آيات من القرآن الكريم

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎ ﰐﰑﰒﰓ ﰕﰖﰗﰘ ﰚﰛﰜﰝ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ

لَهُمُ النَّفْسُ وَالشَّهْوَةُ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ فَقَطْ ثَانِيهَا: الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمُ النَّفْسُ وَالشَّهْوَةُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمُ الْعِلْمُ وَالْحِكْمَةُ وَهِيَ الْبَهَائِمُ وَثَالِثُهَا: الْأَشْيَاءُ الْخَالِيَةُ عَنِ الْقِسْمَيْنِ، وَهِيَ الْجَمَادَاتُ وَبَقِيَ فِي التَّقْسِيمِ قِسْمٌ رَابِعٌ: وَهُوَ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الْإِنْسَانُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَخْلِيقِ الْإِنْسَانِ لَيْسَ هُوَ الْجَهْلَ وَالتَّقْلِيدَ وَالتَّكَبُّرَ وَالتَّمَرُّدَ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ صِفَاتُ الْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْ تَخْلِيقِهِ ظُهُورُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالطَّاعَةِ، فَقَوْلُهُ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ يَعْنِي أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَإِنْ حَصَلَتْ فِيهِ الشَّهْوَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى الْفَسَادِ وَالْغَضَبِ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ، لَكِنْ حَصَلَ فِيهِ الْعَقْلُ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْخِدْمَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَجَابَ الْمَلَائِكَةَ بِهَذَا الْجَوَابِ وَجَبَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي اكْتِسَابِهَا، وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ طَرِيقَةِ الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْإِصْرَارِ وَالتَّكَبُّرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ وَقَفَ عَلَى كَيْفِيَّةِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ صَارَ وُقُوفُهُ عَلَيْهَا دَاعِيًا لَهُ إِلَى الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِي اكْتِسَابِ الْمَعَارِفِ الْحَقَّةِ وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ زَاجِرًا لَهُ عَنْ أَضْدَادِهَا وَمُقَابَلَاتِهَا، فَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ. فَإِنْ قِيلَ الْمَلَائِكَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمُ اخْتَصَمُوا بِسَبَبِ قَوْلِهِمْ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ [الْبَقَرَةِ: ٣٠] فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَعَ اللَّهِ كُفْرٌ، قُلْنَا لَا شَكَّ أَنَّهُ جَرَى هُنَاكَ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ، وَذَلِكَ يُشَابِهُ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُنَاظَرَةَ وَالْمُشَابَهَةُ عِلَّةٌ لِجَوَازِ الْمَجَازِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظُ الْمُخَاصَمَةِ عَلَيْهِ، وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى سَبِيلِ الرَّمْزِ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ يَعْنِي أَنَا مَا عَرَفْتُ هَذِهِ الْمُخَاصَمَةَ إِلَّا بِالْوَحْيِ، وَإِنَّمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِأُنْذِرَكُمْ بِهَا وَلِتَصِيرَ هَذِهِ الْقِصَّةُ حَامِلَةً لَكُمْ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الطَّاعَةِ والاحتراز عن الجهل والتقليد.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٧١ الى ٨٥]
إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤) قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥)
قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠)
إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)

صفحة رقم 408

اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمَنْعُ مِنَ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِبْلِيسَ، إِنَّمَا وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِسَبَبِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ، وَالْكَفَّارُ إِنَّمَا نَازَعُوا مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسَبَبِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ، فَاللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ القصة هاهنا لِيَصِيرَ سَمَاعُهَا زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ الْمَذْمُومَتَيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى رَغَّبَ الْمُكَلَّفِينَ فِي النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَمَنَعَهُمْ عَنِ الْإِصْرَارِ وَالتَّقْلِيدِ وَذَكَرَ فِي تَقْرِيرِهِ أُمُورًا أَرْبَعَةً أَوَّلُهَا: أَنَّهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ وَالثَّانِي: أَنَّ قِصَّةَ سُؤَالِ الْمَلَائِكَةِ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي تَخْلِيقِ الْبَشَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ الْأَصْلِيَّةَ فِي تَخْلِيقِ آدَمَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ وَالطَّاعَةُ لَا الْجَهْلُ وَالتَّكَبُّرُ الثَّالِثُ: أَنَّ إِبْلِيسَ إِنَّمَا خَاصَمَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَجْلِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ فَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهُمَا، فَهَذَا هُوَ وَجْهُ النَّظْمِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي سُوَرٍ كَثِيرَةٍ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَفِيهَا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ سُؤَالَاتٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا النَّظْمَ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ أَمْكَنَ خَلْقُ الْبَشَرِ لَا مِنَ الطِّينِ، كَمَا إِذَا قِيلَ أَنَا مُتَّخِذٌ سُوَارًا مِنْ ذَهَبٍ، فَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ لَوْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنَ الْفِضَّةِ.
الثاني: ذكر هاهنا أَنَّهُ خَلَقَ الْبَشَرَ مِنْ طِينٍ، وَفِي سَائِرِ الْآيَاتِ ذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آدَمَ إِنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ وَكَقَوْلِهِ: مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الْحِجْرِ: ٢٦] وَكَقَوْلِهِ: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٧].
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ الْمَلَائِكَةَ بِأَنَّهُ خَلَقَ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ الَّتِي قَالَ: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: ٣٠] بَيَّنَ أَنَّهُمْ أَوْرَدُوا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ فَبَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ، وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّقْدِيرَ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَصَفَ لَهُمْ أَوَّلًا أَنَّ الْبَشَرَ شَخْصٌ جَامِعٌ لِلْقُوَّةِ الْبَهِيمِيَّةِ وَالسَّبْعِيَّةِ وَالشَّيْطَانِيَّةِ وَالْمَلَكِيَّةِ، فَلَمَّا قَالَ: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُسْتَجْمِعُ لِتِلْكَ الصِّفَاتِ، إِنَّمَا أَخْلُقُهُ مِنَ الطِّينِ، وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمَادَّةَ الْبَعِيدَةَ هُوَ التُّرَابُ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الطِّينُ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الْحَمَأُ الْمَسْنُونُ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الصَّلْصَالُ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكُلِّ، وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ يَخْلُقُ فِي الْأَرْضِ خليفة، وبالآية المذكورة هاهنا بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ بَشَرٌ مَخْلُوقٌ مِنَ الطِّينِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَخْلِيقَ الْبَشَرِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِأَمْرَيْنِ التَّسْوِيَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ نَفْخُ الرُّوحِ ثَانِيًا، وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ جَسَدٍ وَنَفْسٍ.
أَمَّا الْجَسَدُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْمَنِيِّ، وَالْمَنِيُّ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ دَمِ الطَّمْثِ وَهُوَ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ إِنَّمَا تَتَوَلَّدُ مِنَ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا بُدَّ فِي حُصُولِ هَذِهِ التَّسْوِيَةِ مِنْ رِعَايَةِ مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمِنْ رِعَايَةِ كَيْفِيَّةِ امْتِزَاجَاتِهَا وَتَرْكِيبَاتِهَا، وَمِنْ رِعَايَةِ الْمُدَّةِ الَّتِي فِي مِثْلِهَا حَصَلَ ذَلِكَ الْمِزَاجُ الَّذِي لِأَجْلِهِ يَحْصُلُ الِاسْتِعْدَادُ لِقَبُولِ النفس الناطقة.

صفحة رقم 409

وَأَمَّا النَّفْسُ فَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي وَلَمَّا أَضَافَ الرُّوحَ إِلَى نَفْسِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَوْهَرٌ شَرِيفٌ عُلْوِيٌّ قُدْسِيٌّ، وَذَهَبَتِ الْحُلُولِيَّةُ إِلَى أَنَّ كَلِمَةَ (مِنْ) تَدُلُّ عَلَى التَّبْعِيضِ، وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ الرُّوحَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا غَايَةُ الْفَسَادِ، لِأَنَّ كُلَّ مَا لَهُ جُزْءٌ وَكُلٌّ، فَهُوَ مُرَكَّبٌ وَمُمْكِنُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ وَمُحْدَثٌ.
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ نَفْخِ الرُّوحِ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ جَوْهَرَ النَّفْسِ عِبَارَةٌ عَنْ أَجْسَامٍ شَفَّافَةٍ نُورَانِيَّةٍ، عُلْوِيَّةِ الْعُنْصُرِ، قُدْسِيَّةِ الْجَوْهَرِ، وَهِيَ تَسْرِي فِي الْبَدَنِ سَرَيَانَ الضَّوْءِ فِي الْهَوَاءِ، وَسَرَيَانَ النَّارِ فِي الْفَحْمِ، فَهَذَا الْقَدْرُ مَعْلُومٌ. أَمَّا كَيْفِيَّةُ ذَلِكَ النَّفْخِ فَمِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَمَا تَمَّ نَفْخُ الرَّوْحِ فِي الْجَسَدِ تَوَّجَهُ أَمْرُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالسُّجُودِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ السُّجُودِ مَلَائِكَةُ الأرض، أو دخل فيه ملائكة السموات مِثْلُ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَالرُّوحِ الْأَعْظَمِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا [النَّبَأِ: ٣٨] فَفِيهِ مَبَاحِثٌ عَمِيقَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ لِآدَمَ، هُمُ الْقُوَى النَّبَاتِيَّةُ وَالْحَيَوَانِيَّةُ الْحِسِّيَّةُ وَالْحَرَكِيَّةُ، فَإِنَّهَا فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ خَوَادِمُ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ، / وَإِبْلِيسُ الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ هُوَ الْقُوَّةُ الْوَهْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ الْمُنَازِعَةُ لِجَوْهَرِ الْعَقْلِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ طَوِيلٌ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ وَهِيَ: كَيْفِيَّةُ سُجُودِ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ، وَأَنَّ ذَلِكَ هَلْ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَمْ لَا، وَأَنَّ إِبْلِيسَ هَلْ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَمْ لَا، وَأَنَّهُ هَلْ كَانَ كَافِرًا، أَصْلِيًّا أَمْ لَا، فَكُلُّ ذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: احْتَجَّ مَنْ أَثْبَتَ الْأَعْضَاءَ وَالْجَوَارِحَ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فِي إِثْبَاتِ يَدَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى، بِأَنْ قَالُوا ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَالْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ وَارِدَةٌ عَلَى وَفْقِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى نَفْيِ كَوْنِهِ تَعَالَى جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَعْضَاءِ، قَدْ سَبَقَتْ إِلَّا أَنَّا نَذْكُرُ هاهنا نُكَتًا جَارِيَةً مَجْرَى الْإِلْزَامَاتِ الظَّاهِرَةِ فَالْأَوَّلُ: أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ، فَإِمَّا أَنْ يُثْبِتَ الْأَعْضَاءَ الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي الْقُرْآنِ وَلَا يَزِيدَ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَهُ إِثْبَاتُ صُورَةٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا فِي الْقُبْحِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِثْبَاتُ وَجْهٍ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ إِلَّا مُجَرَّدُ رُقْعَةِ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الْقَصَصِ: ٨٨] وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُثْبِتَ فِي تِلْكَ الرُّقْعَةِ عُيُونًا كَثِيرَةً لِقَوْلِهِ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا [الْقَمَرِ: ١٤] وَأَنْ يُثْبِتَ جَنْبًا واحدا لقوله تعالى: يا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزُّمَرِ: ٥٦] وَأَنْ يُثْبِتَ عَلَى ذَلِكَ الْجَنْبِ أَيْدِيَ كَثِيرَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا [يس: ٧١] وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَدَانِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا عَلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ»
وَأَنْ يُثْبِتَ لَهُ سَاقًا وَاحِدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [الْقَلَمِ: ٤٢] فَيَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ، مُجَرَّدَ رُقْعَةِ الْوَجْهِ وَيَكُونُ عَلَيْهَا عُيُونٌ كَثِيرَةٌ، وَجَنْبٌ وَاحِدٌ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ وَسَاقٌ وَاحِدٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَقْبَحُ الصُّوَرِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا عَبْدًا لَمْ يَرْغَبْ أَحَدٌ فِي شِرَائِهِ، فَكَيْفَ يَقُولُ الْعَاقِلُ إِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصُّورَةِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ، بَلْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ عَلَى وَفْقِ

صفحة رقم 410

التَّأْوِيلَاتِ، فَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ مَذْهَبُهُ فِي الْحَمْلِ عَلَى مُجَرَّدِ الظَّوَاهِرِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَبُولِ دَلَائِلِ الْعَقْلِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: فِي إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ إِنَّهُمْ إِذَا أَثْبَتُوا الْأَعْضَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ أَثْبَتُوا لَهُ عُضْوَ الرَّجُلِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ أَثْبَتُوا لَهُ عُضْوَ النِّسَاءِ فَهُوَ أُنْثَى، وَإِنْ نَفَوْهُمَا فَهُوَ خَصِيٌّ أَوْ عِنِّينٌ، وَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إِمَّا أَنْ يَكُونَ جِسْمًا صُلْبًا لَا يَنْغَمِزُ الْبَتَّةَ، فَيَكُونُ حَجَرًا صُلْبًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلِانْغِمَازِ، فَيَكُونُ لَيِّنًا قَابِلًا لِلتَّفَرُّقِ وَالتَّمَزُّقِ. وَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ عَنْ مَكَانِهِ، كَانَ كَالزَّمِنِ الْمُقْعَدِ الْعَاجِزِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ عَنْ مَكَانِهِ، كَانَ مَحَلًّا لِلتَّغَيُّرَاتِ، فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الْأَنْعَامِ: ٧٦].
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: إِنْ كَانَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَنَامُ وَلَا يَتَحَرَّكُ كَانَ كَالْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، كَانَ إِنْسَانًا كَثِيرَ التُّهْمَةِ مُحْتَاجًا إِلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوِقَاعِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ.
الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَنَقُولُ لَهُمْ حِينَ نُزُولِهِ: هَلْ يَبْقَى مُدَبِّرًا لِلْعَرْشِ وَيَبْقَى مُدَبِّرًا لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ كَانَ عَلَى الْعَرْشِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فِي النُّزُولِ فَائِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مُدَبِّرًا لِلْعَرْشِ فَعِنْدَ نُزُولِهِ يَصِيرُ مَعْزُولًا عَنْ إِلَهِيَّةِ العرش والسموات.
الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنَ الْعَرْشِ، وَإِنَّ الْعَرْشَ لَا نِسْبَةَ لِعَظَمَتِهِ إِلَى عَظَمَةِ الْكُرْسِيِّ، وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتِ السَّمَاءُ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَظَمَةِ اللَّهِ كَالذَّرَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا نَزَلَ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْإِلَهَ يَصِيرُ صَغِيرًا بِحَيْثُ تَسَعُهُ السَّمَاءُ الدُّنْيَا، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ السَّمَاءَ الدُّنْيَا تَصِيرُ أَعْظَمَ مِنَ الْعَرْشِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ.
الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ: ثَبَتَ أَنَّ الْعَالَمَ كُرَةٌ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَوْمٍ كَانَ تَحْتَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَوْمٍ آخَرِينَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُلِّ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ جِسْمًا مُحِيطًا بِهَذَا الْعَالَمِ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ، فَيَكُونُ إِلَهُ الْعَالَمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَكًا مِنَ الْأَفْلَاكِ.
الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ: لَمَّا كانت الأرض كرة، وكانت السموات كُرَاتٍ، فَكُلُّ سَاعَةٍ تُفْرَضُ السَّاعَاتُ فَإِنَّهَا تَكُونُ ثُلْثَ اللَّيْلِ فِي حَقِّ أَقْوَامٍ مُعَيَّنِينَ مِنْ سُكَّانِ كُرَةِ الْعَوَارِضِ، فَلَوْ نَزَلَ مِنَ الْعَرْشِ فِي ثُلْثِ اللَّيْلِ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى أَبَدًا نَازِلًا عَنِ الْعَرْشِ، وَأَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى الْعَرْشِ الْبَتَّةَ.
الْحُجَّةُ الْعَاشِرَةُ: أَنَّا إِنَّمَا زَيَّفْنَا إِلَهِيَّةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُيُوبِ أَوَّلُهَا: كَوْنُهُ مُؤَلَّفًا مِنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ وَثَانِيهَا: كَوْنُهُ مَحْدُودًا مُتَنَاهِيًا وَثَالِثُهَا: كَوْنُهُ مَوْصُوفًا بِالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ، فَإِذَا كَانَ إِلَهُ الْمُشَبِّهَةِ مُؤَلَّفًا مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ كَانَ مُرَكَّبًا، فَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَرْشِ كَانَ مَحْدُودًا مُتَنَاهِيًا، وَإِنْ كَانَ يَنْزِلُ مِنَ الْعَرْشِ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، فَهَذِهِ الصِّفَاتُ الثَّلَاثَةُ إِنْ كَانَتْ مُنَافِيَةً لِلْإِلَهِيَّةِ وَجَبَ تَنْزِيهُ الْإِلَهِ عَنْهَا بِأَسْرِهَا، وَذَلِكَ يُبْطِلُ قَوْلَ الْمُشَبِّهَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً لِلْإِلَهِيَّةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الطَّعْنِ فِي إِلَهِيَّةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.
الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الْإِخْلَاصِ: ١] وَلَفْظُ الْأَحَدِ مُبَالَغَةٌ فِي الْوَحْدَةِ، وَذَلِكَ يُنَافِي كَوْنَهُ مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ.

صفحة رقم 411

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ [مُحَمَّدٍ: ٣٨] وَلَوْ كَانَ مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ لَكَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ غَنِيًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ الْقَوْلَ بِإِثْبَاتِ الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ لِلَّهِ مُحَالٌ، وَلَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْيَقِينِيَّةِ وُجُوبُ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، فَنَقُولُ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي لَفْظِ الْيَدِ وُجُوهًا الْأَوَّلُ: أَنَّ الْيَدَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَةِ تَقُولُ الْعَرَبُ مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ يَدٍ، أَيْ مِنْ قوة وطاقة، قال تعالى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ [الْبَقَرَةِ: ٢٣٧]، / الثَّانِي: الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنِ النِّعْمَةِ يُقَالُ أَيَادِي فُلَانٍ فِي حَقِّ فُلَانٍ ظَاهِرَةٌ وَالْمُرَادُ النِّعَمُ وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ النِّعَمُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ أَوْ نِعَمُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا الثَّالِثُ: أَنَّ لَفْظَ الْيَدِ قَدْ يُزَادُ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ جَنَى بِاللِّسَانِ هَذَا مَا كَسَبَتْ يَدَاكَ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الْأَعْرَافِ: ٥٧].
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ حَمْلُ الْيَدِ على القدرة هاهنا غَيْرُ جَائِزٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْيَدَيْنِ، فَلَوْ كَانَتِ الْيَدُ عِبَارَةً عَنِ الْقُدْرَةِ لَزِمَ إِثْبَاتُ قُدْرَتَيْنِ لِلَّهِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَالثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي أَنَّ كَوْنَ آدَمَ مَخْلُوقًا بِالْيَدَيْنِ يُوجِبُ فَضِيلَتَهُ وَكَوْنَهُ مَسْجُودًا لِلْمَلَائِكَةِ، فَلَوْ كَانَتِ الْيَدُ عِبَارَةً عَنِ الْقُدْرَةِ لَكَانَ آدَمُ مَخْلُوقًا بِالْقُدْرَةِ، لَكِنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ مَخْلُوقَةٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَخْلُوقٌ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَذَلِكَ إِبْلِيسُ مَخْلُوقٌ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى، وعلى تقدير أن تكون اليد عِبَارَةً عَنِ الْقُدْرَةِ، لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْعِلَّةُ عِلَّةً لِكَوْنِ آدَمَ مَسْجُودًا لِإِبْلِيسَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ إِبْلِيسُ مَسْجُودًا لِآدَمَ، وَحِينَئِذٍ يَخْتَلُّ نَظْمُ الْآيَةِ وَيَبْطُلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كِلْتَا يَدَيْهِ يُمْنَى»
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلِيقُ بِالْقُدْرَةِ.
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الثَّانِي: وَهُوَ حَمْلُ الْيَدَيْنِ عَلَى النِّعْمَتَيْنِ فَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى كَثِيرَةٌ كَمَا قَالَ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [إِبْرَاهِيمَ: ٣٤] وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَدَ لَا تَزِيدُ عَلَى الِاثْنَتَيْنِ الثَّانِي: لَوْ كَانَتِ الْيَدُ عِبَارَةً عَنِ النِّعْمَةِ فَنَقُولُ النِّعْمَةُ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ آدَمُ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ يَكُونُ مَخْلُوقًا لِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِمَزِيدِ النُّقْصَانِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِمَزِيدِ الْكَمَالِ الثَّالِثُ:
لَوْ كَانَتِ الْيَدُ عِبَارَةً عَنِ النِّعْمَةِ لَكَانَ قَوْلُهُ: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الْمُلْكِ: ١] مَعْنَاهُ تَبَارَكَ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ الْمُلْكُ وَلَكَانَ قَوْلُهُ: «بِيَدِكَ الْخَيْرُ» مَعْنَاهُ بِنِعْمَتِكَ الْخَيْرُ وَلَكَانَ قَوْلُهُ: يَداهُ مَبْسُوطَتانِ [الْمَائِدَةِ: ٦٤] مَعْنَاهُ نِعْمَتَاهُ مَبْسُوطَتَانِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فَاسِدٌ.
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّ لَفْظَ الْيَدِ قَدْ يُذْكَرُ زِيَادَةً لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ فَنَقُولُ لَفْظُ الْيَدِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّ مَنْ يَكُونُ هَذَا الْعُضْوُ حَاصِلًا لَهُ وَفِي حَقِّ مَنْ لَا يَكُونُ هَذَا الْعُضْوُ حَاصِلًا فِي حَقِّهِ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَكَقَوْلِهِمْ فِي حَقِّ مَنْ جَنَى بِلِسَانِهِ هَذَا مَا كَسَبَتْ يَدَاكَ وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ مَحَلَّ الْقُدْرَةِ هُوَ الْيَدُ فَأَطْلَقَ اسْمَ الْيَدِ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَصِيرُ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الْيَدِ الْقُدْرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِبْطَالُ هَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا الثَّانِي: فَكَقَوْلِهِ: بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ [سَبَأٍ: ٤٦] وَقَوْلِهِ: (بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ) «١» إِلَّا أَنَّا نَقُولُ هَذَا الْمَجَازُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَذْكُورٌ وَالْمَجَازُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مُطَّرِدًا، فَلَا جَرَمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذَا الْمَعْنَى إِنَّمَا حَصَلَ بِيَدِ الْعَذَابِ وَبِيَدِ السَّاعَةِ، وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الْحُجُرَاتِ: ١] قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّأْكِيدُ وَالصِّلَةُ، أَمَّا الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ بَلْ قَوْلُهُ تَعَالَى: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ في المجازات باطلا

(١) لم نعثر على أي مطابقة لها في المعجم.

صفحة رقم 412

فَقَدْ سَقَطَ كَلَامُكُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، فَهَذَا مُنْتَهَى الْبَحْثِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَالَّذِي تَلَخَّصَ عِنْدِي فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ السُّلْطَانَ الْعَظِيمَ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ بِيَدِهِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ/ غَايَةُ عِنَايَتِهِ مَصْرُوفَةً إِلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِذَا كَانَتِ الْعِنَايَةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ لَوَازِمِ الْعَمَلِ بِالْيَدِ أَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلَائِلِ الْقَاهِرَةِ. فَهَذَا مَا لَخَّصْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ فَالْمَعْنَى: أَسْتَكْبَرْتَ الْآنَ أَمْ كُنْتَ أَبَدًا مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ الْعَالِينَ، فَأَجَابَ إِبْلِيسُ بِقَوْلِهِ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فَالْمَعْنَى أَنِّي لَوْ كُنْتُ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الشَّرَفِ لَكَانَ يَقْبُحُ أَمْرِي بِسُجُودِي لَهُ فَكَيْفَ وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ثُمَّ بَيَّنَ كَوْنَهُ خَيْرًا مِنْهُ بِأَنَّ أَصْلَهُ مِنَ النَّارِ وَالنَّارُ أَشْرَفُ مِنَ الطِّينِ، فَصَحَّ أَنَّ أَصْلَهُ خَيْرٌ مِنْ أَصْلِ آدَمَ وَمَنْ كَانَ أَصْلُهُ خَيْرًا مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فهذه مقدمات ثلاثة:
الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى: أَنَّ إِبْلِيسَ مَخْلُوقٌ مِنَ النَّارِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ [الْحِجْرِ: ٢٧].
الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ النَّارَ أَفْضَلُ مِنَ الطِّينِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَجْرَامَ الْفَلَكِيَّةَ أَشْرَفُ مِنَ الْأَجْرَامِ الْعُنْصُرِيَّةِ وَالنَّارُ أَقْرَبُ الْعَنَاصِرِ مِنَ الْفَلَكِ وَالْأَرْضُ أَبْعَدُهَا عَنْهُ فَوَجَبَ كَوْنُ النَّارِ أَفْضَلَ مِنَ الْأَرْضِ الثَّانِي: أَنَّ النَّارَ خَلِيفَةُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي إِضَاءَةِ هَذَا الْعَالَمِ عِنْدَ غَيْبَتِهِمَا وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أَشْرَفُ مِنَ الْأَرْضِ، فَخَلِيفَتُهُمَا فِي الْإِضَاءَةِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَرْضِ الثَّالِثُ: أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ الْفَاعِلَةَ الْأَصْلِيَّةَ، إِمَّا الْحَرَارَةُ أَوِ الْبُرُودَةُ وَالْحَرَارَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْبُرُودَةِ لِأَنَّ الْحَرَارَةَ تُنَاسِبُ الْحَيَاةَ وَالْبُرُودَةُ تُنَاسِبُ الْمَوْتَ الرَّابِعُ: الْأَرْضُ كَثِيفَةٌ وَالنَّارُ لَطِيفَةٌ وَاللَّطَافَةُ أَشْرَفُ مِنَ الْكَثَافَةِ الْخَامِسُ: النَّارُ مُشْرِقَةٌ وَالْأَرْضُ مُظْلِمَةٌ وَالنُّورُ خَيْرٌ مِنَ الظُّلْمَةِ السَّادِسُ: النَّارُ خَفِيفَةٌ تُشْبِهُ الرُّوحَ وَالْأَرْضُ ثَقِيلَةٌ تُشْبِهُ الْجَسَدَ وَالرُّوحُ أَفْضَلُ مِنَ الْجَسَدِ فَالنَّارُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَرْضِ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْأَطِبَّاءَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْعُنْصُرَيْنِ الثَّقِيلَيْنِ أَعْوَنُ عَلَى تَرْكِيبِ الْأَجْسَادِ وَأَنَّ الْعُنْصُرَيْنِ الْخَفِيفَيْنِ أَعَوْنُ عَلَى تَوَلُّدِ الْأَرْوَاحِ السَّابِعُ: النَّارُ صَاعِدَةٌ وَالْأَرْضُ هَابِطَةٌ وَالصَّاعِدُ أَفْضَلُ مِنَ الْهَابِطِ الثَّامِنُ: أَنَّ أَوَّلَ بُرُوجِ الْفَلَكِ هُوَ الْحَمَلُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ مِنْ نُقْطَةِ الِاسْتِوَاءِ الشَّمَالِيِّ، ثُمَّ إِنَّ الْحَمَلَ عَلَى طَبِيعَةِ النَّارِ وَأَشْرَفُ أعضاء الحيوان والقلب وَالرُّوحُ وَهُمَا عَلَى طَبِيعَةِ النَّارِ وَأَخَسُّ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ هُوَ الْعَظْمُ وَهُوَ بَارِدٌ يَابِسٌ أَرْضِيٌّ التَّاسِعُ: أَنَّ الْأَجْسَامَ الْأَرْضِيَّةَ كُلَّمَا كَانَتْ أَشَدَّ نُورَانِيَّةً وَمُشَابَهَةً بِالنَّارِ كَانَتْ أَشْرَفَ وَكُلَّمَا كَانَتْ أَكْثَرَ غُبْرَةً وَكَثَافَةً وَكُدُورَةً وَمُشَابَهَةً بِالْأَرْضِ كَانَتْ أَخَسَّ، مِثَالُهُ الْأَجْسَامُ الشَّبِيهَةُ بِالنَّارِ الذَّهَبُ وَالْيَاقُوتُ وَالْأَحْجَارُ الصَّافِيَةُ النُّورَانِيَّةُ وَمِثَالُهُ أَيْضًا مِنَ الثِّيَابِ الْإِبْرَيْسَمُ وَمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، وَأَمَّا أَنَّ كَلَّ مَا كَانَ أَكْثَرَ أَرْضِيَّةً وَغُبْرَةً فَهُوَ أَخَسُّ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ الْعَاشِرُ: أَنَّ الْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ قُوَّةٌ فِي غَايَةِ الشَّرَفِ وَالْجَلَالَةِ وَلَا يَتِمُّ عَمَلُهَا إِلَّا بِالشُّعَاعِ وَهُوَ جِسْمٌ شَبِيهٌ بِالنَّارِ الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّ أَشْرَفَ أَجْسَامِ الْعَالَمِ الْجُسْمَانِيِّ هُوَ الشَّمْسُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالنَّارِ فِي صُورَتِهِ وَطَبِيعَتِهِ وَأَثَرِهِ الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّ النُّضْجَ وَالْهَضْمَ وَالْحَيَاةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْحَرَارَةِ وَلَوْلَا قُوَّةُ الْحَرَارَةِ لَمَا تَمَّ الْمِزَاجُ وَتَوَلَّدَتِ الْمُرَكَّبَاتُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ أَقْوَى الْعَنَاصِرِ/ الْأَرْبَعَةِ فِي قُوَّةِ الْفِعْلِ هُوَ النَّارُ وَأَكْمَلُهَا فِي قُوَّةِ الانفعال هو الأرض والفعل فضل مِنَ الِانْفِعَالِ فَالنَّارُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَرْضِ. أَمَّا الْقَائِلُونَ بِتَفْضِيلِ الْأَرْضِ عَلَى النَّارِ فَذَكَرُوا أَيْضًا وُجُوهًا الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَرْضَ أَمِينٌ مُصْلِحٌ فَإِذَا أَوْدَعْتَهَا حَبَّةً رَدَّتْهَا

صفحة رقم 413

إِلَيْكَ شَجَرَةً مُثْمِرَةً وَالنَّارُ خَائِنَةٌ تُفْسِدُ كُلَّ مَا أَسْلَمْتَهُ إِلَيْهَا الثَّانِي: أَنَّ الْحِسَّ الْبَصَرِيَّ أَثْنَى عَلَى النَّارِ «١» فَلْيَسْتَمِعْ مَا يَقُولُهُ الْحِسُّ اللَّمْسِيُّ الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَرْضَ مُسْتَوْلِيَةٌ عَلَى النَّارِ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ النَّارَ، وَأَمَّا النَّارُ فَإِنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْأَرْضِ الْخَالِصَةِ.
وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ: فَهِيَ أَنَّ مَنْ كَانَ أَصْلُهُ خَيْرًا مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ كَاذِبَةٌ جِدًّا وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ الرَّمَادِ النَّارُ وَأَصْلَ الْبَسَاتِينِ النَّزِهَةِ وَالْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ هُوَ الطِّينُ وَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْأَشْجَارَ الْمُثْمِرَةَ خَيْرٌ مِنَ الرَّمَادِ، وَأَيْضًا فَهَبْ أَنَّ اعْتِبَارَ هَذِهِ الْجِهَةِ يُوجِبُ الْفَضِيلَةَ إِلَّا أَنَّ هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ مُعَارَضًا بِجِهَةٍ أُخْرَى تُوجِبُ الرُّجْحَانَ مِثْلَ إِنْسَانٍ نَسِيبٍ عَارٍ عَنْ كُلِّ الْفَضَائِلِ فَإِنَّ نَسَبَهُ يُوجِبُ رُجْحَانَهُ، إِلَّا أَنَّ الَّذِي لا يكون نسبيا قَدْ يَكُونُ كَثِيرَ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ فَيَكُونُ هُوَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّسِيبِ بِدَرَجَاتٍ لَا حَدَّ لَهَا، فَالْمُقَدِّمَةُ الْكَاذِبَةُ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ إِبْلِيسُ هُوَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَبْ أَنَّ إِبْلِيسَ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْقِيَاسِ لَكِنْ كَيْفَ لَزِمَهُ الْكُفْرُ مِنْ تِلْكَ الْمُخَالَفَةِ؟ وَبَيَانُ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: اسْجُدُوا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ بَلِ النَّدْبَ وَمُخَالَفَةُ النَّدْبِ لَا تُوجِبُ الْعِصْيَانَ فَضْلًا عَنِ الْكُفْرِ، وَأَيْضًا فَالَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ فَهُمْ لَا يُنْكِرُونَ كَوْنَهُ مُحْتَمِلًا لندب احْتِمَالًا ظَاهِرًا وَمَعَ قِيَامِ هَذَا الِاحْتِمَالِ الظَّاهِرِ كَيْفَ يَلْزَمُ الْعِصْيَانُ فَضْلًا عَنِ الْكُفْرِ الثَّانِي: هَبْ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ إِلَّا أَنَّ إِبْلِيسَ مَا كان من الملائكة فأمر الملائكة بسجود آدم لَا يَدْخُلُ فِيهِ إِبْلِيسُ الثَّالِثُ: هَبْ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ إِلَّا أَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ جَائِزٌ فَخَصَّصَ نَفْسَهُ عَنْ عُمُومِ ذَلِكَ الْأَمْرِ بِالْقِيَاسِ الرَّابِعُ:
هَبْ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُوجِبُ الْعِصْيَانَ وَلَا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَكَيْفَ لزمه الكفر والجواب: هَبْ أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَيْهَا مِنَ القرائن ما يدل على الوجوب، وهاهنا حصلت تلك القرائن وهي قَوْلُهُ تَعَالَى: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ فَلَمَّا أَتَى إِبْلِيسُ بِقِيَاسِهِ الْفَاسِدِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْقِيَاسَ لِيَتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى الْقَدْحِ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَتَكْلِيفِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْكُفْرَ. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ إِنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ قَالَ تَعَالَى: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ ذِكْرَ الْحُكْمِ عَقِيبَ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِذَلِكَ الوصف وهاهنا الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ رَجِيمًا وَرَدَ عَقِيبَ مَا حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ خَصَّصَ النَّصَّ بِالْقِيَاسِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ يُوجِبُ هَذَا الْحُكْمَ، وَقَوْلُهُ: مِنْها أَيْ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ من السموات وَالرَّجِيمُ الْمَرْجُومُ وَفِيهِ قَوْلَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَجَازٌ عَنِ الطَّرْدِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ طُرِدَ فَقَدْ يُرْمَى بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ الرَّجْمُ فَلَمَّا كَانَ الرَّجْمُ مِنْ لَوَازِمِ الطَّرْدِ جُعِلَ الرَّجْمُ كِنَايَةً عَنِ الطَّرْدِ فَإِنْ قَالُوا الطَّرْدُ هُوَ اللَّعْنُ فَلَوْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ: رَجِيمٌ عَلَى الطَّرْدِ لَكَانَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي تَكْرَارًا وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّا نَحْمِلُ الرَّجْمَ على الطرد من الجنة أو من السموات وَنَحْمِلُ اللَّعْنَ عَلَى الطَّرْدِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالثَّانِي: أَنَّا نَحْمِلُ الرَّجْمَ عَلَى الطَّرْدِ وَنَحْمِلُ قوله:

(١) العبارة مصحفة لأن الحس البصري فيما نعلم لم يثن على النار وإنما يتأذى به كما أن الحس اللمسي يحترق بالنار. ولعله نظر إلى المعنى من ناحية أخرى هي أن فضل النار لم يظهره إلا البصر واللمس وهما من طبيعة الأرض. فبسببهما بان فضل الأرض على النار.

صفحة رقم 414

وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الطَّرْدَ يَمْتَدُّ إِلَى آخِرِ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ هَذَا فَائِدَةً زَائِدَةً وَلَا يَكُونُ تَكْرِيرًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ الرَّجِيمِ أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَهُوَ كَوْنُ الشَّيَاطِينِ مَرْجُومِينَ بِالشُّهُبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ كَلِمَةُ إِلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَقَوْلُهُ: إِلى يَوْمِ الدِّينِ يَقْتَضِي انْقِطَاعَ تِلْكَ اللَّعْنَةِ عِنْدَ مَجِيءِ يَوْمِ الدِّينِ، أَجَابَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» بِأَنَّ اللَّعْنَةَ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَإِذَا جَاءَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جُعِلَ مَعَ اللَّعْنَةِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعَذَابِ تَصِيرُ اللَّعْنَةُ مَعَ حُضُورِهَا مَنْسِيَّةً.
وَاعْلَمْ أَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا صَارَ مَلْعُونًا قَالَ: فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قِيلَ إِنَّمَا طَلَبَ الْإِنْظَارَ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ إِذَا نُظِرَ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ لَمْ يَمُتْ قَبْلَ يَوْمِ الْبَعْثِ وَعِنْدَ مَجِيءِ يَوْمِ الْبَعْثِ لَا يَمُوتُ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ يَتَخَلَّصُ مِنَ الْمَوْتِ فَقَالَ تَعَالَى: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وَمَعْنَاهُ إِنَّكَ مِنَ الْمَنْظَرِينَ إِلَى يَوْمٍ يَعْلَمُهُ اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ سِوَاهُ، فَقَالَ إِبْلِيسُ: فَبِعِزَّتِكَ وَهُوَ قَسَمٌ بِعَزَّةِ اللَّهِ وَسُلْطَانِهِ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ فَهَهُنَا أَضَافَ الْإِغْوَاءَ إِلَى نَفْسِهِ وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي فَأَضَافَ الْإِغْوَاءَ إِلَى اللَّهِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الْجَبْرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُتَحَيِّرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَأما قَوْلُهُ: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فَفِيهِ فَوَائِدُ:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: قِيلَ غَرَضُ إِبْلِيسَ مِنْ ذِكْرِهِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ أَنْ لَا يَقَعَ فِي كَلَامِهِ الْكَذِبُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ وَادَّعَى أَنَّهُ يُغْوِي الْكُلَّ لَكَانَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ حِينَ يَعْجَزُ عَنْ إِغْوَاءِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَكَأَنَّ إِبْلِيسَ قَالَ:
إِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لِئَلَّا يقع الكذب في هذا الكلام، وعند هَذَا يُقَالُ إِنَّ الْكَذِبَ شَيْءٌ يَسْتَنْكِفُ مِنْهُ إِبْلِيسُ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ؟ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلُهُ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ؟ [الْحَجِّ: ٥٢] قُلْنَا إِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَقُلْ إِنِّي لَمْ أَقْصِدْ إِغْوَاءَ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ بَلْ قَالَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ الْإِغْوَاءَ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُغْوِيهِمْ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِبْلِيسَ لَا يُغْوِي عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، وَقَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ يُوسُفَ:
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يُوسُفَ: ٢٤] فَنَصِلُ مِنْ مَجْمُوعِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ إِبْلِيسَ مَا أَغْوَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الْحَشْوِيَّةِ فِيمَا يَنْسُبُونَ إِلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْقَبَائِحِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ فَالْحَقُّ بِالرَّفْعِ وَالْحَقَّ بِالنَّصْبِ، وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا. أَمَّا الرَّفْعُ فَتَقْدِيرُهُ فَالْحَقُّ قَسَمِي. وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى الْقَسَمِ، أَيْ فَبِالْحَقِّ، كَقَوْلِكَ وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالْحَقَّ أَقُولُ انْتُصِبَ قَوْلُهُ: وَالْحَقَّ بِقَوْلِهِ: أَقُولُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: مِنْكَ أَيْ مِنْ جِنْسِكَ، وَهُمُ الشَّيَاطِينُ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: أَجْمَعِينَ تَأْكِيدٌ لِمَاذَا؟ قُلْنَا: يُحْتَمَلُ أَنْ يُؤَكَّدَ بِهِ الضَّمِيرُ فِي مِنْهُمْ، أَوِ الْكَافُ فِي مِنْكَ مَعَ مَنْ

صفحة رقم 415
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية