آيات من القرآن الكريم

وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ

المناسبة: لما ذكر تعالى إنكار المشركين للقرآن والرسالة والحشر والنشر، وأعقبها بذكر قصة داود تسلية للنبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، ذكر هنا بعض البراهين على البعث والنشور، ثم بيَّن الحكمة من نزول القرآن، ثم تابع الحديث عن قصة سليمان بن داود تتميماً وتكميلاً للهدف السامي من ذكر قصص القرآن.
اللغَة: ﴿الألباب﴾ العقول واحدها لبٌّ، ولبٌّ الشيء صفوته وخلاصته ولذلك سُمي العقل لُبّاً ﴿الصافنات﴾ الخيول الواقفة على ثلاثة قوائم وطرف حافر الرابعة جمع صافن قال الفراء: الصافن في كلام العرب الواقف من الخيل أو غيرها قال الشاعر:

تركنا الخيل عاكفةً عليه مُقلدة أعنَّتها صُفونا
﴿الجياد﴾ السِّراع السَّوابق في العدو قال المبرد: الجياد جمع جواد وهو الشديد الجري كما أن الجواد من الناس هو السريع البذل ﴿تَوَارَتْ﴾ اختفت ﴿رُخَآءً﴾ لينة أو منقادة حيث أراد ﴿الأصفاد﴾ سلاسل الحديد والأغلال واحدها صفد وفي الحديث: «صُفدت الشياطين» أي ربطت بالسلاسل قال الشاعر:
فآبوا بالنِّهاب وبالسبايا وأُبنا بالمُلوك مصفَّدينا
﴿ضِغْثاً﴾ الضغث: حزمة من الحشيش أو غيره مختلطة الرطب باليابس، وأصله: الشيء المختلط ومنه «أضغاث أحلام» للرؤيا المختلطة.
التفسِير: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً﴾ أي ما خلقنا هذا الكون البديع بما في من المخلوقات العجيبة عبثاً وسُدى ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ﴾ أي خلق ما ذكر لا لحكمة هو ظنُّ الكفار الفجار الذين لا يؤمنون بالبعث والنشور ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار﴾ أي فويلٌ للكفار من عذاب النار، ثم وبخهم تعالى على هذا الظنِّ السيء فقال ﴿أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض﴾ ؟ أي هل نجعل المؤمنين المصلحين كالكفرة المفسدين؟ ﴿أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار﴾ أي أم نجعل الأخيار الأبرار كالأشرار الفجار؟ والغرض: أنه لا يتساوى في حكمته تعالى المحسن مع المسيء، ولا البرُّ مع الفاجر، ففي الآية استدلال على الحشر والجزاء، وفيها أيضاً وعدٌ ووعيد قال ابن كثير: بيَّن تعالى أنه ليس من عدله وحكمته أن يساوي بين المؤمنين والكافرين، وإذا

صفحة رقم 52

كان الأمر كذلك فلا بدَّ من جزاء يُثاب فيها المطيع، ويعاقب فيها الفاجر، وقد دلت العقول السليمة على أنه لا بدَّ من جزاء ومعاد، فإنا نرى الظالم الباغي يزداد مالُه وولدُه ونعيمُه ويموت دون عقاب، ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده، فلا بدَّ في حكمه الحكيم العليم إنصاف هذا من هذا، وإذا لم يقع هذا في هذه الدار، فتعيَّن أن هناك داراً أُخرى لهذا الجزاء والمواساة وهي الدار الآخرة.. ثم بيَّن تعالى الغاية من نزول القرآن وهي العمل والتفكير فقال ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ أي هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك يا محمد كتابٌ عظيم جليل، كثير الخيرات والمنافع الدينية والدنيوية ﴿ليدبروا آيَاتِهِ﴾ أي أنزالناه ليتدبروا آياته ويتفكروا بما فيها من الأسرار العجيبة، والحكم الجليلة ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الألباب﴾ أي وليتعظ بهذا القرآن أصحاب العقول السليمة قال الحسن البصري: واللهِ ما تدبُّره بحفظ حروفه وإِضاعة حدوده، حتى إنَّ أحدهم ليقول: واللهِ لقد قرأتُ القرآن فما أسقطتُ منه حرفاً، وقد أسقطه واللهِ كلَّه، ما يُرى للقرآن عليه أثرٌ في خُلُق ولا عمل.
. اللهم اجعلنا ممن قرأه وتدبَّره وعمل بما فيه ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ﴾ شروعٌ في بيان قصة سليمان بن داود عليهما السلام أي رزقنا عبدنا داود بالولد الصالح المسمَّى سليمان وأعطيناه النبوة قال المفسرون: المراد بالهبة هنا هبة النبوة كما قال تعالى ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ [النمل: ١٦] أي في النبوة، وإلا فقد كان له أولاد كثيرون غيره ﴿نِعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ أي نعم العبدُ سليمان فإنه كان كثير الرجوع إلى الله بالتوبة والإِنابة ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعشي الصافنات الجياد﴾ أي اذكر حين عُرض على سليمان عشية يوم من الأيام أي بعد العصر الخيل الواقفة على طرف الحافر، السريعة الجري قال الرازي: وُصفت تلك الخيل بوصفين: الأول: الصفون وهو صفة دالة على فضيلة الفرس، والثاني: الجياد وهي الشديدة الجري، والمراد وصفها بالفضيلة والكمال في حالي الوقوف والحركة، فإذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها، وإذا جرت كانت سراعاً في جريها ﴿فَقَالَ إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِّي﴾ أي آثرت حبَّ الخيل حتى شغلتني عن ذكر الله قال المفسرون: عُرضت عليه آلاف من الخيل تركها له أبوه، فأُجريت بين يديه عيشاً فتشاغل بحسنها وجريها ومحبتها عن ذكرٍ له حتى غابت الشمس ﴿حتى تَوَارَتْ بالحجاب﴾ أي حتى غابت الشمس واختفت عن الأنظار ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ﴾ أي قال سليمان ردُّوا هذه الخيل عليَّ ﴿فَطَفِقَ مَسْحاً بالسوق والأعناق﴾ أي فشرع يذبحها ويقطع أرجلها تقرباً إلى الله، لتكون طعاماً للفقراء لأنها شغلته عن ذكر الله قال الحسن: لما رُدَّت عليه قال: لا والله لا تشغليني عن طاعة ربي ثم أمر بها فعقرت وكذلك قال السدي، وأما قول من قال: إنها شغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس فضعيف، لأنه لا يتصور من نبيٍ أن يترك صلاة العصر من أجل اشتغالهع بالدنيا، والنصُّ صريح ﴿عَن ذِكْرِ رَبِّي﴾ {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ

صفحة رقم 53

جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ} هذه إشارة إلى ابتلاء آخر لسليمان ابتلي به، ثم تاب وأناب من تلك الهفوة والزلة، ولعلَّ هذه الفتنة ما روي في الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «قال سليمان: لأطوفنَّ الليلة على سبعين امرأة، كلُّ واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل: إن شاء الله فطاف عليهم فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفسي بيده: لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون»
قال ابن كثير: «وقد ِأورد بعضُ المفسرين أثاراً كثيرة عن جماعةٍ من السلف، وأكثرها أوكلُّها متلقاة من الإِسرائيليات، وفي كثير منها كارة شديدة» واختار الإِمام الفخر أن الفتنة المذكورة في الآية الكريمة يقصد بها فتنته في جسده، حيث إن سليمان ابتلي بمرضٍ شديد نحل منه وضعف، حتى صار لشدة المرض كأنه جسد ملقى على كرسي، قال والعرب تقول في الضعيف: إنه لحم على وضم، وجسم بلا روح، ثم أناب أي رجع إلى حالة الصحة ﴿قَالَ رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي﴾ أي اغفر لي ما صدر مني وأعطني ملكاً واسعاً لا يكون لأحدٍ غيري ليكون دلالة على نبوتي ﴿إِنَّكَ أَنتَ الوهاب﴾ أي واسع الفضل كثير العطاء ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح﴾ أي فذللنا الريح لطاعته إجابةً لدعوته ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ أي تسير بأمره لينةً طيبة حيث قصد وأراد ﴿والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ أي وسخرنا له الشياطين كذلك تعمل بأمره، منهم من يستخدمه لبناء الأبنية الهائلة العجيبة، ومنهم من يغوص في البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد﴾ أي وآخرين من الشياطين وهم المردة موثوقون في الأغلال، مربوطون بالقيود والسلاسل لكفرهم وتمردهم عن طاعة سليمان ﴿هذا عَطَآؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي وقلنا له: هذا عطاؤنا الواسع لك، فأعطٍ من شئت وامنعْ من شئت، لا حساب عليك في ذلك، لأنك مطلق اليد فيما وهب الله لك الواسع لك من سلطة ومن نعمة ﴿وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ أي وإنّ له عندنا لمكانة رفيعة في الدنيا، وحسن مرجع في الآخرة ﴿واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ﴾ هذه هي القصة الثالثة في هذه السورة، والإِضافة للتشريف أي اذكر يا محمد عبدنا الصالح أيوب عليه السلام، الذي ابتلي بأنواع البلاء فصبر. ﴿إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ أي حين نادى ربه متضرعاً إليه قائلاً إني مسني الشيطان بتعبٍ ومشقة، وألمٍ شديد في بدني قال المفسريون: وإِنما نسبَ ذلك إلى الشيطان تأدباً مع الله تعالى، وإنْ كانت الأشياء كلها خيرها وشرها

صفحة رقم 54

من الله تعالى، وكان أيوب قد أُصيب في ماله وأهله وبدنه، وبقي في البلاء ثمان عشرة سنة، وقد تقدمت قصته ﴿اركض بِرِجْلِكَ﴾ أي وقلنا له اضرب برجلك الأرض فضربها فنبعت له عين ماءٍ صافية ﴿هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ أي وقلنا له هذا ماءٌ تغتسل به، وشراب تشرب منه، فاغتسل منها فذهب ما كان بظاهر جسده، وشرب منها فذهب كل مرضٍ كان داخل جسده قال أبو حيان: ﴿هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ﴾ أي ما يُغتسل به ﴿وَشَرَابٌ﴾ أي ما يشرب منه، فباغتسالك يبرأ ظاهرك، وبشربك يبرأ باطنك، والجمهور على أن نبعت له عينان، شرب من إحداهما واغتسل من الأُخرى فشفي ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ﴾ أي أحيا الله من مات من أولاده ورزقه مثله قال الرازي: الأقرب أن الله تعالى متعته بصحته وبماله وقوَّاه حتى كثر نسله وصار أهله ضعف ما كان وأضعاف ذلك وعن الحسن أنه أحياهم بعد أن هلكوا وقال أبو حيان: الجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله، وعافى المرضى، وجمع عليه من شتت منهم ﴿رَحْمَةً مِّنَّا﴾ أي رحمةً منَّا به لصبره وإِخلاصه ﴿وذكرى لأُوْلِي الألباب﴾ أي وعبرة لذوي العقول المستنيرة قال ابن كثير: أي وذكرى لذوي العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ﴾ أي وقلنا له خذْ بيدك حزمة من القضبان الرفيعة فاضرب بها زوجتك لتبرَّ بيمينك ولا تحنث قال المفسرون: كان أيوب قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوطٍ إذا برىء من مرضه، وسبب ذلك أنها كانت تخدمه في حالة مرضه، وفلما اشتد به البلاء وطالت به المدة وسوس إليها الشيطان: إلى متى تصبرين؟ فجاءت إلى أيوب وفي نفسها الضجر فقالت له: إلى متى هذا البلاء؟ فغضب من هذا الكلام وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة سوط، فأمره الله أن يأخذ حزمةً من قضبانٍ خفيفة فيها مئة عود ويضربها بها ضربة واحدةً ويبرَّ في يمينه، ورحمةً من الله به وبزوجه التي قامت على رعايته، وصبرت على بلائه، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه ولهذا قال تعالى ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً﴾ أي ابتليناه فوجدناه صابراً على الضراء ﴿نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ أي نعم العبد أيوب إنه كثير الرجوع إلى الله بالتوبة والإِنابة والعبادة ﴿واذكر عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأيدي والأبصار﴾ أي اذكر يا محمد هؤلاء الأنبياء الأخيار وتأسَّ بهم، الذين جمعوا بين القوة في العبادة، والبصائر في الدين قال الطبري: أي أهل القوة في عبادة الله، وأهل العقول المبصرة ﴿إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار﴾ أي خصصناهم بخصلةٍ خالصة عظيمة الشأن، هي عدم التفاتهم إلى الدنيا وتذكرهم للدار الباقية قال مجاهد: جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم همٌّ غيرها ﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الأخيار﴾ أي وهم عندنا المختارون المجتبون على سائر الناس لأنهم أخيار أبرار ﴿واذكر إِسْمَاعِيلَ واليسع وَذَا الكفل وَكُلٌّ مِّنَ الأخيار﴾ أي واذكر يا محمد هؤلاء الرسل أيضاً وكلٌّ من خيرة الله فاقتد بهم في

صفحة رقم 55

الصبر وتحمل الأذى في سبيل الله ﴿هذا ذِكْرٌ﴾ أي هذا الذي قصصناه عليك يا محمد من سيرة الرسل الكرام ذكرٌ جميلٌ لهم في الدنيا، وشرفٌ يذكرون به أبداً ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ أي وإِن لكل متقرٍ لله مطيع لرسله لحسن مرجع ومنقلب، ثم فسره بقوله ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب﴾ أي جنات إقامة في دار الخلد والنعيم قد فتحت لهم أبوابها انتظاراً لقدومهم قال الرازي: إن الملائكة الموكلين بالجنان إذا رأوا المؤمنين فتحوا لهم أبوابها، وحيوهم بالسلام، فيدخلون كذلك محفوفين بالملائكة على أعزَّ حال، وأجمل هيئة ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ أي متكئين في الجنة على الأرائك وهي السرر الوثيرة ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴾ أي وهم متكئون على الأسرَّة يطلبون أنواع الفواكة، وألوان الشراب كعادة الملوك في الدنيا قال ابن كثير: أي مهما طلبوا وجدوا، ومن أي أنواع شاءوا أتتهم به الخدام قال الصاوي: والاقتصار على دعاء الفاكهة للإِيذان بأن مطاعمهم لمحض التفكه والتلذذ دون التغذي لأنه لا جوع في الجنة ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف أَتْرَابٌ﴾ أي وعندهم الحور العين اللواتي لا ينظرن إلى غير أزواجهن أتراب أي في سنٍّ واحدة ﴿هذا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحساب﴾ أي هذا جزاؤكم الذي وعدتم به في الدنيا ﴿إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾ أي هذا النعيم عطاؤنا لأهل الجنة لا زوال له ولا انقطاع ولا انتهاء أبداً قال في الظلال: يبدأ هذا المشهد بمنظرين متقابلين تمام التقابل في المجموع والأجزاء، وفي السَّمات والهيئات: منظر المتقين لهم ﴿حُسْنَ مَآبٍ﴾ ومنظر الطاغين لهم ﴿شَرُّ مَآبٍ﴾ فأما الأولون فلهم جنات عدن مفتحةً لهم الأبواب، ولهم فيها راحة الاتكاء، ومتعمة الطعام والشراب، ولهم كذلك متعة الحوريات الشواب، وهنَّ مع شبابهن ﴿قَاصِرَاتُ الطرف﴾ لا يتطلعن ولا يمددن بأبصارهن، وكلهن شواب أتراب، وهو متاع دائم، ورزق من عند الله ما له من نفاد.

صفحة رقم 56
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية