آيات من القرآن الكريم

إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ

والحديث هنا يبدأ عن الكفر والظلم ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ﴾. والكفر هو ستر الوجود الأعلى، والظلم معناه أنهم عاشوا بمنهج بشري لا يؤدي لهم متاعاً ولا سعادة في حياتهم الدنيا، وبذلك يكونون قد ظلموا أنفسهم. ومن بعد ذلك يقودهم هذا المنهج إلى عذاب الآخرة. والذي كفر ستر وجود الله وحرم نفسه بستر الوجود الأعلى من المنهج الذي يأتي به الله إنه بذلك قد ضل ضلالاً بعيداً. وسبحانه القائل: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى﴾ [طه: ١٢٣]
وهناك آية أخرى يقول فيها الحق: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٣٨]
والذي يأخذ بهوى نفسه وبمنهج البشر فإن له معيشة ضنكا ضيقة شديدة. ولا يظنن ظان أن الذي يأخذ ويتناول الأمور بهواه قد أخذ انطلاقاً بلا حدود وراحة لا نهاية لها، لا؛ لأن الذي يفعل ذلك قد يرتاح مرة لكنه يقابل التعب ويعيش فيه ولا ينفك عنه من بعد ذلك، وهكذا يظلم نفسه.
وقد يقول قائل: لقد ظلموا أنفسهم، ومعنى ذلك أنه لا بد من وجود ظالم ومظلوم. فمن هو الظالم ومن هو المظلوم؟. كل واحد منهم الظالم. وكل واحد منهم المظلوم؛ لأن الإنسان مركب من ملكات متعددة، ملكة شهوات تريد أن تنطلق إلى الشهوات، وملكة قيم تريد أن يحفظ الإنسان نفسه ويسير على صراط القيم المستقيم.
وفي حالة من يكفر ولا يتبع منهج الله إنما يترك الفرصة لملكة الشهوات أن تظلم

صفحة رقم 2856

ملكة القيم. والإسلام إنما جاء ليوازي بين الملكات لتتساند في النفس البشرية، فلا يطغى سيال ملكة على سيال ملكة أخرى. ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً﴾ [النساء: ١٦٨ - ١٦٩]
هذا هو حكم الحق في الذين يكفرون ويظلمون أنفسهم، لن ينالوا مغفرة الله وليس أمامهم إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً. ويقول الحق بعد ذلك: ﴿ياأيها الناس... ﴾

صفحة رقم 2857
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية