آيات من القرآن الكريم

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳ

في خلق السموات والأرض وتفكرهم في ذلك، إذ هو اللائق به عليه السلام، لكنه أوهم قومه أنه يتفكر في أحوالها من حيث الاتصال والتقابل ونحوهما من الأوضاع التي تدل بزعمهم على الحوادث ليترتب عليها ما يتوصل به إلى غرضه الذي سيكون وسيلة إلى إنقاذهم مما هم فيه فقال «إِنِّي سَقِيمٌ ٨٩» مريض، وأراد بذلك مرض القلب من كفرهم وعنادهم وتمسكهم بعبادة الأوثان، أي اني لا أستطيع حضور التشريفات.
مطلب في العدوى وقسم من قصة ابراهيم وتأثير الكواكب وغيرها وكذب المنجمين:
وكانوا يعتقدون العدوى كالمتوهمين وضعاف اليقين من أهل هذا الزمن، لأن العدوى وإن كانت حقيقة إلا أنها بقدر الله وقد حذر الشارع من الاختلاط بالمخدومين لقذارتهم للعدوى، لأن الذي لا توجد فيه قابلية العدوى لا يعدى ولو أكل وشرب ونام مع المريض، وهذا ثابت لا ينكر وحذر أيضا الشارع من الدخول على البلد الذي فيه الطاعون لئلا يلزم من قدر عليه أن يصاب بذلك الوباء، فيقال له لم دخلت القرية الموبوءة حتى أصبت، وحذر أيضا من الخروج منها لئلا يلام هو إذا أصيب غيره بسببه ليس إلا، ويكفيك قول الرسول الأعظم للأعرابي حينما قال له بعد أن سمع منه حديث لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا غول وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد. إنا نرى الجمل الأجرب يختلط بالإبل فيجربها (من أعدى الأول) تدبر هذا هداك الله وأزال وساوس قلبك وما تتخيله من الوهم المقضى إلى الأمراض والعلل لضعف قلوبهم «فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ٩٠» تباعدوا عنه خشية العدوى فتركوه وذهبوا، فأخبروا الملك بمعذرته وبهذه الوسيلة تخلص من اجابة الدعوى لزيارة الأوثان وقدمنا ما يتعلق في مبادئ هذه القصة في الآية ٨٣ من سورة الأنعام المارة تبعا لذكر الله إياها هناك كما أتينا على قسم منها هنا للسبب نفسه وسيأتي تمامها في الآية ٥١ فما بعدها من سورة الأنبياء الآتية إن شاء الله القائل
«فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ» بعد أن ولوا عنه وكانوا ذهبوا إلى آلهتهم ووضعوا الأطعمة أمامها لتعود إليها بركتها وليأكلوا بعد رجوعهم من المراسيم المعتادة في الأعياد «فَقالَ» ابراهيم للأوثان «أَلا تَأْكُلُونَ ٩١» من هذا

صفحة رقم 453

الطعام الموضوع أمامكم لتحل عليه بركتكم كما يزعمون فلم يردوا عليه فقال «ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ٩٢» نزلهم بخطابه منزل العاقل تهكما واستهزاء وتقليد القومة، ولما لم ير أحدا عندها لأنهم لم يعودوا من المراسم بعد «فَراغَ» ذهب ومال وأصل الروغان ميل الشخص في جانب وهو يريد غيره ليخدع من خلفه وأقبل متعليا «عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ٩٣» حتى كسرها كلها وترك الفاس عند كبيرها وخرج «فَأَقْبَلُوا» قومه من المعايدة ومحال مراسم العيد إلى زيارة الأوثان «إِلَيْهِ» المعبد الذي كان عند الآلهة المذكورة «يَزِفُّونَ ٩٤» الملك والرؤساء ويمشون خلفهم على تؤدة أخذا من زفاف العروس في موكب عظيم، وقيل جاؤوا مسرعين حيث أخبروا بما وقع على الآلهة والأول أولى وان كان اللفظ يحتمل المعنى الآخر لأن زف تأتي بمعنى أسرع أيضا، إلا أن المعنى يأباه لما يأتي في سورة الأنبياء إنهم لم يعلموا من كسرها وانهم سألوا فأخبروا بأنه فتى يقال له ابراهيم، قالوا ولمّا دخلوا على المعبد ورأوا ما هالهم أمره ولما أحضروا ابراهيم وسألوه وقالوا نحن نعبدها ونعظمها وأنت تكسرها ولماذا فعلت هذا «قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ٩٥» بأيديكم من الحجارة والأخشاب «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ٩٦» منها ومن غيرها وفي هذه الآية دليل قاطع على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وبعد الأخذ والرد معه اتفقوا أن يكون جزاؤه الأحراق بالنار كما سيأتي بيانه في الآية المذكورة آنفا من سورة الأنبياء الآتية بصورة مفصلة «قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ٩٧» النار للشديدة الالتهاب للتي بعضها فوق بعض ففعلوا وأبى الله لأن من كان حافظه لا يسلط عليه أحد ولا يقدر على مضرته أحد قال تعالى «فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ ٩٨» الأذلين الخائبين المقهورين بجعل كلمتهم السفلى وإبطال كيدهم وبقاء كلمة الله تبارك وتعالى كما كانت هي العليا بنصرته عليهم وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم وبهذا يعلم أن النار لا تأثير لها إلا بخلق التأثير فيها من الله تعالى إذ لو كان لها تأثيرا بنفسها وطبعها لحرقته ولكن المؤثر الحقيقي هو الله تعالى وقال إبراهيم لقومه بعد خروجه من النار وإياسه من إيمانهم «إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ٩٩» إلى ما فيه خلاص فأرشده الله

صفحة رقم 454
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية