدَةً، وَهَلْ يُغَرَّبُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، فَإِنْ قُلْنَا يُغَرَّبُ فَيُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ وَلَا رَجْمَ عَلَى الْعَبِيدِ.
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فِتْيَةٍ مِنْ

(١) ساقط من نسخة (أ).

صفحة رقم 197
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية