
وسلم (ان العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله فى جسده او فى ماله اوفى ولده ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله) وان عظم الجزاء مع عظم البلاء وان الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضى ومن سخط فله السخط وفى عرائس البقلى وصف الله القوم بأربع خصال بالايمان والتقوى والإحسان والصبر فاما ايمانهم فهو المعرفة بذاته وصفاته من غير استدلال بالحدثان بل عرفوا الله بالله فاما تقواهم فتجريدهم أنفسهم عن الكون حتى قاموا بلا احتجاب عنه واما إحسانهم فادراكهم رؤيته تعالى بقلوبهم وأرواحهم بنعت كشف جماله واما صبرهم فاستقامتهم فى مواظبة الأحوال وكتمان الكشف الكلى وحقيقة الصبر ان لا يدعى الديمومية بعد الاتصاف بها ومعنى أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ) ارض القلوب ووسعها بوسع الحق فاذا كان العارف بهذه الأوصاف فله أجران اجر الدنيا وهو المواجيد والواردات الغريبة واجر الآخرة وهو غوصه فى بحار الآزال والآباد والفناء فى الذات والبقاء فى الصفات قال الحارث المحاسبى الصبر التهدّف لسهام البلاء وقال طاهر المقدسي الصبر على وجوه صبر منه وصبر له وصبر عليه وصبر فيه أهونه الصبر على أوامر الله وهو الذي بين الله ثوابه فقال (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) إلخ وقال يوسف بن الحسين ليس بصابر من يتجرع المصيبة ويبدى فيها الكراهة بل الصابر من يتلذذ بصبره حتى يبلغ به الى مقام الرضى قُلْ روى ان كفار قريش قالوا للنبى عليه السلام ما يحملك على الذي أتيتنا به ألا تنظر الى ملة آبائك وسادات قومك يعبدون اللات والعزى فتأخذ بتلك الملة فقال تعالى قل يا محمد للمشركين إِنِّي أُمِرْتُ من جانبه تعالى أَنْ اى بان أَعْبُدَ اللَّهَ حال كونى مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ اى العبادة من الشرك والرياء بان يكون المقصد من العبادة هو المعبود بالحق لا غير كما فى قوله تعالى (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ) وَأُمِرْتُ بذلك لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ من هذه الامة اى لاجل ان أكون مقدمهم فى الدنيا والآخرة لان السبق فى الدين انما هو بالإخلاص فيه فمن أخلص عدّ سابقا فاذا كان الرسول عليه السلام متصفا بالإخلاص قبل اخلاص أمته فقد سبقهم فى الدارين إذ لا يدرك المسبوق مرتبة السابق ألا ترى الى الاصحاب مع من جاء بعدهم والظاهر ان اللام مزيدة فيكون كقوله تعالى (أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) فالمعنى وأمرت ان أكون أول من اسلم من اهل زمانى لان كل نبى يتقدم اهل زمانه فى الإسلام والدعاء الى خلاف دين الآباء وان كان قبله مسلمون قال بعضهم الإخلاص ان يكون جميع الحركات فى السر والعلانية لله تعالى وحده لا يمازجه شىء وقال الجنيد قدس سره امر جميع الخلق بالعبادة وامر النبي عليه السلام بالإخلاص فيها اشارة الى ان أحدا لا يطيق تمام مقام الإخلاص سواه قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بترك الإخلاص والميل الى ما أنتم عليه من الشرك عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ اى أخاف من عذاب يوم القيامة وهو يوم عظيم لعظمة ما فيه من الدواهي والأهوال بحسب عظم المعصية وسوء الحال وفيه زجر عن المعصية بطريق المبالغة لانه عليه السلام مع جلالة قدره إذا
صفحة رقم 86
خاف على تقدير العصيان فغيره من الامة اولى بذلك ودلت الآية على ان المترتب على المعصية ليس حصول العقاب بل الخوف من العقاب فيجوز العفو عن الصغائر والكبائر: قال الصائب
محيط از چهره سيلاب كرده راه ميشويد | چهـ انديشد كسى با عفو حق از كرد زلتها |
وكل له سؤل ودين ومذهب | فلى انتمو سؤلى ودينى هوا كمو |
ز پشت آينه روى مراد نتوان ديد | ترا كه روى بخلق است از خدا چهـ خبر |

ولانها تمنع من النظر الى ما فوقهم وفيه اشعار بشدة حالهم فى النار وتهكم بهم لان الظلة انما هى للاستظلال والتبرد خصوصا فى الأراضي الحارة كأرض الحجاز فاذا كانت من النار نفسها كانت احرّ ومن تحتها اغمّ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ايضا ظُلَلٌ والمراد احاطة النار بهم من جمع جوانبهم كما قال تعالى (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) اى فسطاطها وهو الخيمة شبه به ما يحيط بهم من النار كما سبق فى الكهف ونظير الآية قوله تعالى (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) وقوله (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) وقال بعضهم ومن تحتهم ظلل اى طباق من النار ودركات كثيرة بعضها تحت بعض هى ظلل للآخرين بل لهم ايضا عند تردّيهم فى دركاتها كما قال السدى هى لمن تحتهم ظلل وهكذا حتى ينتهى الى القعر والدرك الأسفل الذي هو للمنافقين فالظلل لمن تحتهم وهى فرش لهم وكما قال فى الاسئلة المقحمة كيف سمى ما هو الأسفل ظللا والظلال ما يكون فوقا والجواب لانها تظلل من تحتها فاضاف السبب الى حكمه ذلِكَ العذاب الفظيع هو الذي يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ فى القرآن ليؤمنوا ويحذرهم إياه بآيات الوعيد ليجتنبوا ما يوقعهم فيه وفى الوسيط يخوف الله به عباده المؤمنين يعنى ان ما ذكر من العذاب معد للكفار وهو تخويف للمؤمنين ليخافوه فيتقوه بالطاعة والتوحيد يا عِبادِ [اى بندگان من] وأصله يا عبادى بالياء فَاتَّقُونِ ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وهذه عظة من الله تعالى بالغة منطوية على غاية اللطف والرحمة وفيه اشارة الى ان الله تعالى خلق جهنم سوطا يسوق به عباده الى الجنة إذ ليس تحت الوجود الا ما هو مشتمل للحكمة والمصلحة فمن خاف بتخويف الله إياه من هذا الخسران فهو عبده عبدا حقيقيا ومستأهل لشرف الاضافة اليه وعن ابى يزيد البسطامي قدس سره ان الخلق يفرون من الحساب وانا اقبل عليه
فان الله تعالى لو قال لى أثناء الحساب عبدى لكفانى فعلى العاقل تحصيل العبودية وتكميلها كى يليق بخطاب الله تعالى ويكون من اهل الحرمة عند الله تعالى ألا ترى ان من خدم ملكا من الملوك يستحق الكرامة ويصير محترما عنده وهو مخلوق فكيف خدمة الخالق نقل فى آخر فتاوى الظهيرية ان الامام الأعظم أبا حنيفة رحمه الله لما حج الحجة الاخيرة قال فى نفسه لعلى لا اقدر ان أحج مرة اخرى فسأل حجاب البيت ان يفتحوا له باب الكعبة ويأذنوا له فى الدخول ليلا ليقوم فقالوا ان هذا لم يكن لاحد قبلك ولكنا نفعل ذلك لسبقك وتقدمك فى علمك واقتداء الناس كلهم بك ففتحوا له الباب فدخل فقام بين العمودين على رجل اليمنى حتى قرأ القرآن الى النصف وركع وسجد ثم قام على رجل اليسرى وقد وضع قدمه اليمنى على ظهر رجله اليسرى حتى ختم القرآن فلما سلم بكى وناجى وقال الهى ما عبدك هذا العبد الضعيف حق عبادتك ولكن عرفك حق معرفتك فهب نقصان خدمته لكمال معرفته فهتف هاتف من جانب البيت يا أبا حنيفة قد عرفت وأخلصت المعرفة وخدمت فاحسنت الخدمة فقد غفرنا لك ولمن اتبعك وكان على مذهبك الى قيام الساعة ثم ان مثل هذه العبودية ناشئة عن التقوى والخوف من الله تعالى ومطالعة هيبته وجلاله وكان عليه السلام يصلى وبصدره ازيز كازيز المرجل من البكاء. والأزيز الغليان وقيل صوته والمرجل