
يطهر قلوبهم.
وقوله: ﴿وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر﴾، أي: لعباده الذين أخلصهم لطاعته وحبّب إليهم الإيمان.
وقيل: هو عام للجميع وهو الاختيار، إذ ليس يرضى الله الكفر لأحد من خلقه.
فإن جعلت " يرضى " بمعنى: يريد حسن القول الأول، وفيه نظر.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ﴾، أي: إن تطيعوه يرضه لكم.
ثم قال: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾، أي: لا يحمل أحد ذنباً عن أحب، ولا يؤخذ أحد بذنب أحد.
ثم قال تعالى ﴿ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ﴾، أي: مصيركم إليه في الآخرة فيخبركم بما كنتم تعلمون في الدنيا من خير وشر فيجازيكم عليه، ولا يخفي عليه من أمركم شيء.
﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾، أي: عليم بما أضمرتم في الصدور وغير ذلك مما ظهر وبطن، فلا يخفى عليه شيء من أعمالكم بل يجازيكم بها: المحسن بالإحسان، والمسيء بما يستحقه ويجب عليه.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ﴾ - إلى قوله - ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

أي: إذا مس الإنسان ضرّ في بدنه أو شدة أو ضيق استغاث بربه الذي خلقه في كَشْفِ ما نَزَلَ به، تائباً إليه مما كان عليه قبل ذلك من الكفر والشرك. قال قتادة: منيباً إليه: مخلصاً.
وقوله ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ﴾، أي: أعطاه عافية وفرجاً مما نزل به.
يقال لمن أعطي غيره عطية: قد خوّله كذا وكذا.
وقوله: ﴿نَسِيَ مَا كَانَ يدعوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾، أي: ترك دعاءه الذي كان يدعو إلى الله من قبل أن يكشف ما كان به، و " ما " والفعل مصدر، والمعنى: ترك كون الدعاء منه إلى الله تعالى. ومن جعلها بمعنى " الذي " جعل " ما " لمن يعقل فيكون لله سبحانه.
والمعنى: ترك ما كان يدعو الله من قَبْلِ كَشْفِ الضُّر عنه.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً﴾، أي: شركاء. قال السدي: هذا كله في الكافر خاصة.

قال السدي: الأنداد هنا من الرجال يطيعونهم في معاصي الله جلّ ذكره. وقيل: الأنداد: الأوثان.
ثم قال: ﴿لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾ من ضم الياء، فمعناه: فعل ذلك ليزيل الناس عن توحيد الله سبحانه والإقرار به والدخول في دينه، ومن فتح الياء، فمعناه: ليَضِلَّ في نفسه عن دين الله سبحانه.
والتقدير: إنه لما كان أمره لعبادة الأوثان يؤول إلى الضلال كان كأنه إنما فعل ذلك ليصير ضالاً. وقد تقدم شرح هذا بأبين من هذا.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النار﴾، أي: قل يا محمد لهذا الكافر (لنعم الله) تمتع بكفرك إلى أن تستوفيَ أجلك إنك في الآخرة ما الماكثين في النار.
وهذا لفظ معناه التهدد والوعيد، مثل قوله: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ

وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: ٢٩].
ثم قال: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اليل سَاجِداً وَقَآئِماً﴾ من خفف " من " جعله نداء أو رفعه بالإبتداء، ويكون الخبر محذوفاً. والتقدير: أهذا أفضل (أومن) جعل لله أنداداً.
ومن شدد ف " من " في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف على ما قدمنا في التخفيف.
وقيل: التقدير: أهذا المذكور أفضل أم من هو قانت لأنه ذكر من جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله.
ثم قال: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ﴾، أي: أهذا المذكور أفضل أم من هو قانت؟ ودل على

ذلك قوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩].
وقيل: " أم " بمعنى / الألف، كأنه قال: أمن هو قانت، ويكون الجواب مضمراً بعده كأنه قال: أم من هو قانت كمن مضت صفته من الكفار. قال ابن عباس: القنوت هنا: قراءة القرآن.
وآناء الليل: ساعاته، واحدة، أني كمعي وفيه وجوه قد تقدم ذكرها.
وقيل القنوت: الطاعة، وهو أصله.
وروى الخدري أن النبي ﷺ قال: " كل قنوت في القرآن فهو طاعة لله تعالى ".

وروى جابر أن النبي ﷺ سئل: " أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت. فتأوله جماعة من أهل العلم أنه طول القيام ".
وسئل ابن عمر عن القنوت، فقال:: " ما أعرف القنوت إلا طول القيام، وقراءة القرآن.
وقال مجاهد: من القنوت: طول الركوع، وغض الطرف.
ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنهـ.
وعن ابن عمر: إنها نزلت في عثمان رضي الله عنهـ.
وكانوا يستحبون حسن الملبس في الصلاة.

روى نافع أن ابن عمر قال له: قم فصل. قال نافع: فقمت أصلي - وكان عليّ ثوب خلق - فدعاني ابن عمر فقال لي: أرأيتك لو وجهتك في حاجة وراء الجدار، أكنت تمضي هكذا؟! قال: فقلت: كنت أتزين! قال: فالله جل وعز أجل أن يتزين له!!.
قوله: ﴿سَاجِداً وَقَآئِماً﴾، أي: يقنت ساجداً أحياناً وقائماً أحياناً ﴿يَحْذَرُ الآخرة﴾.
أي: عذاب الآخرة.
﴿وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾، أي: يرجو أن يرحمه ربه فيدخله الجنة.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ﴾. أي: قل يا محمد لقومك: هل يستوي الذي يعلمون ما لهم في طاعة الله تعالى من الثواب وما عليهم في معصيته من العقاب، والذين لا يعلمون ذلك.
يعني: من يؤمن بالبعث والحساب والجزاء والذين لا يؤمنون بذلك. فالمعنى: لا يستوي المطيع والعاصي.
وقيل: الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم، والذين لا يعلمون هو من لا ينفع بعلمه، ومن لا علم عنده.
ثم قال: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب﴾، أي: إنما يعتبر حجج الله تعالى فيتعظ بها

ويتدبرها أصحاب العقول والبصائر.
ويقف القارئ على " رحمة ربه " إن شدّد الميم، لأن الخبر المحذف مقدر قبل " قل هل ".
ومن خفف وجعل " من " مرفوعة بالابتداء وقف أيضاً على " ربه " ويقدر الخبر أيضاً محذوفاً قبل " قل هل ".
ومن جعله نداء لم يقف على " ربه "، لأن " قل هل " متصل بالمنادي.
والمعنى: يا من قانت قل هل، فإن قدرت محذوفاً تتم به فائدة النداء، وقفت على " ربه ".
والتقدير: " يا من هو قانت أبشر، ثم تبتدئ قل هل ".
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ ياعباد الذين آمَنُواْ اتقوا رَبَّكُمْ﴾.
روى الشموني عن الأعمش عن أبي بكر: " يا عبادي " بياء مفتوحة.

والمعنى: قل يا محمد لعبادي المؤمنين: يا عباد الذين آمنوا، أي: صدقوا بالله ورسوله.
﴿اتقوا رَبَّكُمْ﴾، أي: اتقوه بطاعته واجتناب معاصيه.
ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب (الطيّار في الجنة) وأصحابه من المؤمنين لما قيل لهم: ﴿وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ﴾، خرجوا مهاجرين من مكة إلى أرض الحبشة، وقيل لهم: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، يعني: الصابرين على دينهم يفرّون به من بلد إلى بلد.
ثم قال: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ﴾، أي: للذين أطاعوا الله في الدنيا، حسنة في الدنيا وهي العافية والصحة، قاله السدي.
وقيل: الحسنة التي لهم في الدنيا: موالاة الله إياهم وثناؤه عليهم.
وقيل: المعنى: للذين أطاعوا الله فيالدنيا حسنة في الآخرة، وهي الجنة.
وقوله: ﴿وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ﴾، يعني: أرض الجنة.

وقيل: المعنى: أرض الدنيا واسعة، فهاجروا من أرض الشرك إلى أرض السلام.
قال مجاهد في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ [العنكبوت: ٥٦] أي: أرض الدنيا واسعة فهاجروا واعتزلوا الأوثان.
وقيل: المعنى: أرض الجنة واسعة لمن طلبها وعمل لها.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، أي: إنما يعطي الله أهل الصبر على طاعته أجرهم في الآخرة بغير حساب.
قال قتادة: ما هناكم مكيال ولا ميزان، وقال السدي: ذلك في الجنة.
قال مالك، " هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها، وقد بلغني أن الصبر من / الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ".
" وروى نافع عن ابن عمر أنه قال: لما نزلت {مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ

فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ} الآية: قال النبي ﷺ: رب زد أمتي. فنزلت: ﴿مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فيضاعفه لَهُ﴾ فقال النبي ﷺ: يا رب زد أمتي، فنزلت: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ".
وقيل: " بغير حساب ": بغير تقدير.
وقيل: المعنى، يزاد في أجره بغير مطالبة على ما أعطي كما يطالب بالشكر على نعيم الدنيا.
ويقال: (فلان صابر): إذا صبر عن المعاصي، فإن أردت أنه صابر على المصيبة، قلت: صابر على كذا.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ إني أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين﴾، أي قل يا محمد لقومك: إن الله أمرني أن أخلص له العبادة والطاعة، ولا نشرك في عبادته أحداً من أوثانكم وآلهتكم ولا من غيرها.
﴿وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين﴾، أي: وأمرني الله لأن أكون أول من أسلم