آيات من القرآن الكريم

لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

كرامة، وكذلك لا أفعل ذلك ولا كيدًا ولا هما أي ولا أكيد ولا أهم (١) (٢).
قال ابن عباس: يريد وحفظًا للسماء ﴿مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ يريد الذي تمرد على الله (٣).
وقال مقاتل: وحفظًا للسماء بالكواكب (٤).
قال الكلبي: حفظًا للسموات من كل شيطان شديد متمرد، يُرمون بها ولا تُخطيهم (٥)، وذكرنا تفسير المارد عند قوله: ﴿مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ [التوبة: ١٠١]. وقوله: ﴿كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ [الحج: ٣] (٦).
٨ - قوله: ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ﴾ المعنى لئلا يسمعون، فلما حذف الناصب عاد الفعل إلى الرفع. قال الفراء: ولو كان في موضع (لا) (أن) لصلح ذلك كما قال: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦]. وكما قال: ﴿رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ (٧). ويصلح في لا (٨) على هذا المعنى الجزم، والعرب تقول: ربطت الفرس لا تفلت بالجزم، وأوثقت عبدي لا يفرق (٩)، وأنشد:

(١) في (ب): (ولاهم).
(٢) لم أقف على قول المبرد.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) "تفسير مقاتل" ١٠٩ ب.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) قال في هذا الموضع من "البسيط": المريد الذي يتمرد على الله -عز وجل-. وقال أهل اللغة في المريد قولين: أحدهما: إنه المتجرد للفساد، والثاني: إنه العاري من الخير.
(٧) جزء من آية في سورة النحل: الآية ١٥. ومن سورة لقمان: الآية ١٠.
(٨) في (أ): (ألا)، وهو خطأ.
(٩) هكذا في النسخ، والصواب كما في "معاني الفراء" (يفرر).

صفحة رقم 15

وحين رأينا أحسن الود بيننا مساكنةً لا يقرِفُ الشر قَارِفُ (١)
وبعضهم (٢) يقول لا يفرق والرفع لغة أهل الحجاز وبذلك جاء القرآن) (٣). هذا كلامه، ونحو هذا قال صاحب النظم.
ويجوز أن يكون هذا ابتداء إخبار (٤) عن الشياطين بأنهم لا يسمعون، ولا يحتاج إلى إضمار شيء، وذلك أنهم إذا منعوا عن السماء بالحراسة لم يسمعوا، وهذا الوجه أبين على قراءة من قرأ بالتخفيف، ومن قرأ بالتشديد لم يظهر هذا الوجه لأنهم يتسمعون ثم يمنعون بالرمي (٥). وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [الشعراء: ٢٠٠ - ٢٠١]. واختار أبو عبيد (٦) التشديد في يسمعون قال: لأن العرب (٧) تسمعت إلى فلان.
وقال صاحب النظم: قد يعدى السمع بإلى واحتج بقول الشاعر:
اسمع إلى من يسومني العللا (٨)
وقال أبو علي الفارسي: (يقال: سمعت الشيء واستمعته، كما يقال
(١) البيت من الطويل، وهو لبعض بني عقيل في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٣، "الكافية الشافية" ص ١٥٥٦، "الطبري" ٢٣/ ٣٩.
(٢) في (ب): زيادة (لا)، وهو خطأ.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٨٣.
(٤) في (ب): (إخباراً).
(٥) انظر: "الحجة" ٦/ ٥٢، "الحجة في القراءات السبع" ص ٣٠٧، "حجة القراءات" ص ٦٠٥.
(٦) انظر: "الدر المصون" ٥/ ٤٩٥، "القرطبي" ١٥/ ٦٥، "فتح القدير" ٣/ ٣٨٧.
(٧) الكلام هنا فيه اضطراب ويظهر أن كلمة ساقطة لابد منها تُقدَّر تقول.
(٨) لم أهتد إلى تمامه ولا قائله.

صفحة رقم 16

حقرته واحتقرته، وشويته واشتويته، ثم يعدى باللام وإلى [كما] (١) قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الأعراف: ٢٠٤] وقال: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ [الأنعام: ٢٥]. وهذا كما تقول في الإيحاء والهداية، قال الله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨] وقال: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥]، ﴿وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ٨٧]، ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ [الأعراف: ٤٣]، ولا فصل بين فعلت وافتعلت في ذلك لاتفاقهما في التعدي) (٢)، فإذا حسن استمع إليه حسن أيضًا سمع (٣) إليه. وأما وجه القراءتين، فمن قرأ بالتشديد أدغم التاء في السين وهو أبلغ، إلا أنه إذا نفى التسمع عنهم فقد نفى سمعهم، وحجة من خفف قوله: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٢]. والسمع مصدر سمع، وهذا الوجه هو اختيار ابن عباس، روى ذلك عن مجاهد، قال: إنهم كانوا يتسمعون ولا يسمعون، يريد الشياطين، يتسمعون إلى الملأ الأعلى ثم يمنعون ولا يسمعون فنفى السماع أولاً (٤) من نفي التسمع (٥).
قال الكلبي: لا يسمعون إلى الملأ الأعلى لكي لا يسمعوا إلى الكتبة من الملائكة (٦).

(١) ما بين المعقوفين غير مثبت في (أ).
(٢) "الحجة" ٦/ ٥٢ - ٥٣.
(٣) في (ب): (استمع)، وهو خطأ.
(٤) هكذا في النسخ، والصواب: (أولى).
(٥) انظر: "الطبري" ٢٣/ ٣٦، "الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها" ٢/ ٢٢١، "حجة القراءات" ص ٦٠٥، "المحرر الوجيز" ٤/ ٤٦٦.
(٦) انظر: "الوسيط" ٣/ ٥٢٢، "مجمع البيان" ٨/ ٦٨٥.

صفحة رقم 17

وقال السدي: الملأ الأعلى الملائكة الذين هم في السماء الدنيا (١). وقال عطاء: الملائكة الأشراف (٢).
٨ - قوله: ﴿وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا﴾ قال ابن عباس ومقاتل (٣) والمفسرون: ويرمون من كل ناحية. وذكرنا معنى القذف فيما تقدم (٤). والمفعول الثاني مقدر على تقدير ويقذفون من كل جانب بالشهب، يدل عليه قراءة أبي عبد الرحمن السلمي دحورًا بفتح الدال. قال الفراء: (كأنه قال يقذفون بداحِر وبما يدحر. قال: ولست أشتهي الفتح؛ لأنه لو وجه ذلك على صحته لكان فيها التاء كما تقول: يقذفون بالحجارة، ولا تقول يقذفون الحجارة وهو جائز كما قال:
نغالي اللحم للأضياف نيئا (٥)

(١) انظر: "الماوردي" ٥/ ٣٩، وأورده غير منسوب الطبرسي في "مجمع البيان" ٨/ ٦٨٥.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) لم أقف على هذا القول عن ابن عباس أو مقاتل أو لغيرهم ويكادون يجمعون حسب علمي على أن معنى الدحور هو: الطرد وليس الرمي كما فسره المؤلف رحمه الله فلعله وهم منه، والله أعلم.
(٤) ذكره عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [طه: ٣٩]. قال: ومعنى القذف في اللغة الرمي بالسهم والحصى والكلام وكل شيء، ويقال للسب القذف لأنه رمي بالقبيح من القول.
(٥) صدر بيت وعجزه:
ونرخصه إذا نضج القدير
ولم أهتد لقائله.
انظره في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٨٣، "معاني القرآن وإعرابه" ١/ ١٩١، "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات" ٢/ ٢١٩، "الدر المصون" ٣/ ٤٤٤، "تهذيب اللغة" ٦/ ١٣٢، ٧/ ١٣٥، ٨/ ١٩١، "اللسان" ١٥/ ١٣١.

صفحة رقم 18
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية