
«وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ٥٥» مرجع قبيح ومصير مخزي ومأوى مخجل، وهذا بمقابلة ما للمتقين. ثم بين ذلك المآب بقوله: «جهنم» يجوز أن تكون بدلا من المآب أو عطف بيان وهي منصوبة على الذم «يَصْلَوْنَها» يحرقون فيها حرقا فظيعا «فَبِئْسَ الْمِهادُ ٥٦» جهنم المخصوصة بالذم فهي شر الفراش أعاذنا الله منها «هذا» العذاب الأليم «فَلْيَذُوقُوهُ» الطغاة أعداء الله فهو «حَمِيمٌ» ماء شديد الغليان «وَغَسَّاقٌ ٥٧» ماء آخر شديد البرودة يؤذي كالشديد الحرارة، ألم تر أيها القارئ فعل البرد في الزرع كيف يصيره أسود كأنه محروق بالنار لا بالحر الشديد لأنه يسوده بل ييبسه فقط وقد تصيبه سمرة راجع الآية ٥ من الأعلى المارة قال تعالى: «وَآخَرُ» نوع وجنس آخر من العذاب «مِنْ شَكْلِهِ» أي الحميم والغساق «أَزْواجٌ ٥٨» كثيرة وأضعاف متنوعة ثم يقال للقادة والرؤساء إذا أدخلوا النار وجاءت الزبانية بأتباعهم وزجوهم فيها معهم «هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ» العذاب أيضا كما اقتحموا أسبابه معكم في الدنيا، أي هؤلاء أتباعكم الضلال فيقولون «لا مَرْحَباً بِهِمْ» ضاقت الدار بهم لا وسعت وهذا على ما تعورف عند العرب إذ يقولون للقادم مرحبا أي دارنا رحبة واسعة بمقدمك، وأهلا أي نزلت على أهلك، وسهلا أي ما تطلبه يسر علينا إنفاذه هذا إذا كان خيرا وإذا كان شرا فبالعكس، كما هنا، ويقولون «إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ ٥٩» مثلنا فيردون عليهم بقولهم: «قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ» لأنكم رؤساؤنا بالكفر والشرك والضلال والإضلال لأنكم «أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ» أي العذاب المذكور «لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ ٦٠» الذي أوصلتمونا اليه ثم يبادرون بالدعاء عليهم إذ لم تنفعهم المخاصمة
«قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا» العذاب الأليم أي تسبب به «فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ ٦١» لضلالهم أنفسهم وإضلالهم إيانا «وَقالُوا» أي الرؤساء والقادة الطغاة بعضهم لبعض، الأولون والآخرون، ومنهم بغاة قريش «ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ ٦٢» في الدنيا يعنون بذلك أتباع الرسل إذ كانوا يسمونهم في الدنيا أشرارا قال قوم هود لهود عليه السلام (ما نَراكَ اتَّبَعَكَ ت (٢١)

إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) الآية ٢٧ من ج ٢ وقال قوم محمد لمحمد عليه الصلاة والسلام أنؤمن كما آمن السفهاء الآية ١٣ من البقرة حتى ان قريشا لم ترض بمجالسة فقراء المسلمين كما سيأتي في الآية ٥١ من الأنعام والآية ٢٧ من الكهف في ج ٢ وقالوا أيضا «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا» بهمزة الاستفهام أسقطت معها همزة الوصل أي ما لهم لم يدخلوا معنا النار وكنا نسخر منهم في الدنيا ولا نرضى مجالستهم، سموهم أشرارا لكونهم على خلاف دينهم، وأراذل لأنهم فقراء «أم» أنهم موجودون ولكن «زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ ٦٣» فلم ترهم لكثرة أهل النار، واعلموا أيها الناس «إِنَّ ذلِكَ» الأخذ والرديين التابعين والمتبوعين «لحق» واقع لأنه «تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ٦٤» في النار كائن لا مرية فيه وهذا التشاحن بين العابدين والمعبودين والضالين والمضلين لا محالة صائر بينهم في بعض مواقف القيامة راجع الآية ٣٥ من المرسلات المارة والآية ٢١ من ابراهيم في ج ٢ والآية ١٦٦ من البقرة في ج ٣ «قُلْ» يا سيد الرسل لمشركي قومك «إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ» لكم من هذا المصير السيء «وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ٦٥» لكل شيء وان ما تزعمونه من الآلهة كلها مخلوقة لله ومقهورة له لا تملك من خلقه شيئا ولا لنفسها نفعا وان إلهي «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ» الغالب الذي لا يمتنع عنه شيء «الْغَفَّارُ ٦٦» لمن رجع اليه نادما من ضلاله وأن عظمت ذنوبه كرما منه لأنه واسع المغفرة. قال الأبوصيري:
يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت | إن الكبائر في الغفران كاللمم. |