
حذرهم وأسلحتهم) الآية. وقوله تعالى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) ويزيده إيضاحا أنه قال هنا (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) وقال في آية البقرة (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) ؛ لأن معناه فإذا أمنتم فأتموا كيفيتها بركوعها وسجودها وجميع ما يلزم فيها مما يتعذر وقت الخوف. وعلي هذا التفسير الذي دل له القرآن فشرط الخوف في قوله (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) معتبر أي: وإن لم تخافوا منهم أن يفتنوكم فلا تقصررا من كيفيتها، بل صلوها على أكمل الهيئات، كما صرح به في قوله (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) وصرح باشتراط الخوف أيضاً لقصر كيفيتها بأن يصليها الماشي والراكب بقوله (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا). ثم قال (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم) الآية.
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان قال آخبرنا شعيب عن الزهري قال: سألته هل صلّى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يعني صلاة الخوف-؟ قال: أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "غزوت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبل نجد، فوازينا العدوّ فصاففنا لهم، فقام رسول الله يصلى لنا، فقامت طائفة معه تصلى، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بمَن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تُصل، فجاءوا فركع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم، فقام كل واحدٍ منهم فركع بنفسه ركعة وسجد سجدتين".
(الصحيح ٢/٤٩٧ ح ٩٤٢- ك صلاة الخوف، ب صلاة الخوف)، وأخرجه مسلم في صحيحه - ك صلاة المسافرين، ب صلاة الخوف ح ٣٠٥، ٣٠٦).
قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان. حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا سعيد بن عبيد الهنائي. حدثنا عبد الله بن شقيق. حدثنا أبو هريرة: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل بين ضجنان وعُسفان، فقال المشركون: إن لهولاء صلاةً هي أحب اليهم من آبائهم وأبنائهم وهي العصر، فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم مَيلة واحدة، وإن جبريل أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمره أن يقسِم أصحابه شطرين فيُصلى بهم،

وتقوم طائفة أخرى وراءهم، وليأخذوا حِذرهم وأسلحتهم، ثم يأتي الآخرون ويُصلّون معه ركعة واحدة، ثم يأخذ هؤلاء حِذرهم وأسلحتهم، فتكون لهم ركعة ركعة ولرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتان.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة وفى الباب عن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وجابر وأبى عياش الزرقي وابن عمر وحذيفة وأبى بكرة وسهل بن أبي حثمة وأبو عياش الزرقى اسمه زيد بن صامت.
(سنن الترمذى ٥/٢٤٣ ح ٣٠٣٥- ك التفسير، سورة النساء)، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي ٣/٤٢). ونقل ابن رجب عن البخاري قوله: حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة: حسن (علل الترمذي ١/٣٠٣).
قال أبو داود: وأما عبيد الله بن سعد فحدثنا قال: حدثني عمي، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة حدثته بهذه القصة، قالت: كبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبرت الطائفة الذين صفوا معه، ثم ركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا، ثم رفع فرفعوا، ثم مكث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالساً ثم سجدوا هم لأنفسهم الثانية، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون القهقرى، حتى قاموا من ورائهم، وجاءت الطائفة الأخرى فقاموا فكبروا، ثم ركعوا لأنفسهم ثم سجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسجدوا معه، ثم قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسجدوا لأنفسهم الثانية. ثم قامت الطائفتان جميعاً فصلوا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا جميعاً، ثم عاد فسجد الثانية وسجدوا معه سريعاً كأسرع الاسراع جاهداً لا يألون سراعاً، ثم سلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسلموا فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد شاركه الناس في الصلاة كلها.
(السنن ٢/١٥ ح /١٢٤٢- ك الصلاة، ب من قال يكبرون جميعاً)، وأخرجه أحمد في (مسنده ٦/٢٧٥) من طريق: يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق به وفيه: صلى رسول الله بالناس صلاة الخوف بذات الرقاع... والحاكم في المستدرك (١/ ٣٣٦-٣٣٧) من طريق: محمد بن حاتم الدورى، عن يعقوب به. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وهو أتم حديث وأشفاه في صلاة الخوف. ووافقه الذهبي. وإسناده حسن. وقد سأل الترمذي الإمام البخاري عن أي الروايات في صلاة الخوف أصح؟ فقال: كل الروايات عندي صحيح وكل يستعمل. (انظر العلل لابن رجب ١/٣٠١).

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم)، وطائفة يأخذون أسلحتهم ويقفون بإزاء العدو، فيصلى الإمام بمن معه ركعة ثم يجلس علي هيئته، فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية والإمام جالس، ثم ينصرفرن حتى يأتوا أصحابهم فيقفون موقفهم، ثم يقبل الآخرون فيصلى بهم الإمام الركعة الثانية، ثم يسلم، فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية.
فهكذا صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بطن نخلة.
قوله تعالى (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك في صلاتك تصلى بصلاتك ففرغت من سجودها. (فليكونوا من ورائكم)، يقول: فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم مصافي العدو في المكان الذي فيه سائر الطوائف التي لم تصل معك، ولم تدخل معك في صلاتك.
قوله تعالى (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم)
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس (إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى) قال عبد الرحمن بن عوف، وكان جريحاً.
(الصحيح ٨/٢٦٤ ح ٤٥٩٩- التفسير).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ولا جناح) لا حرج.