آيات من القرآن الكريم

وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﱿ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ

قال الله أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ لإن معنى الخليل في اللغة. قد قيل: هو الفقير.
قال زهير يمدح حرم بن سنان:

فإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم
والخلة: الصداقة، والخلة: [الحاجة]، فإذا جعلنا اشتقاق الخليل من الخلة فهو الإخلال الذي يلحق الإنسان فيما يحتاج إليه، وإن جعلنا من الخلة فهو أصل الصداقة ومعناهما جميعا واحد لأن كل واحد منهما يسد خلل صاحبه في المودة والحاجة إليه.
والخلل: كل فرجة يقع في شيء، والخلال الذي يتخلل به، وإنما سمي خلالا لأنه منع به الخلل من الأسنان، والخل: الطريق في الرمل، معناه إنه انفرجت فيه فرجة، فصارت طريقا في الأرض والخلّ الذي يؤكل إنما سمي خلا لأنه أخل منه طعم الحلاوة وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً أي لبساطة عمله لجميع الأشياء.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٧ الى ١٣٠]
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠)
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في بنات أم كحه وميراثهن من أمّهن، وقد مضت هذه القصة في أول السورة.
معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: كان الرجل بالجاهلية يكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه، فإذا فعل بها ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبدا، فإن كانت جميلة وهواها تزوجها وأكل مالها وإن كانت دميمة منعها الرجال أبدا حتى تموت، فإذا ماتت ورثها، فحرّم الله تعالى ذلك ونهى عنه وأنزل هذه الآية.
مجاهد والضحاك وقتادة وإبراهيم: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والصبيان شيئا، وكانت المرأة تكون دميمة في الجاهلية، دميمة ولها مال فيكره وليّها أن يتزوجها من أجل دمامتها، ويكره أن يزوّجها غيره من أجل مالها، وكان وليّها لا يتزوجها ويحبسها عنده حتى تموت، ويرثها.

صفحة رقم 393

سعيد بن جبير: كان وليّ اليتيمة إذا كانت ذات مال وجمال، رغب فيها ونكحها واستأثر بها، وإذا لم تكن ذات مال ولا جمال لم ينكحها ولم ينكّحها فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وعن عبد الله بن عبيدة قال: جاءت امرأة من الأنصار يقال لها خولة بنت حكيم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول إن أخي توفّي وترك بنات وليس عندهن من الحسن ما يرغب فيهن الرجال ولا يقسم لهن من ميراث أبيهنّ شيئا فنزلت فيها. وَيَسْتَفْتُونَكَ
أي يستخبرونك فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ يخبركم فِيهِنَّ وَما يُتْلى أي والذي يقرأ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أي في القرآن، وموضع ما رفع معناه قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ ويفتيكم أيضا فيهن، ويجوز أن يكون في موضع الخفض، فيكون معناه قل الله يفتيكم فيهن وفيما يتلى بينكم، وهو بعيد لأن الظاهر لا يعطف على المضمر، وجه الرفع أبين لأن ما يتلى في الكتاب ويتلى بين ما سألوه عنه معنى، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ في كتابه يفتيكم فيهن وهو قوله وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ الآية وقوله فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ أي لا تعطونهن ما كُتِبَ لَهُنَّ يعني فرض لهن من الميراث وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ أي وترغبون عن نكاحهن لملكهن، وقيل: ترغبون في نكاحهن لمالهن وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ يعني الصغار من الصبيان وهو في موضع الخفض والمعنى: قل الله يفتيكم فيهن والمستضعفين وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ أي بالعدل وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً.
وروى شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب إنّ آخر آية كانت (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) وآخر سورة براءة وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً
نزلت في عمرة ويقال خويلة بنت محمد بن سلمة في زوجها رافع بن الرفيع ويقال رافع بن خديج تزوجها وهي شابة فلمّا أدبرت وعلاها يعني تزوج عليها امرأة شابة وآثر عليها وحفا ابنه محمد بن سلمة وأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فشكت إليه، فنزلت فيها هذه الآية
هذا قول: الكلبي وجماعة المفسرين،
وقال سعيد بن جبير: كان رجل وله امرأة قد كبرت وكان له منها أولاد فأراد أن يطلقها، ويتزوج غيرها فقالت لا تطلقني ودعني أقوم على ولدي وأقسم لي في كل شهرين إن شئت أو أكثر وإن شئت فلا تقسم لي، فقال: إن كان يمنع ذلك فهو أحبّ إليّ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر له ذلك، فقال: قد سمع الله ما تقول فإن شاء أجابك فأنزل الله عز وجل وَإِنِ (امْرَأَةٌ) خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً أي علمت من زوجها نشوزا يعني بغضا.
قال الكلبي: يعني ترك مجامعتها ومضاجعتها أو إعراضا عن مساكنتها، وعن مجالستها وعن محادثتها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما يعني على الزوج والمرأة أَنْ يُصْلِحا أي يستصلحا بَيْنَهُما صُلْحاً أي في القسمة والنفقة وهو أن يقول لها: إنك امرأة دميمة وقد دخلت في العنّ وأريد أن أتزوج عليك امرأة شابّة جميلة، فيؤثرها في القسمة عليها لشبابها، فإن رضيت بهذا فأقيمي، وإن كرهت خلّيت سبيلك، فإن رضيت بذلك كانت هي المحسنة ولا يعسر عليّ ذلك،

صفحة رقم 394

وإن لم ترض [أعطيت] حقّها، فالواجب على الزوج أن يوفّيها حقّها من المقام والنفقة أو يسرّحها بإحسان ولا يحبسها على الخسف «١»، وإن يقام عليها وفّاها حقّها مع كراهيته صحبتها، فهو المحسن الذي مدحه الله وأخبره انه عالم بصنيعه ومجازيه على فعله ولا يجبر الرجل على وطء واحدة لأنه هو الزوج وهو حظه وإذا تركه لم يجبر عليه وليس هو كالمقام والنفقة.
وقوله وَالصُّلْحُ خَيْرٌ يعني إقامتها بعد تخييره إياها ومصالحتها على شيء معلوم في المقام والنفقة،
وهكذا فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع زوجته ومكثت معه وذلك أنها كانت امرأة كبيرة فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يسرحها فطلبت إليه أن لا يفعل وقالت: إنّي أحبّ أن أبعث في نسائك يوم القيامة، ألا فإنّ يومي وليلتي لعائشة «٢».
وقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : في قوله وَالصُّلْحُ خَيْرٌ قال: المرأة تكون عند الرجل فتكون صغيرة أو كبيرة أو لا يحبّها زوجها، فيصطلحان على صلح.
وقال سعيد بن جبير: فهو أن يتراضيا على شيء معلوم في نفسه وماله.
قال الضحاك: الصلح أن ينقصها من حقها إذا تزوج أشبّ منها وأعجب إليه «٣».
وقال مقاتل بن حيان في هذه الآية: فهو الرجل تكون تحته المرأة الكبيرة فيتزوّج عليها الشابة، فيقول للمرأة الكبيرة: أعطيك من زماني نصيبا على أن أقسم لهذه الشابة أكثر مما أقسم لك من الليل والنهار وترضى الأخرى بما اصطلحا عليه فإن أبت ألا ترضى فعليه أن يعدل بينهما على القسمة.
وروى إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن سليمان بن يسار عن ابن عباس: في قوله تعالى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ «٤». قال: المرأة الكبيرة الدميمة تكون عند الرجل يريد طلاقها والاستبدال بها [فصالحها] هذه على بعض حقها من القسمة والنفقة، فذلك جائز بعد ما رضيت، فإن أنكرت بعد الصلح، فذلك لها، ولها حقّها، أمسك أو طلق.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هي المرأة تكون عند الرجل وله امرأة غيرها أحبّ إليه منها فيؤثرها عليها، فأمر الله تعالى إذا كان ذلك أن يقول لها: يا هذه إن شئت أن تقيمي على ما ترين من هذه فآويك وأنفق عليك فأقيمي، وأن كرهت خليت سبيلك، فإن هي رضيت أن تقيم بعد ان خيّرها فلا جناح عليه وهو قوله (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) وهو التخيير.

(١) تفسير الطبري: ٥/ ٤١٧.
(٢) إرواء الغليل: ٧/ ١٤٧.
(٣) راجع تفسير القرطبي: ٥/ ٤٠٤.
(٤) سورة النساء: ١٢٨.

صفحة رقم 395

وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن خلد بن عرعرة قال: سأل رجل عليا عن قوله عز وجل وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً الآية قال: تكون المرأة عند الرجل فتنبو عينه عنها من دمامة أو كبر فتفتدي منه تكره فرقته، وإن أعطته من ماله فهو حل له أو أعطته من أثاثها فهو حل له وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ يقول: شحت المرأة نصيبها من زوجها وشح الرجل نصيبه من الأخرى.
قال ابن عباس: والشح هو في الشيء يحرص عليه وَإِنْ تُحْسِنُوا يعني تصلحوا بينهما بالسوية وَتَتَّقُوا الجور والميل.
وقيل: هذا الخطاب للزوج يعني: وَإِنْ تُحْسِنُوا بالإقامة عليها، مع كراهتكم لصحبتهما وَتَتَّقُوا ظلمها فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيخبركم بأعمالكم.
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ يقول: لن تقدروا ان تسوّوا بينهن في الحب وَلَوْ حَرَصْتُمْ على العدل فَلا تَمِيلُوا إلى الشابة الجميلة التي تحبّونها كُلَّ الْمَيْلِ في النفقة والقسمة والإقبال عليها (وتدّعوا الأخرى كَالْمُعَلَّقَةِ) أي كالمنوطة لا أيمّا ولا ذات متاع.
قتادة والكلبي: كَالْمُعَلَّقَةِ كالمحبوسة وهي في امرأة أبيّ بن كعب كأنها مسجونة.
وقال مجاهد: لن تستطيعوا العدل بينهن فلا يتعمدوا [ذلك].
وذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم أما قلبي فلا أملك وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل.
وَإِنْ تُصْلِحُوا بالعدل في القسمة بينهن وَتَتَّقُوا الجور فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً بما قلت إلى التي تحبّها بقلبك بعد العدل في القسمة وَإِنْ يَتَفَرَّقا يعني عن المرأة بالطلاق يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ أي من النفقة يعني المرأة بزوج والزوج بامرأة. وَكانَ اللَّهُ واسِعاً لهما في النكاح حَكِيماً يمكن للزوج إمساكا بمعروف أو تسريحا بإحسان.
حكم الآية
علم أن الله عز وجل الرأفة بالعباد وعلمه بأحوالهم فنبّههم على نحو وجب عليهم من حقوق النساء ونهاهم عن الميل في أفعالهم إذا لم يكن لهم سبيل إلى التسوية بينهن في المحبة ومتى جمع العبد من الفعل لمال عنه إلى واحدة بعينها دون غيرها كان ذلك جورا،
وقد روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقسم ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك وليس أحكم [فيما لا يملك] » [٣٨٨] «١».

(١) تفسير الطبري: ٥/ ٤٢٤ وفيه: فلا تلمني فيما تملك ولا أملك.

صفحة رقم 396

يعني به قلبه، وكان يطوف به على نسائه في مرضه حتى حلّلته [نساءه] «١» فأقام عند عائشة
، وعماد القسم الليل، لأنه يسكن فيه قال الله تعالى: وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ «٢» فمتى كان عند الرجل حرائر مسلمات وذمّيات فهو في القسم سواء ويقسم للحرّة ليلتين، وللأمة ليلة إذا خلى المولى بينه وبينها في ليلتها ويومها، وللأمة أن تحلله من قسمها دون المولى لأنه حقها في خاصة نفسها ولا يجامع المرأة في غير يومها، ولا لرجل أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها، ولا بأس أن يدخل عليها بالنهار في حاجة ويعودها في مرضها في ليلة غيرها، فإن ثقلت فلا بأس أن يقيم حتى تخف أو تموت ثمّ يوفي من بقي من نسائه مثل ما بقي عندها، وإن أراد أن يقسم بين ليلتين ليلتين أو ثلاثا كان له ذلك «٣».
ذكر استدلال من استدل من هذه الآية على تكليف ما لا يطاق
قالوا: قال الله عز وجل وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فأمرهم الله عز وجل أن يعدلوا، وأخبر أنهم لا يستطيعون أن يعدلوا فقد أمرهم بما لا يستطيعون وكلفهم مالا يطيقون.
إن قال قائل: هل كلف الله الكفار ما لا يطيقون؟ قيل له: إن أردت أنه كلفهم ما لا يطيقون لعجز حائل وآفة مانعة، فلا، لأنه قد صحح أبدانهم وأكمل نطقهم وأوجدهم [في الأرض] «٤» ودفع عنهم العلل والآفات، وإن أردت أنه كلّفهم ما لا يقدرون عليه بتركهم له واشتغالهم بضدّه، فقد كلفهم ذلك.
فإن قالوا: أفيقدر الكافر لا يتشاغل للكفر؟ قيل لهم: إن معنى لا يتشاغل بالكفر هو أن تؤمن فكأنكم قلتم: يقدر ان يؤمن وهو مقيم على كفره فقد قلنا إنه مادام مشغولا بكفر ليس بقادر على الإيمان على ما جوزت اللغة من أن الإنسان قادر على الفعل بمعنى أنه إن لم يفرط فأثر فيه- كما قالوا- فلان يقدر على رجل يعني يقدر عليه لو رامه وقصد إلى حمله، نضير قولهم: فلان يفهم أي إنه يفهم الشيء، إذا أورد عليه، وكذلك يقولون: الطعام مشبع، والماء مروي، ويعني في ذلك أن الطعام يشبع إذا أكل.
والماء يروي إذا شرب.
والذي يوضح ذلك ما يتداوله الناس بينهم من قول الرجل: قم معي في حال كذا،

(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) سورة الأنعام: ١٣.
(٣) راجع مختصر المزني: ١٨٥.
(٤) كذا الظاهر.

صفحة رقم 397
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية