آيات من القرآن الكريم

أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ
ﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸ

فَشَفَعُوا لَهُ فَأَمَرَ الْحُوتَ فَقَذَفَهُ فِي السَّاحِلِ»
فَذَاكَ هُوَ قَوْلُهُ: فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَفِيهِ مَبَاحِثُ:
الْأَوَّلُ: الْعَرَاءُ الْمَكَانُ الْخَالِي قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِنَّمَا قِيلَ لَهُ الْعَرَاءُ لِأَنَّهُ لَا شَجَرَ فِيهِ وَلَا شَيْءَ يُغَطِّيهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ فَأَضَافَ ذَلِكَ النَّبْذَ إِلَى نفسه، والنبذ إِلَى نَفْسِهِ، وَالنَّبْذُ إِنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِ الْحُوتِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ سَقِيمٌ قِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ بَلِيَ لَحْمُهُ وَصَارَ ضَعِيفًا كَالطِّفْلِ الْمَوْلُودِ كَالْفَرْخِ الْمُمَعَّطِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ سَقِيمٌ أَيْ سَلِيبٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُوتَ لَمَّا نَبَذَهُ فِي الْعَرَاءِ فَاللَّهُ تَعَالَى أَنْبَتَ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ وَذَلِكَ الْمُعْجِزُ لَهُ، قَالَ الْمُبَرَّدُ وَالزَّجَّاجُ كُلُّ شَجَرٍ لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ وَإِنَّمَا يَمْتَدُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ يَقْطِينٌ، نَحْوُ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْظَلِ وَالْبِطِّيخِ، قَالَ الزَّجَّاجُ أَحْسَبُ اشْتِقَاقَهَا مِنْ قَطَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ وَهَذَا الشَّجَرُ وَرَقُهُ كُلُّهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فلذلك قيل له اليقطين، روى الْفَرَّاءُ أَنَّهُ قِيلَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ وَرَقُ الْقَرْعِ، فَقَالَ وَمَنْ جَعَلَ الْقَرْعَ مِنْ بَيْنِ الشَّجَرِ يَقْطِينًا كُلُّ وَرَقَةٍ اتَّسَعَتْ وَسَتَرَتْ فَهِيَ يَقْطِينٌ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْآيَةُ تَقْتَضِي شَيْئَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُفَسِّرُونَ أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْيَقْطِينَ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ فَأَنْبَتَهُ اللَّهُ لِأَجْلِهِ وَالْآخَرُ: أَنَّ الْيَقْطِينَ كَانَ مَعْرُوشًا لِيَحْصُلَ لَهُ ظِلٌّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنْبَسِطًا عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ وَفِيهِ مَبَاحِثُ:
الْأَوَّلُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَأَرْسَلْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِمَهُ الْحُوتُ وَعَلَى هَذَا الْإِرْسَالِ وَإِنْ ذُكِرَ بَعْدَ الِالْتِقَامِ، فَالْمُرَادُ بِهِ التَّقْدِيمُ وَالْوَاوُ مَعْنَاهَا الْجَمْعُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِرْسَالَ بَعْدَ الِالْتِقَامِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ كَانَتْ رِسَالَةُ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ مَا نَبَذَهُ الْحُوتُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُرْسِلَ إِلَى قَوْمٍ آخَرِينَ سِوَى الْقَوْمِ الْأُوَلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُرْسِلَ إِلَى الْأَوَّلِينَ ثَانِيًا بِشَرِيعَةٍ فَآمَنُوا بِهَا.
الْبَحْثُ الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَوْ يَزِيدُونَ يُوجِبُ الشَّكَّ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
عُذْراً أَوْ نُذْراً [الْمُرْسَلَاتِ: ٦] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: ٤٤] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً [طه: ١١٣] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [النَّحْلِ: ٧٧] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى [النَّجْمِ: ٩] وَأَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَالْأَصَحُّ مِنْهَا وَجْهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَوْ يَزِيدُونَ فِي تَقْدِيرِكُمْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ إِذَا رَآهُمُ الرَّائِي قَالَ هَؤُلَاءِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ عَلَى الْمِائَةِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ كُلِّ مَا يُشْبِهُ هَذَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ أُولَئِكَ الْأَقْوَامَ لَمَّا آمَنُوا أَزَالَ اللَّهُ الْخَوْفَ عَنْهُمْ وَآمَنَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَمَتَّعَهُمُ اللَّهُ إِلَى حِينٍ، أَيْ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي جعله الله أجلا لكل واحد منهم.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٤٩ الى ١٦٠]
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣)
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨)
سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)

صفحة رقم 358

وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَقَاصِيصَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَادَ إِلَى شَرْحِ مَذَاهِبِ الْمُشْرِكِينَ وَبَيَانِ قُبْحِهَا وَسَخَافَتِهَا، وَمِنْ جُمْلَةِ أَقْوَالِهِمُ الْبَاطِلَةِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْأَوْلَادَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثُمَّ زَعَمُوا أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْإِنَاثِ لَا مِنْ جِنْسِ الذُّكُورِ فَقَالَ: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا [الصَّافَّاتِ: ١١] وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْتِفْتَاءِ قُرَيْشٍ عَنْ وَجْهِ إِنْكَارِ الْبَعْثِ أولا ثم ساق الكلام موصوفا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلَى أَنْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَسْتَفْتِيَهُمْ فِي أَنَّهُمْ لِمَ أَثْبَتُوا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ الْبَنَاتِ وَلِأَنْفُسِهِمُ الْبَنِينَ، وَنَقَلَ الْوَاحِدِيُّ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ قُرَيْشًا وَأَجْنَاسَ الْعَرَبِ جُهَيْنَةَ وَبَنِي سَلَمَةَ وَخُزَاعَةَ وَبَنِي مَلِيحٍ قَالُوا الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا:
إِثْبَاتُ الْبَنَاتِ لِلَّهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَسْتَنْكِفُونَ مِنَ الْبِنْتِ، وَالشَّيْءُ الَّذِي يَسْتَنْكِفُ الْمَخْلُوقُ مِنْهُ كَيْفَ يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ لِلْخَالِقِ وَالثَّانِي: إِثْبَاتُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثٌ، وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّ طَرِيقَ الْعِلْمِ إِمَّا الْحِسُّ وَإِمَّا الْخَبَرُ وَإِمَّا النَّظَرُ، أَمَّا الْحِسُّ فَمَفْقُودٌ هاهنا لِأَنَّهُمْ مَا شَهِدُوا كَيْفِيَّةَ تَخْلِيقِ اللَّهِ الْمَلَائِكَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ
وأما الخبر فنقود/////////؟ أَيْضًا لِأَنَّ الْخَبَرَ إِنَّمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ إِذَا عُلِمَ كَوْنُهُ صِدْقًا قَطْعًا وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ كَذَّابُونَ أَفَّاكُونَ، لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِدْقِهِمْ لَا دَلَالَةٌ وَلَا أَمَارَةٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:
أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَأَمَّا النَّظَرُ فَمَفْقُودٌ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ/ الْأَوَّلُ: أَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ يَقْتَضِي فَسَادَ هَذَا الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلُ الْمَوْجُودَاتِ، وَالْأَكْمَلُ لَا يَلِيقُ بِهِ اصطفاء الأخس وهو المراد من قوله: أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ يَعْنِي إِسْنَادُ الْأَفْضَلِ إِلَى الْأَفْضَلِ أَقْرَبُ عِنْدَ الْعَقْلِ مِنْ إِسْنَادِ الْأَخَسِّ إِلَى الْأَفْضَلِ، فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْعَقْلِ مُعْتَبَرًا فِي هَذَا الْبَابِ كَانَ قَوْلُكُمْ بَاطِلًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَتْرُكَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِمْ، بَلْ نُطَالِبُهُمْ بِإِثْبَاتِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَجِدُوا ذَلِكَ الدَّلِيلَ فَضِدُّهُ يُظْهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا الْحِسُّ وَلَا الْخَبَرُ وَلَا النَّظَرُ، فَكَانَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بَاطِلًا قَطْعًا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا طَالَبَهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِمْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ بَاطِلٌ، وَأَنَّ الدِّينَ لَا يَصِحُّ إلا بالدليل.

صفحة رقم 359
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية