آيات من القرآن الكريم

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ

بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وغيره، ومعنى التفريق بين الله ورسله الإيمان به والكفر برسله، وكذلك التفريق بين الرسل هو الكفر ببعضهم والإيمان ببعضهم، فحكم الله على من كان كذلك بحكم الكفر الحقيقي الكامل وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية: في أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم لأنهم آمنوا بالله وجميع رسله يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ الآية، روي أن اليهود قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: لن نؤمن بك حتى تأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة، وقيل كتاب إلى فلان، وكتاب إلى فلان بأنك رسول الله، وإنما طلبوا ذلك على وجه التعنت، فذكر الله سؤالهم من موسى، وسوء أدبهم معه تسلية للنبي صلّى الله عليه واله وسلّم بالتأسي بغيره، ثم ذكر أفعالهم القبيحة ليبين أنّ كفرهم إنما هو عناد، وقد تقدّم في البقرة ذكر طلبهم للرؤيا، واتخاذهم العجل، ورفع الطور فوقهم، واعتدائهم في السبت وغير ذلك بما أشير إليه هنا فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ ما زائدة للتأكيد، والباء تتعلق بمحذوف تقديره بسبب نقضهم فعلنا بهم ما فعلنا، أو تتعلق بقوله حرمنا عليهم، ويكون فبظلم على هذا بدلا من قوله: فبما نقضهم بُهْتاناً عَظِيماً هو أن رموا مريم بالزنا مع رؤيتهم الآية في كلام عيسى في المهد
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عدّد الله في جملة قبائحهم قولهم: إنا قتلنا المسيح لأنهم قالوها افتخارا وجرأة مع أنهم كذبوا في ذلك، ولزمهم الذنب، وهم لم يقتلوه لأنهم صلبوا الشخص الذي ألقى عليه شبهه، وهم يعتقدون أنه عيسى، وروي أن عيسى قال للحواريين أيكم يلقى عليه شبهي. فيقتل ويكون رفيقي في الجنة، فقال أحدهم أنا فألقي عليه شبه عيسى فقتل على أنه عيسى» «١» وقيل بل دلّ على عيسى يهوديّ، فألقى الله شبه عيسى على اليهودي فقتل اليهودي ورفع عيسى إلى السماء حيا، حتى ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال رَسُولَ اللَّهِ إن قيل: كيف قالوا فيه رسول الله، وهم يكفرون به ويسبونه؟ فالجواب من

(١). أورد الطبري هذا الحديث بسنده عن القاسم بن أبي بزة وعن ابن جريج فلينظر هناك.

صفحة رقم 215

ثلاثة أوجه: أحدها: أنهم قالوا ذلك على وجه التهكم والاستهزاء، والثاني: أنهم قالوه على حسب اعتقاد المسلمين فيه كأنهم قالوا رسول الله عندكم أو بزعمكم، والثالث: أنه من قول الله لا من قولهم فيوقف قبله، وفائدة تعظيم ذنبهم وتقبيح قولهم إنا قتلناه وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ ردّ عليه وتكذيب لهم وللنصارى أيضا في قولهم: إنه صلب حتى عبدوا الصليب من أجل ذلك. والعجب كل العجب من تناقضهم في قولهم إنه إله أو ابن إله ثم يقولون إنه صلب وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ فيه تأويلان: أحدهما: ما ذكرناه من إلقاء شبهه على الحواري أو على اليهودي، والآخر: أنّ معناه شبه لهم الأمر أي خلط لهم القوم الذين حاولوا قتله بأنهم قتلوا رجلا آخر وصلبوه ومنعوا الناس أن يقربوا منه، حتى تغير بحيث لا يعرف، وقالوا للناس: هذا عيسى، ولم يكن عيسى، فاعتقد الناس صدقهم وكانوا متعمدين للكذب وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ روي أنه لما رفع عيسى وألقي شبهه على غيره فقتلوه، قالوا: إن كان هذا المقتول عيسى فأين صاحبنا وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فاختلفوا، فقال بعضهم هو هو، وقال بعضهم ليس هو، فأجمعوا أن شخصا قتل، واختلفوا من كان إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ استثناء منقطع لأنّ العلم تحقيق والظن تردّد، وقال ابن عطية: هو متصل إذا الظن والعلم يجمعهما جنس المعتقدات، فإن قيل: كيف وصفهم بالشك وهو تردّد بين احتمالين على السواء ثم وصفهم بالظنّ وهو ترجيح أحد الاحتمالين؟
فالجواب أنهم كانوا على الشك، ثم لاحت لهم أمارات فظنوا، قاله الزمخشري، وقد يقال: الظن بمعنى الشك وبمعنى الوهم الذي هو أضعف من الشك وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً أي ما قتلوه قتلا يقينا فإعراب يقينا على هذا صفة لمصدر محذوف، وقيل: هي مصدر في موضع الحال: أي ما قتلوه متيقنين، وقيل: هو تأكيد للنفي الذي في قوله: ما قتلوه أي يتقين نفي قتله، وهو على هذا منصوب على المصدرية بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ أي إلى سمائه وقد ورد في حديث الإسراء أنه في السماء الثانية وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فيها تأويلان: أحدهما: أنّ الضمير في موته لعيسى، والمعنى أنه كل أحد من أهل الكتاب يؤمن بعيسى حين ينزل إلى الأرض، قبل أن يموت عيسى، وتصير الأديان كلها حينئذ دينا واحدا، وهو دين الإسلام، والثاني أنّ الضمير في موته للكتاب الذي تضمنه قوله: وإن من أهل الكتاب التقدير: وإن من أهل الكتاب أحد إلّا ليؤمن بعيسى، ويعلم أنه نبي قبل أن يموت هذا الإنسان، وذلك حين معاينة الموت، وهو إيمان لا ينفعه، وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس وغيره، وفي مصحف أبيّ بن كعب قبل موتهم، وفي هذه القراءة تقوية للقول الثاني، والضمير في به لعيسى على الوجهين، وقيل: هو لمحمد صلّى الله عليه واله وسلّم وَبِصَدِّهِمْ يحتمل أن يكون بمعنى الإعراض، فيكون كثيرا صفة لمصدر

صفحة رقم 216
التسهيل لعلوم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي
تحقيق
عبد الله الخالدي
الناشر
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية