آيات من القرآن الكريم

بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙ

يَا وَيْلَنا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ [الصافات: ٢٠]، وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْرِيضِ بِالْوَعِيدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ قَوْلِهِمْ، أَيْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ.
والْفَصْلِ: تَمْيِيزُ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ، أَيْ هَذَا يَوْمٌ يُفْضِي عَلَيْكُمْ بِمَا اسْتَحْقَقْتُمُوهُ من الْعقَاب.
[٢٢- ٢٦]
[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ٢٢ إِلَى ٢٦]
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦)
تَخَلُّصٌ مِنَ الْإِنْذَارِ بِحُصُولِ الْبَعْثِ إِلَى الْإِخْبَارِ عَمَّا يَحِلُّ بِهِمْ عَقِبَهُ إِذَا ثَبَتُوا عَلَى شِرْكِهِمْ وَإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ.
واحْشُرُوا أَمْرٌ، وَهُوَ يَقْتَضِي آمِرًا، أَيْ نَاطِقًا بِهِ، فَهَذَا مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعَلُّقِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَهُ، وَحَذْفُ الْقَوْلِ مِنْ حَدِيثِ الْبَحْرِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالنَّاسِ يَوْمَ الْحِسَابِ.
وَالْحَشْرُ: جَمْعُ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ.
والَّذِينَ ظَلَمُوا: الْمُشْرِكُونَ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَان: ١٣].
وَالْأَزْوَاجُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حَلَائِلُهُمْ وَهُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ. وَرُوِيَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يَرْوِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَتَأْوِيلُهُ: أَنَّهُنَّ الْأَزْوَاجُ الْمُوَافِقَاتُ لَهُمْ فِي الْإِشْرَاكِ، أَمَّا مَنْ آمَنَ فَهُنَّ نَاجِيَاتٌ مِنْ تَبِعَاتِ أَزْوَاجِهِنَّ وَهَذَا كَذِكْرِ أَزْوَاجِ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ [يس: ٥٦] فَإِنَّ الْمُرَادَ أَزْوَاجُهُمُ الْمُؤْمِنَاتُ فَأُطْلِقَ حَمْلًا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [الرَّعْد: ٢٣].
وَذِكْرُ الْأَزْوَاجِ إِبْلَاغٌ فِي الْوَعِيدِ وَالْإِنْذَارِ لِئَلَّا يَحْسَبُوا أَنَّ النِّسَاءَ الْمُشْرِكَاتِ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِنَّ. وَذَلِكَ مِثْلُ تَخْصِيصِهِنَّ بِالذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ

صفحة رقم 101

وَقِيلَ: الْأَزْوَاجُ: الْأَصْنَافُ، أَيْ أَشْيَاعُهُمْ فِي الشِّرْكِ وَفُرُوعِهِ قَالَهُ قَتَادَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَعَنِ الضَّحَّاكِ: الْأَزْوَاجُ الْمُقَارَنُونَ لَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ.
وَضَمِيرُ يَعْبُدُونَ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ. وَمَا صدق مَا غَيْرُ الْعُقَلَاءِ، فَأَما الْعُقَلَاء فَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.
وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي فَاهْدُوهُمْ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيِ الْأَصْنَامُ. وَعَطْفُ فَاهْدُوهُمْ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ إِشَارَةٌ إِلَى سُرْعَةِ الْأَمْرِ بِهِمْ إِلَى النَّارِ عَقِبَ ذَلِكَ الْحَشْرِ فَالْأَمْرُ بِالْأَصَالَةِ فِي الْقُرْآنِ.
وَالْهِدَايَةُ وَالْهَدْيُ: الدَّلَالَةُ عَلَى الطَّرِيقِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ، فَهِيَ إِرْشَادٌ إِلَى مَرْغُوبٍ وَقَدْ
غَلَبَتْ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ كَوْنَ الْمَهْدِيِّ رَاغِبًا فِي مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ مِنْ لَوَازِمِ فِعْلِ الْهِدَايَةِ وَلِذَلِكَ تُقَابَلُ بِالضَّلَالَةِ وَهِيَ الْحَيْرَةُ فِي الطَّرِيق، فَذكر فَاهْدُوهُمْ هُنَا تَهَكُّمٌ بِالْمُشْرِكِينَ، كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:

قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنَا قِرَاكُمُ قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرَادَّةَ طَحُونَا
وَالصِّرَاطُ: الطَّرِيقُ، أَيْ طَرِيقُ جَهَنَّمَ.
وَمَعْنَى: وَقِفُوهُمْ أَمْرٌ بِإِيقَافِهِمْ فِي ابْتِدَاءِ السَّيْرِ بِهِمْ لِمَا أَفَادَهُ الْأَمْرُ مِنَ الْفَوْرِ بِقَرِينَةِ فَاءِ التَّعْقِيبِ الَّتِي عَطَفَتْهُ، أَيِ احْبِسُوهُمْ عَنِ السَّيْرِ قَلِيلًا لِيُسْأَلُوا سُؤَالَ تَأْيِيسٍ وَتَحْقِيرٍ وَتَغْلِيظٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ، أَيْ مَا لَكُمْ لَا يَنْصُرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَيَدْفَعُ عَنْهُ الشَّقَاءَ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَأَيْنَ تُنَاصُرُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تَتَنَاصَرُونَ فِي الدُّنْيَا وَتَتَأَلَّبُونَ عَلَى الرَّسُولِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
فَالِاسْتِفْهَامُ فِي مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيزِ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى الْخَطَأِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَجُمْلَةُ مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ مبيّنة لإبهام مَسْؤُلُونَ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ لِلتَّذْكِيرِ بِمَا يَسُوءُهُمْ، فَظَهَرَ أَنَّ السُّؤَالَ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ

صفحة رقم 102
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية