آيات من القرآن الكريم

أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

عمار: جزع محمد بن المنكدر عند موته جزعا شديدا فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال أخاف آية من كتاب الله (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فأنا أخشى أن يبدو لى ما لم أكن أحتسب.
(٣) (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي وظهر لهم حين تعرض عليهم صحائف أعمالهم ما كانوا اجترحوه من السيئات وارتكبوه من الآثام وعلموا أنهم مجازون على النقير والقطمير، وأحاط بهم العذاب من كل جانب، وأيقنوا أنهم مواقعوه لا محالة لاستهزائهم بما كان ينذرهم به الرسول صلّى الله عليه وسلم.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٤٩ الى ٥٢]
فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)
المعنى الجملي
بعد أن حكى عن المشركين بعض هنواتهم الفاسدة- حكى عنهم هناة أخرى هى أنهم حين الوقوع في الضر من أفقر ومرض يفزعون إلى الله ويلجئون إليه علما منهم أنه لا دافع له إلا هو، وإذا نالتهم بعض النعم من فضله زعموا أن ذلك بكسبهم، وحسن صنيعهم، وجميل تدبيرهم، والحقيقة أن ما أوتوه إنما هو فتنة لهم واختبار لحالهم، ليعلم أيشكرون على ما حباهم به من النعم أم يكفرون، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك.

صفحة رقم 18

وما هذه المقالة ببدع منهم بل قالها كثير قبلهم فلم ينفعهم ذلك شيئا، ثم ذكر أن بسط الرزق وتقتيره بيد الله يبسطه تارة ويقبضه أخرى، وليس ذلك لسعة الحيلة وحسن التدبير وحدهما، فإنا نرى كثيرا من العقلاء وأرباب التدبير للمال وحسن تصريفه فى ضيق شديد، وكثيرا من الجهلاء والحمقى في بحبوحة من العيش ورغد عظيم منه.
الإيضاح
(فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا، ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ، بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي إن أمر المشرك عجيب يدعو إلى الدهشة والحيرة، فإذا هو أصيب بضر من فقر أو مرض جأر إلى الله واستعان به لكشف ذلك الضر عنه- وإذا تغيرت الحال ونال شيئا من الرخاء أو زال عنه ما به من العلة قال:
إنما أوتيت هذا لعلمى بوجوه المكاسب وجدى واجتهادي أو لذهابى إلى الأطباء واهتمامي بالعلاج فلم أدخر دواء نافعا إلا بذلت نفيس المال للحصول عليه.
وهذا منه تناقض عجيب، ففى الحال الأولى يستغيث بربه، وفي الحال الثانية ينسب السلامة إلى نفسه ويقطع صلتها عن المنعم بها الذي أوجدها وأرادها، وفي الحق إن ما أعطيه من النعم إنما هو فتنة واختبار لحاله، أيشكر أم يكفر، أيطيع أم يعصى؟
ولكن أكثرهم لا يعلمون أن ذلك استدراج من الله وامتحان لهم، ومن ثم يقولون ما يقولون، ويدّعون من الدعاوى ما لا يفقهون.
ثم بين أن هذه مقالة ليست وليدة أفكارهم بل سبقهم بها كثير ممن قبلهم فقال:
(قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي قد زعم مثل هذا الزعم وادعى مثل هذه الدعوى كثير ممن سبقهم من الأمم، فلم يغن عنهم شيئا ما كانوا يكسبون من متاع الدنيا ويجمعون من حطامها حين جاءهم أمر ربهم على تكذيبهم رسله واستهزائهم بهم.

صفحة رقم 19

ثم بين ما سلف فقال:
(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي فحلّ بهم جزاء سيئات ما كسبوا من الأعمال، فعوجلوا بالخزي في الدنيا كالخسف الذي لحق بقارون، والصاعقة التي نزلت بقوم لوط، وسيصيبهم النكال الدائم في الآخرة.
ثم أوعد سبحانه مشركى قومه على ما سينالهم في الدنيا والآخرة فقال:
(وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي والذين كفروا بالله من قومك وظلموا أنفسهم سيصيبهم أيضا وبال السيئات التي اكتسبوها، كما أصاب الذين من قبلهم، فأصابهم القحط سبع سنين متوالية وقتل صناديدهم يوم بدر، وأسر منهم العدد الكثير.
(وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي وما هم بفائتين الله هر با يوم القيامة، بل مرجعهم إليه ويصنع بهم ماشاء من العقوبة.
ثم أقام سبحانه الدليل على عظيم قدرته وبديع حكمته فقال:
(أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ؟) أي أولم ير هؤلاء المشركون أن الله هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء تارة، ويضيق على من يريد أخرى، كما يشاهد من اختلاف الناس في سعة الرزق وضيقه، وليس ذلك لجهل في الكاسب أو علم لديه، فربما كان العاقل القادر ضيق الرزق، والجاهل أو المريض ذا سعة وبسطة في المال.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي إن في هذا لدلالات لقوم يؤمنون بالله ويقرون بوحدانيته، وهم الدين يعلمون أن الذي يفعل ذلك هو الله لا سواه.
وإنما خص المؤمنين بذلك، لأنهم المنتفعون بالآيات، المتفكرون فيها.

صفحة رقم 20
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية