
المجيء مثلا لذلك أَإِفْكاً مفعول له، تقديره: أتريدون آلهة من دون الله إفكا، وإنما قدّم المفعول على الفعل للعناية، وقدّم المفعول له على المفعول به، لأنه كان الأهمّ عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم. ويجوز أن يكون إفكا مفعولا، يعنى: أتريدون به إفكا.
ثم فسر الإفك بقوله آلِهَةً دُونَ اللَّهِ على أنها إفك في أنفسها. ويجوز أن يكون حالا، بمعنى: أتريدون آلهة من دون الله آفكين فَما ظَنُّكُمْ بمن هو الحقيق بالعبادة، لأنّ من كان ربا للعالمين استحق عليهم أن يعبدوه، حتى تركتم عبادته إلى عبادة الأصنام: والمعنى: أنه لا يقدّر في وهم ولا ظنّ ما يصدّ عن عبادته. أو فما ظنكم به أى شيء هو من الأشياء، حتى جعلتم الأصنام له أندادا. أو فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غيره؟
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٨٨ الى ٩٠]
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠)
فِي النُّجُومِ في علم النجوم أو في كتابها أو في أحكامها، وعن بعض الملوك أنه سئل عن مشتهاه فقال: حبيب أنظر إليه، ومحتاج أنظر له، وكتاب أنظر فيه. كان القوم نجامين، فأوهمهم أنه استدل بأمارة في علم النجوم على أنه يسقم فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ إنى مشارف للسقم وهو الطاعون، وكان أغلب الأسقام عليهم، وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه، فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد، ففعل بالأصنام ما فعل. فإن قلت: كيف جاز له أن يكذب؟ قلت: قد جوّزه بعض الناس في المكيدة في الحرب والتقية، وإرضاء الزوج والصلح بين المتخاصمين والمتهاجرين. والصحيح: أن الكذب حرام إلا إذا عرّض وورّى، والذي قاله إبراهيم عليه السلام: معراض من الكلام، ولقد نوى به أن من في عنقه الموت سقيم.
ومنه المثل: كفى بالسلامة داء. وقول لبيد:
فدعوت ربى بالسّلامة جاهدا | ليصحّنى فإذا السّلامة داء «١» |
كانت قناتي لا تلين لغامز | فألانها الإصباح والإمساء |
فدعوت ربى بالسلامة جاهدا | ليصحنى فإذا السلامة داء |
ترشيح. والغمزى: الحبى باليد ويجوز أن الاستعارة تمثيلية في المركب، يصف قوته زمن الشباب، ثم ضعف حال المشيب بتتابع الأزمان عليه، وأنه تطلب فسحة الأجل، فكانت سبب اضمحلاله.