آيات من القرآن الكريم

إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ

إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}. فنزلت هذه الآية إلى قوله: ﴿لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ﴾ [ص: ٨].
وفرّق الخليل بين العَجيب والعُجاب، فالعجيب، العَجَب، والعُجاب: الذي قد تجاوز حد العَجضب، وكذلك عنده الطَّويل الذي فيه طول، والطُّوال الذي قد تجاوز حد الطول.
وقيل: هما بمعنى، يقول: طَويل وطُوال، وجَسيم وجُسام، وخَفيف وخُفاف، وسَريع وسُراع، ورَقيق ورُقاق، بمعنى.
قوله تعالى ذكره: ﴿وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا﴾ - إلى قوله - ﴿قَبْلَ يَوْمِ الحساب﴾.
أي: وانطلق الأشراف من مشركي قريش القائلين: ﴿أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً﴾ [ص: ٥]

صفحة رقم 6203

يقولون للعوام: أمشوا واصبروا على عبادة آلهتكم، أي: اصبروا على دين آبائكم.
وكان لهم يومئذ ثلاث مائة صنم وستون صنماً / يعبدونها من دون الله سبحانه وروي أن قائل ذلك كان عقبة بن أبي معيط.
وقوله: ﴿أَنِ امشوا﴾، معناه: تناسلوا، كأنه دعا لهم بالنمار وهو من قول العرب: مَشَى الرجل وأُمْشَى إذا كثرت ماشيته، وأمشت المرأة: كَثُرَ وَلَدُها.
قال الشاعر:

........................ * والشَّاةُ لا تُمْشَى على الهمَلَّعِ
أي: لا تُنْهى عن الذنب. (والهملع: الذئب).
ثم قال عنهم إنهم قالو: ﴿إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾، أي: لشيء يريد بنا محمد - ﷺ - يطلب علينا الاستعلاء به، وأن يكون له فينا اتباع.
ثم قالو: ﴿مَا سَمِعْنَا بهذا فِى الملة الآخرة﴾.
قال ابن عباس: يعنون النصرانية دين عيسى. أي: لم نسمع في دين عيسى ﷺ

صفحة رقم 6204

أن محمداً يبعث رسولاً إلينا ولا يأتينا بكتاب.
﴿إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق﴾، أي: ما هذا إلا كذب.
وعن ابن عباس أن المعنى: لو كان هذا القرآن حقاً لأخبرنا به النصارى.
وقال مجاهد: معناه ملة قريش.
وقال قتادة: معناه في زماننا وديننا.
قال أبو إسحاق: ﴿فِى الملة الآخرة﴾: في النصرانية ولا في اليهودية ولا فيما أدركنا عليه لآباءنا.
ثم قال: ﴿إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق﴾، أي: ما هذا الذي أتانا به محمد ﷺ إلاّ كذب اختلقه وتخرصه وابتدعه حسداً منهم لمحمد ﷺ. ودل على أنه حسد منهم قوله عنهم:
﴿عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا﴾، أي: كيف خُصَّ محمد بنزول القرآن عليه من بيننا.

صفحة رقم 6205

وهذا كقولهم: ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] أي: من إحدى القريتين، مكة والطائف، يعنون: الوليد بن المغيرة المخزومي من أهل مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف.
والمعنى: على أحد رجلين من إحدى القريتين.
ثم قال تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي﴾، أي: في شك من القرآن.
﴿بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ﴾، أي: لم يذوقوا العذاب، ولو ذاقوه لأيقنوا حقيقة ما هم فيه وعملوا أن الذين كذَّبوا به حق.
ثم قال: ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العزيز الوهاب﴾، أي: أم عند هؤلاء المكذبين مفاتيح ربك وعطاياه، فَيَخُصُّوا من شاءوا بالرسالة. العزيز في سلطانه، الوهاب لمن يشاء من خلقه ما يشاء من رسالته وكرامته.
ثم قال جل ذكره: ﴿أَمْ لَهُم مُّلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأسباب﴾، أي: إن كان لهم مُلْكُ ذلك فليصعدوا في أبواب السماء أو طرفيها، لأن من كان له ملك ذلك لم يتعذر عليه الصعود فيه، هذا معنى قول مجاهد وقتادة وابن زيد

صفحة رقم 6206

وقال الضحاك: فليرتقوا إلى السماء السابعة.
وقال الربيع بن أنس: الأسباب أَرَقُّ من الشعر وأشَدُّ من الحديد، وهو مكان ولكن لا يُرى.
والسبب هو: كل شيء يوصل به إلى المطلوب من حبل أو جبل أو ستر أو رحم أو قرابة أو طريق أو باب. يقال: رَقِيَ يَرْقَى رَقْياً إذا صعد، كرَضِيَ يرضى. ومثله: ارتقى يرتقي إذا صعد ويقال: رقي يرقِي رقياً من الرقية مثل: رمى يرمي رمياً.
ثم قال: ﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأحزاب﴾.
يعني بقوله: ﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ﴾: الذين قال فيهم: ﴿بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ﴾ وهم أشراف قريش الذين هُزِموا وقُتلوا يوم بدر.
والتقدير: هم جند مهزوم هنالك.
ومعنى ﴿مِّن الأحزاب﴾: من القرون الماضية.

صفحة رقم 6207

قال قتادة: وعد الله تعالى نبيه ﷺ وهو بمكة أنه سيهزم جنداً من المشركين، فجاء يوم بدر تأويلها.
وقال الفراء: معناه: هم جنود مغلوب أن يصعد السماء.
وقيل: هم الأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله ﷺ فأتوا إلى المدينة فهزمهم الله تعالى بالريح والخوف. فأعلم الله تعالى نبيه ﷺ ومن معه من المؤمنين أنه سيتحزب عليهم المشركون، وأنهم سيهزمون. فكان في ذلك أبين دلالة لهم على نبوة محمد ﷺ وصِدْقِه في جميع ما يَعِدُهُم به، ولذلك قال تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب قَالُواْ هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ﴾ [الأحزاب: ٢٢] الآية لأنه أخبرهم بذلك وهم في مكة ثم جاءهم ما أخبرهم به وهم في المدينة.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾، أي: قبل قريش، وكذلك عاد ﴿وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد﴾.
فرعون هو: الوليد بن مصعب.

صفحة رقم 6208

وقيل هو: مصعب بن الديان.
وقيل: كان يسمى كل من مَلَكَ مصر فرعون، كما يسمى كلُّ من ملك اليمين تبّعاً، ومن مَلَكَ فارس كسرى، ومن مَلَكَ الروم قيصر وهرقل.
قال المبرد: كَسرى بالفتح. وقال غيره: بالكسر.
وإنما نُعِتَ فرعون بالأوتاد لأنه كانت له أوتاد يلعب له عليها؛ قاله ابن عباس وقتادة وابن جبير.
وقال السدي: كان يُعِّبُ الناس بالأوتاد؛ يعذبهم بأربعة أوتاد، ثم يرفع (الصخرة تمد بالحبال) ثم تُلقى عليه فتشدخه.
وقال الضحاك: ﴿ذُو الأوتاد﴾: ذو البُنيان.
وقد تقدم ذكر الأيكة في الشعراء.

صفحة رقم 6209

وقوله: ﴿أولئك الأحزاب﴾، أي: الجماعة المتحزبة على معاصي الله تعالى والكفر به سبحانه وتعالى.
ثم قال: ﴿إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل﴾، أي: ما كل هؤلاء الأمم إلا كذب الرسل فيما جاؤهم به.
﴿فَحَقَّ عِقَابِ﴾، أي: وجب عليهم عقاب الله تعالى ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يَنظُرُ هؤلاء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾، أي: وما ينتظر هؤلاء المشركون بالله سبحانه إلا صيحة واحدة - وهي النفخة الأولى في الصور - ما لها من فتور ولا انقطاع.
وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " لَمَّا فَرَغَ الله مِنْ خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ خَلَقَ الصُّورَ وأَعْطَاهُ إسْرَافِيلَ. فَهْوَ واضِعُهُ عَلَى فيهِ، شَاخِصٌ إلى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ. قال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الصُّورُ؟ قال: قَرْنٌ. قال: وكيف هو؟ قال: قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيه ثَلاَثَ نَفَخَاتٍ: نَفْخَة الفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السَّماواتِ وأهْلُ الأرْضِ إلاَّ مَنْ شَاءَ اللهَ. وَيَأْمُرهُ الله فَيُدِيُمَها وَيُطَوِّلُهَا فَلاَ تَفْتُرُ. وَهِيَ الَّتي يَقُولُ اللهُ جَلّ وعزّ: ﴿وَمَا يَنظُرُ هؤلاء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾ ".

صفحة رقم 6210

وقال ابن عباس: ﴿فَوَاقٍ﴾: ترداد. وعنه: من رجعة وقال مجاهد: " من رجوع ".
وقال قتادة: من مثنوية ولا رجوع (ولا ارتداد).
وقال السدى: معناه: ما لهؤلاء المشركين بعد ذلك من إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا.
وقال ابن زيد معناه: ما ينتظر هؤلاء المشركون إلا عذاباً يهلكهم.
فالصيحة عنده: العذاب.
﴿مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾، أي لا يفيقون منها كما يفيق الذي يُغشى عليه.
وأصل هذا من فواق الناقة، وهو ما بين الحلبتين من الراحة. فالمعنى: ما لها من راحة، أي: لا يروحون حتى يتوبوا ويرجعوا عن كفرهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الحساب﴾، أي: وقال هؤلاء المشركون من قريش: عجل لنا كتابنا قبل يوم القيامة.
والقط من قريش: عجل لنا كتابنا قبل يوم القيامة.
والقط في كلام العرب: الصحيفة المكتوبة.

صفحة رقم 6211
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية