
الإضافة، وقرأ الباقون «بِخَالِصَةٍ» على تنوينِ «خالِصَةٍ» ف «ذكرى» على هذه القراءةِ بدلٌ من خالِصَةٍ فيحتملُ أنْ يكونَ معنى الآية: أنا أخلصناهم بأن خَلُصَ لهم التذكيرُ بالدارِ الآخرةِ ودعاءِ الناس إليها وهذا قول قتادةَ «١»، وقيل المعنى: أنا أخْلَصْنَاهم، بأنْ خَلُصَ لهم ذكرَهم للدارِ الآخرة وخوفُهم لها والعملُ بحسب ذلك وهذا قول مجاهد «٢»، وقال ابن زيد: المعنى أنا وَهَبْنَاهُمْ أَفْضَلَ مَا في الدارِ الآخرةِ، وأخْلَصْناهم به، وأعطيناهم إياه «٣»، ويحتمل أن يريدَ بالدارِ دارَ الدنيا على معنى ذكر الثناءِ والتعظيم من الناس.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٤٩ الى ٥٤]
هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣)
إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤)
وقوله تعالى: هذا ذِكْرٌ يحتملُ معنييْنِ:
أحدهما: أن يشيرَ إلى مَدْحِ مَنْ ذُكِرَ وإبقاءِ الشَّرَفِ له، فيَتأيَّدُ بهذا قولُ مَنْ قَال: إن الدارَ يرادُ بها الدنيا.
والثاني: أن يُشيرَ بهذا إلى القرآن، أي: ذكرٌ للعالم.
وجَنَّاتِ بدل من لَحُسْنَ مَآبٍ ومُفَتَّحَةً نعت ل جَنَّاتِ، والْأَبْوابُ مفعولٌ لَمْ يُسَمَّ فاعله، وباقي الآيةِ بيِّن.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٥٥ الى ٦١]
هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩)
قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٩٣) برقم: (٢٩٩٧٠) عن مجاهد، و (٢٩٩٧١) عن السدي، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٦٦)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٠٩)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٤٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٩٣)، وعزاه لابن المنذر.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٩٤) برقم: (٢٩٩٧٢)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٦٦)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٠٩)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٩٣)، وعزاه لعبد بن حميد عن الحسن.

وقوله سبحانه: هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ... الآية، التقديرُ: الأمرُ/ هذا، ويحتمل أنْ يكونَ التقديرُ: هذا واقعٌ أو نحوَهُ، و «الطغيان» هنا في الكُفْرِ.
وقوله تعالى: هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ قرأ الجمهورُ: «غَسَاق» - بتخفيف السينِ «١» - وهو اسم بمعنى السائِل، قال قتادةُ: الغَسَاقُ: ما يَسِيلُ من صديدِ أهلِ النار «٢»، قال- ص-: الغَسَاقُ السَّائِل، وعن أبي عبيدةَ أيضاً: الباردُ المُنْتِنُ بلُغَةِ التُّرْكِ «٣»، انتهى، قال الفخرُ «٤» : هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ فيه وجْهَانِ: الأول على التقديمِ والتأخير، والتقديرُ: هذا حميمٌ وغساقٌ أي: منه حميمٌ وغساقٌ، انتهى، ت: والوجهُ الثاني: أنَّ الآيةَ لَيْسَ فيها تقديمٌ ولا تأخير وهو واضح، وقرأ الجمهور وَآخَرُ بالإفرادِ، ولَهُمْ عذابٌ آخَرُ، ومعنى مِنْ شَكْلِهِ أي: من مِثْلِهِ وضَرْبِهِ، وقرأ أبو عمرو وحده: «وأخر» على الجمع «٥»، وأَزْواجٌ معناه: أنواع، والمعنى: لهم حميمٌ وغساقٌ، وأغذية أُخَرُ من ضَرْبِ ما ذُكِرَ.
وقوله تعالى: هذا فَوْجٌ هو مِمَّا يُقَالُ لأهْلِ النارِ، إذا سِيقَ عامَّةُ الكفَّارِ والأتباعِ إليها لأن رؤساءَهم يَدْخلونَ النارَ أولاً، والأظهرُ أنَّ قائلَ ذلكَ لَهُمْ ملائكةُ العذابِ، وهو الذي حكَاه الثعلبيُّ وغَيْرُهُ، ويحتملُ أنْ يكونَ ذلكَ من قولِ بعضِهم لبعض، فيقولُ البعضُ الأخرُ: لاَ مَرْحَباً بِهِمْ أي، لا سَعَةَ مَكَانٍ، ولا خَيْرَ يَلْقَوْنَهُ.
وقوله: بَلْ أَنْتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ حكايةٌ لقولِ الأتبَاعِ لرؤسائِهم، أي: أنتم قَدَّمْتُمُوهُ لنا بإغوائِكم وأسلفتم لنا ما أوجب هذا، قال العراقيّ: [الرجز]
ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٥١٠)، و «السبعة» (٥٥٥)، و «الحجة» (٦/ ٧٨)، و «معاني القراءات» (٢/ ٣٣٠)، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٩٣)، و «العنوان» (١٦٣)، و «حجة القراءات» (٦١٥)، و «شرح شعلة» (٥٦٥)، و «إتحاف» (٢/ ٤٢٣).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٩٨) برقم: (٢٩٩٩٠)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٦٧)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥١٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٩٤)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة، ولابن أبي شيبة، وهناد، وعبد بن حميد عن أبي رزين، ولهناد عن عطية.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٦٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٩٤)، وعزاه لابن جرير عن عبد الله بن بريدة.
(٤) ينظر: «تفسير الفخر الرازي» (٢٦/ ١٩٢).
(٥) ينظر: «السبعة» (٥٥٥)، و «الحجة» (٦/ ٧٨)، و «معاني القراءات» (٥/ ١٩٣)، و «العنوان» (١٦٣)، و «حجة القراءات» (٦١٥)، و «شرح شعلة» (٥٦٦)، و «إتحاف» (٢/ ٤٢٣). [.....]