
الْخَمْرِ، وَقَالَ خُصَيْفٌ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أزواجهم نساؤهم وَهَذَا غَرِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ الْأَوَّلُ كَمَا رَوَاهُ مجاهد وسعيد بن جبير عنه أزواجهم قرناؤهم وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ تُحْشَرُ مَعَهُمْ فِي أَمَاكِنِهِمْ.
وقوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ أَيْ أَرْشَدُوهُمْ إِلَى طَرِيقِ جَهَنَّمَ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً [الْإِسْرَاءِ: ٩٧] وَقَوْلُهُ تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ أَيْ قِفُوهُمْ حَتَّى يُسْأَلُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمُ الَّتِي صَدَرَتْ عَنْهُمْ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا كَمَا قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي احْبِسُوهُمْ إِنَّهُمْ مُحَاسَبُونَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قال سمعت ليثا يحدث عن بشير عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى شَيْءٍ كَانَ مَوْقُوفًا مَعَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُغَادِرُهُ وَلَا يُفَارِقُهُ وَإِنْ دَعَا رَجُلٌ رَجُلًا» ثُمَّ قرأ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «١» مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ رَجُلٍ عن أنس رضي الله عنه مَرْفُوعًا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ زَائِدَةَ يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الرَّجُلُ جُلَسَاؤُهُ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ أَيْ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ أي ينقادون لِأَمْرِ اللَّهِ لَا يُخَالِفُونَهُ وَلَا يَحِيدُونَ عَنْهُ، والله أعلم.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٢٧ الى ٣٧]
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١)
فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦)
بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧)
يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَتَلَاوَمُونَ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ كَمَا يَتَخَاصَمُونَ فِي دَرَكَاتِ النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ [غَافِرٍ: ٤٧- ٤٨] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ
(٢) تفسير الطبري ١٠/ ٤٨٠.

قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [سبأ: ٣٣] وهكذا قَالُوا لَهُمْ هَاهُنَا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُونَ كُنْتُمْ تَقْهَرُونَنَا بِالْقُدْرَةِ مِنْكُمْ عَلَيْنَا لِأَنَّا كُنَّا أَذِلَّاءَ وَكُنْتُمْ أَعِزَّاءَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَعْنِي عَنِ الحق والكفار تَقُولُهُ لِلشَّيَاطِينِ «١».
وَقَالَ قَتَادَةُ قَالَتِ الْإِنْسُ لِلْجِنِّ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالَ مِنْ قِبَلِ الْخَيْرِ فَتَنْهُونَا عَنْهُ وَتُبْطِئُونَا عَنْهُ «٢»، وَقَالَ السدي تأتوننا من قبل الحق وتزينون لَنَا الْبَاطِلَ وَتَصُدُّونَا عَنِ الْحَقِّ «٣» وَقَالَ الْحَسَنُ في قوله تعالى: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ إِي وَاللَّهِ يَأْتِيهِ عِنْدَ كُلِّ خَيْرٍ يُرِيدُهُ فَيَصُدُّهُ عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ مَعْنَاهُ تَحُولُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخَيْرِ وَرَدَدْتُمُونَا عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ بِالْخَيْرِ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ «٤»، وَقَالَ يَزِيدُ الرِّشْكُ مِنْ قِبَلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَ خُصَيْفٌ يَعْنُونَ مِنْ قِبَلِ مَيَامِنِهِمْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ قَالَ مِنْ حَيْثُ نأمنكم.
وقوله تعالى: قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ تَقُولُ الْقَادَةُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لِلْأَتْبَاعِ مَا الْأَمْرُ كَمَا تَزْعُمُونَ بَلْ كَانَتْ قُلُوبُكُمْ مُنْكِرَةً لِلْإِيمَانِ قَابِلَةً لِلْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أَيْ مِنْ حُجَّةٍ عَلَى صِحَّةِ مَا دَعَوْنَاكُمْ إِلَيْهِ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ أَيْ بَلْ كَانَ فِيكُمْ طُغْيَانٌ وَمُجَاوَزَةٌ لِلْحَقِّ فَلِهَذَا اسْتَجَبْتُمْ لَنَا وَتَرَكْتُمُ الْحَقَّ الَّذِي جَاءَتْكُمْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَأَقَامُوا لَكُمُ الْحُجَجَ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءُوكُمْ بِهِ فَخَالَفْتُمُوهُمْ.
فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ يَقُولُ الْكُبَرَاءُ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ حَقَّتْ عَلَيْنَا كَلِمَةُ اللَّهِ إِنَّا من الأشقياء الذائقين للعذاب يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَغْوَيْناكُمْ أَيْ دَعَوْنَاكُمْ إِلَى الضَّلَالَةِ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ أي فدعوناكم إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَاسْتَجَبْتُمْ لَنَا، قَالَ الله تبارك وتعالى: فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ.
أَيِ الْجَمِيعُ فِي النَّارِ كُلٌّ بِحَسَبِهِ إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ إِنَّهُمْ كانُوا أَيْ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا إِذا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ أَيْ يَسْتَكْبِرُونَ أَنْ يَقُولُوهَا كَمَا يَقُولُهَا المؤمنون قال ابن أبي حاتم حدثنا عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عمي حدثنا الليث عن ابن مسافر
(٢) تفسير الطبري ١٠/ ٤٨١.
(٣) تفسير الطبري ١٠/ ٤٨١.
(٤) تفسير الطبري ١/ ٤٨٢، ولفظه: والعمل بالخير الذي أمر الله به.