آيات من القرآن الكريم

وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ كُفْرَهُمْ وَلَا/ يَهْدِيهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَمَا لَا يُوصِلُهُمْ إِلَى دَارِ الثَّوَابِ فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُوصِلُهُمْ إِلَى أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْعِقَابِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَقَوْلُهُ بَشِّرِ تَهَكُّمٌ بِهِمْ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: تَحِيَّتُكَ الضرب، وعتابك السيف. ثم قال تعالى:
[سورة النساء (٤) : آية ١٣٩]
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩)
الَّذِينَ: نَصْبٌ عَلَى الذَّمِّ، بِمَعْنَى أُرِيدُ الَّذِينَ، أَوْ رَفْعٌ بِمَعْنَى هُمُ الَّذِينَ، وَاتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ: الْمُنَافِقُونَ، وَبِالْكَافِرِينَ الْيَهُودُ، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يُوَالُونَهُمْ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ لَا يَتِمُّ، فَيَقُولُ الْيَهُودُ بِأَنَّ الْعِزَّةَ وَالْمَنَعَةَ لَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَصْلُ الْعِزَّةِ فِي اللُّغَةِ الشِّدَّةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَرْضِ الصُّلْبَةِ الشَّدِيدَةِ: عَزَازٌ، وَيُقَالُ: قَدِ اسْتَعَزَّ الْمَرَضُ عَلَى الْمَرِيضِ إِذَا اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَكَادَ أَنْ يَهْلِكَ، وَعَزَّ الْهَمُّ اشْتَدَّ، وَمِنْهُ عَزَّ عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ كَذَا بِمَعْنَى اشْتَدَّ، وَعَزَّ الشَّيْءُ إِذَا قَلَّ حَتَّى لَا يَكَادَ يُوجَدُ لِأَنَّهُ اشْتَدَّ مَطْلَبُهُ، وَاعْتَزَّ فُلَانٌ بِفُلَانٍ إِذَا اشْتَدَّ ظَهْرُهُ بِهِ، وَشَاةٌ عَزُوزٌ الَّتِي يَشْتَدُّ حَلْبُهَا وَيَصْعُبُ وَالْعِزَّةُ الْقُوَّةُ مَنْقُولَةٌ مِنَ الشِّدَّةِ لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا. وَالْعَزِيزُ الْقَوِيُّ الْمَنِيعُ بِخِلَافِ الذَّلِيلِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ الْعِزَّةَ وَالْقُوَّةَ بِسَبَبِ اتِّصَالِهِمْ بِالْيَهُودِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَبْطَلَ عَلَيْهِمْ هَذَا الرَّأْيَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا كَالْمُنَاقِضِ لِقَوْلِهِ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقين: ٨].
قُلْنَا: الْقُدْرَةُ الْكَامِلَةُ للَّه، وَكُلُّ مَنْ سِوَاهُ فَبِإِقْدَارِهِ صَارَ قَادِرًا، وَبِإِعْزَازِهِ صَارَ عَزِيزًا، فَالْعِزَّةُ الْحَاصِلَةُ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا مِنَ اللَّه تَعَالَى، فَكَانَ الْأَمْرُ عند التحقيق أن العزة جميعا للَّه. ثم قال تعالى:
[سورة النساء (٤) : آية ١٤٠]
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠)
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا فِي مَجَالِسِهِمْ يخوضون في ذكر القرآن ويستهزؤن بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الْأَنْعَامِ: ٦٨]

صفحة رقم 246
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية