
ضلال الكافرين وجزاؤهم ودعوة الناس إلى الإيمان بالرسول صلّى الله عليه وسلّم
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٧ الى ١٧٠]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠)
الإعراب:
خالِدِينَ فِيها منصوب على الحال، والعامل فيها: يهديهم، ومعناه: ما يهديهم إلا طريق جهنم في حال خلودهم. بِالْحَقِّ أي مصحوبا بالحق وهو القرآن، وقيل: الباء للتعدية، أي جاءكم ومعه الحق فهو في موضع الحال.
فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ. خيرا: إما منصوب بفعل مقدر دل عليه فَآمِنُوا فهو يدل على إخراجهم من أمر وإدخالهم فيما هو خير لهم، فكأنه قال: ائتوا خيرا لكم. وكذلك قوله تعالى فيما بعد: انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ أو منصوب لأنه صفة لمصدر محذوف وتقديره: فآمنوا إيمانا خيرا لكم أو منصوب لأنه خبر (يكن) المقدرة، وتقديره: فآمنوا يكن خيرا لكم.
المفردات اللغوية:
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي منعوهم من دين الإسلام بكتمهم نعت محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهم اليهود قَدْ ضَلُّوا لم يهتدوا إلى الحق كَفَرُوا بالله وَظَلَمُوا نبيه بكتمان نعته إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ أي الطريق المؤدي إليها يَسِيراً هينا يا أَيُّهَا النَّاسُ أي أهل مكة قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ محمد صلّى الله عليه وسلّم خَيْراً لَكُمْ أي آمنوا به واقصدوا خيرا لكم مما أنتم فيه فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ملكا وخلقا وعبيدا، فلا يضره كفركم وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بخلقه حَكِيماً في صنعه بهم.

المناسبة:
أثبت الحق تعالى في الآيات السابقة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم بشهادته له بما أنزل عليه، ثم أنذر في هذه الآيات من يكفر به، وقد ذكر فيها صفات اليهود الذين تقدم ذكرهم، وهي أنهم كفروا بمحمد وبالقرآن، وصدوا غيرهم عن سبيل الله.
التفسير والبيان:
إن الذين كفروا بالله وبرسوله وبالقرآن، وصدوا غيرهم عن دين الإسلام واتباع النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم والاقتداء به، بإلقاء الشبهات في قلوبهم، نحو قولهم: لو كان رسولا لأتى بكتابه دفعة واحدة من السماء، كما نزلت التوراة على موسى، وقولهم: إن الله تعالى ذكر في التوراة أن شريعة موسى لا تبدل ولا تنسخ إلى يوم القيامة، وقولهم: إن الأنبياء لا يكونون إلا من ولد هارون وداود.. هؤلاء وهم اليهود قد ضلوا ضلالا بعيدا أي خرجوا عن الحق والصواب وبعدوا عنه بعدا عظيما شاسعا.
ثم أعلن الله تعالى حكمه في الكافرين بآياته وكتابه ورسوله، الظالمين لأنفسهم بذلك وبالصد عن سبيله وارتكاب مآثمه وانتهاك محارمه، وهو أنه لا يغفر لهم، ولا يهديهم طريقا إلى الخير، ولا يوفقهم بعدئذ إلى صواب، وليس من شأنه أن يوصلهم إلا إلى الجزاء على أعمالهم وهو طريق جهنم. وقوله: إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ استثناء منقطع، فهي طريق الكافرين الظالمين.
ومصيرهم في جهنم هو الخلود فيها، أي البقاء فيها على حال واحدة لا تغيير فيها ولا فناء، وهو خلود أبدي، والأبد: الزمن الممتد، والله أعلم باستمراره بما يتناسب مع أعمالهم، وكان ذلك الجزاء سهلا على الله دون غيره لأنه القادر على كل شيء، الواحد القهار، يفعل بما تقتضيه الحكمة والعدل. وفي هذا تحقير لشأنهم.

وبعد أن أجاب تعالى عن شبهة اليهود، وفنّد حجتهم، وبيّن فساد طريقتهم، خاطب جميع الناس خطابا يأمرهم فيه الانصياع لدعوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، والإيمان برسالته.
فهذا الرسول قد جاءكم بالهدى ودين الحق والبيان الشافي من الله عز وجل، فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه، يكن الإيمان خيرا لكم لأنه يزكيكم ويطهركم من الأدناس والأرجاس، ويرشدكم لما فيه السعادة في الدنيا والآخرة، والحق الذي أتى به من ربه: هو القرآن المعجز، والدعوة إلى عبادة الله والإعراض عن غيره.
ثم هدد الحق تعالى وأنذر أنه إن تكفروا فإن الله غني عنكم وعن إيمانكم وقادر على عقابكم، ولا يتضرر بكفرانكم، فإن له جميع ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، أي جميع ما في الكون مملوك لله، وهو الذي خلقهم، وكلهم عبيد له خاضعون لحكمه، كما قال تعالى: وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إبراهيم ١٤/ ٨] وقال هاهنا: وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بمن يستحق منكم الهداية فيهديه، وبمن يستحق الغواية فيغويه ولا يخفى عليه شيء من أعمال عباده حَكِيماً في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، ولا يضيع عمل عامل منهم، ولا يسوي بين المؤمن والكافر والمسيء والمحسن، لقوله تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص ٣٨/ ٢٨].
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- اليهود وغيرهم ممن كفر بالإسلام بعيدون عن الحق والصواب جدا لأنهم كفروا بالله وبرسوله وبالقرآن، ومع ذلك منعوا الناس من الإسلام.