
كلا لا دخل لهم بها ولا بشيء من مختارات الإله بل هو من خصائص «الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ٩» القاهر الذي لا يقابلة شيء، كثير المواهب التي من جملتها تخصيصك بالنبوة «أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما» حتى يتداخلوا فيما بستأثر به مالكهما من إعطاء ومنع فإذا كان لهم شيء من ذلك «فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ ١٠» التي توصلهم إلى أقطارها ليديروا أمر العالم وينزلوا الوحي على من يريدونه في الأرض، وهذه الجملة في معرض التهديد إذ ليس لأحد من قدرة على ذلك غيره، واستدل حكماء الإسلام بهذه على ان الاجرام الفلكية وما أودع فيها من خواص وقوى اسباب لحوادث العالم السفلي لأن الله تعالى سمّى الفلكيات أسبابا ومهما كان ذلك، ولهذا فإن ما يزعمه الفلكيون من صعودهم إلى المريخ والقمر وغيرهما من الكواكب زعم بعيد عليهم لم يدركوه ولن يدركوه لأن الله تعالى قال لا تنفذوا إلا بسلطان راجع الآية ٣٢ من سورة الرحمن إذ تحدى بها الجن والإنس وأذلهم ذلك السلطان الذي يتوصلون به إلى النفوذ في أقطار السموات والأرض.
هذا ثم وعد نبيه بالنصر على هؤلاء العتاة المعاندين بقوله انهم «جُنْدٌ ما» قبل هذا بالنسبة لمن سبقهم من الجنود الذين تحزبوا على أنبيائهم قبلك وسيكون لك يا حبيبي معهم شأن «هنالك» عند اللقاء الآتي في بدر، عند ما يكون ذلك الجند «مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ ١١» كما هزم من قبلهم فلا يهمنك شأنهم، ولا تكترث بهذيانهم.
مطلب الآيات السبع التي تأخر حكمها عن نزولها:
وهذا من الإخبار بالغيب لأنها من الآيات السبع التي سبق ذكرها في الآية ٤٦ من سورة القمر المارة وقد أنزلت تسلية لحضرة الرسول داعية لحمل أذاهم مادام في مكة وأن قريشا كغيرها من الأجناد الذين أجمعوا على تكذيب الرسل وأنه سيظهر عليهم ويرى مصارعهم في محل غيهم، وإشارة إلى حادثة بدر الآتية في الآية ٥ من سورة الأنفال في ج ٣ التي حققها الله له وأقر عينيه بها. ثم شرع يعزيه بما لاقى منهم ويقول له ليس أمتك أول من كذبت الرسل ولا أنت أول من سخر به وأوذي فقد «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ١٢» الذين كانوا أكثر عددا وعددا من قومك الذين ليس بشيء بالنسبة لهم «وَثَمُودُ»

«وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ» أيضا لا يقاسون بقومك من حيث القلة والكثرة، وتقدم تفسير ذي الأوتاد في الآية ١٠ من سورة الفجر وقصته مفصلة كما تقدم بيان قصص الآخرين في الآية ١٢ من سورة ق المارة «أُولئِكَ الْأَحْزابُ ١٣» الذين بضرب بهم المثل «إِنْ كُلٌّ» من أولئك «إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ» المرسلين إليهم «فَحَقَّ عِقابِ ١٤» على كل من الطوائف الأول لتكذيبهم أنبيائهم، لأن كل هؤلاء يا سيد الرسل عملوا برسلهم ما عمل بك قومك وقد أصابهم البلاء لعدم إيمانهم بهم «ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ» الذين يجادلونك من قومك إذا لم يؤمنوا «إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً» من ملكنا إسرافيل «ما لَها مِنْ فَواقٍ ١٥» إذا جاءتهم لم تصرف عنهم ولم تتأخر عن الوقت المقرر لها ولو بمقدار فواق الناقة (وهو الزمن بين الحليتين) بل هو أقل من ذلك بكثير، وإنما جاء هذا اللفظ على عادتهم، لأنهم يستقلون هذا الزمن ويضربون به المثل في القلة والسرعة، وفي هذه الآية زجر لهم عظيم، وتهديد وخيم، إذ خوفهم فيها مغبة أمرهم، وقيل معنى فواق رجوع أي إذا جاءت تلك الصيحة لم ترد عنهم بقطع النظر عن الزمن، والمراد بهذه الصيحة الصيحة الثانية لأن سياقها يدل عليها ولأن الصيحة الأولى لا يشاهد هولها، وإنما بصعق فيها من كان حيا من الخلق عند وقوعها حالا، ولا يكون العذاب الموعودون به إذ ذاك واقعا، ولا العذاب المطلق مؤخرا لوقوعها، وما قاله صاحب الغالية بأن النفخات ثلاثة، نفخة الإماتة ونفخة الإحياء ونفخة الفزع المنوه بها آخر سورة النمل الآتية لا يتجه لأن نفخة الفزع هي النفخة الثانية التي يكون فيها الخروج من القبر والحشر والنشر.
تدبر، قالى تعالى «وَقالُوا» كفرة قريش عند سماعهم من حضرة الرسول ما وعد الله به المؤمنين وأوعد به الكافرين أمثالهم «رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا» حظنا ونصيبنا من هذا العذاب الذي توعدنا به على لسان محمد «قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ ١٦» على الأعمال، الذي يذكره لنا ويهددنا فيه، وقائل هذا، النضر بن الحارث على سبيل السخرية والاستهزاء، أي أسرع بإنزاله علينا إن كان ما تقوله حقا، قال تعالى يا محمد: «اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ» فيك وفي ربك وكتابك «وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ» القوة