آيات من القرآن الكريم

فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ
ﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤ

وميكالين، فكذا هاهنا إِلْيَاسُ وَإِلْيَاسِينُ وَالثَّانِي: قَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ جَمْعٌ وَأَرَادَ بِهِ إِلْيَاسَ وَأَتْبَاعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَقَوْلِهِمُ الْمُهَلَّبُونَ وَالسَّعْدُونَ قَالَ:
أَنَا ابْنُ سَعْدٍ أَكْرَمُ السَّعْدِينَا
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ سَبَقَ تفسيره والله أعلم.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٣٣ الى ١٣٨]
وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧)
وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨)
قصة لوط عليه السلام
هَذَا هُوَ الْقِصَّةُ الْخَامِسَةُ، وَإِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِيَعْتَبِرَ بِهَا مُشْرِكُو الْعَرَبِ، فَإِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ هَلَكُوا وَالَّذِينَ آمَنُوا نَجَوْا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَقَدْ نَبَّهَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يُسَافِرُونَ إِلَى الشَّامِ وَالْمُسَافِرُ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ إِنَّمَا يَمْشِي فِي اللَّيْلِ وَفِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ عَيَّنَ تَعَالَى هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَفَلا تَعْقِلُونَ
يَعْنِي أَلَيْسَ فِيكُمْ عُقُولٌ تعتبرون بها، والله أعلم.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٣٩ الى ١٤٨]
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (١٤٨)
قِصَّةُ يُونُسَ عليه السلام

صفحة رقم 355

اعلم أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِصَّةُ السَّادِسَةُ وَهُوَ آخِرُ الْقِصَصِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ خَاتِمَةً لِلْقِصَصِ، لِأَجْلِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصْبِرْ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ وَأَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ وَقَعَ فِي تِلْكَ الشَّدَائِدِ فَيَصِيرُ هَذَا سَبَبًا لِتَصَبُّرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قُرِئَ يُونُسَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ إِنَّمَا وَقَعَتْ لِيُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ أَنْ صَارَ رَسُولًا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ
مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ حِينَمَا أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ جَاءَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ مَلِكُ زَمَانِهِ إِلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ لِيَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ أَبَقَ وَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُرْسَلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ هَذَا الْوَصْفَ فِي مَعْرِضِ تَعْظِيمِهِ، وَلَنْ يُفِيدَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ/ قَوْلِهِ: لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
أَنَّهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَبَقَ مِنْ إِبَاقِ الْعَبْدِ وَهُوَ هَرَبُهُ مِنْ سَيِّدِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ أَبَقَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إِلَّا فِيمَنْ يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ رَبِّهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لِأَجْلِهِ صَارَ مُخْطِئًا، فَقِيلَ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالْخُرُوجِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ التَّكْلِيفَ وَخَرَجَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ سَوَاءٌ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ بِوَحْيٍ أَوْ بِلِسَانِ نَبِيٍّ آخَرَ، وَقِيلَ إِنَّ ذَنْبَهُ أَنَّهُ تَرَكَ دُعَاءَ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَيْهِمْ.
وَهَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَهُ بِهَذَا الْعَمَلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُ، وَالْأَقْرَبُ فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَنْبَهُ كَانَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ إِنْزَالَ الْإِهْلَاكِ بِقَوْمِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ فَظَنَّ أَنَّهُ نَازِلٌ لَا مَحَالَةَ، فَلِأَجْلِ هَذَا الظَّنِّ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى دُعَائِهِمْ، فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الدُّعَاءِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ وَإِنْ أَنْزَلَهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ إِقْدَامٌ عَلَى أَمْرٍ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُهُ فَلَا يَكُونُ تَعَمُّدًا لِلْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى فِي مِثْلِ هَذَا الْبَابِ أَنْ لَا يُعْمَلَ فِيهِ بِالظَّنِّ ثُمَّ انْكَشَفَ لِيُونُسَ مِنْ بَعْدُ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ الظَّنِّ، لِأَجْلِ أَنَّهُ ظَهَرَ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ
مَا ذَكَرْنَاهُ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ يُونُسَ كَانَ وَعَدَ قَوْمَهُ بِالْعَذَابِ فَلَمَّا تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ خَرَجَ كَالْمَسْتُورِ عَنْهُمْ فَقَصَدَ الْبَحْرَ وَرَكِبَ السَّفِينَةَ، فَذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ
وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي مُشْكِلَاتِ هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٧] وَقَوْلُهُ: إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
مُفَسَّرٌ فِي سُورَةِ يُونُسَ وَالسَّفِينَةُ إِذَا كَانَ فِيهَا الْحِمْلُ الْكَثِيرُ وَالنَّاسُ يُقَالُ إِنَّهَا مَشْحُونَةٌ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَساهَمَ
الْمُسَاهَمَةُ هِيَ الْمُقَارَعَةُ، يُقَالُ أَسْهَمَ الْقَوْمُ إِذَا اقْتَرَعُوا، قَالَ الْمُبَرَّدُ: وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنَ السِّهَامِ الَّتِي تُجَالُ لِلْقُرْعَةِ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
أَيِ الْمَغْلُوبِينَ يُقَالُ أَدْحَضَ اللَّهُ حُجَّتَهُ فَدُحِضَتْ أَيْ أَزَالَهَا فَزَالَتْ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الدَّحْضِ الَّذِي هُوَ الزَّلَقُ، يُقَالُ دَحَضَتْ رِجْلُ الْبَعِيرِ إِذَا زَلَقَتْ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ يُونُسَ

صفحة رقم 356

عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ مَعَ قَوْمِهِ فِلَسْطِينَ فَغَزَاهُمْ مَلِكٌ وَسَبَى مِنْهُمْ تِسْعَةَ أَسْبَاطٍ وَنِصْفًا وَبَقِيَ سِبْطَانِ وَنِصْفٌ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا أَسَرَكُمْ عَدُوُّكُمْ أَوْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فَادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، فَلَمَّا نَسُوا ذَلِكَ وَأُسِرُوا أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ حِينٍ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ أَنِ اذْهَبْ إِلَى مَلِكِ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ وَقُلْ لَهُ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيًّا، فَاخْتَارَ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقُوَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ، قَالَ يُونُسُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ لَا وَلَكِنْ أُمِرْتُ أَنْ أَبْعَثَ قَوِيًّا أَمِينًا وَأَنْتَ كَذَلِكَ، فَقَالَ يُونُسُ: وَفِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي فَلِمَ لَا تَبْعَثُهُ، فَأَلَحَّ الْمَلِكُ عَلَيْهِ فَغَضِبَ يُونُسُ مِنْهُ وَخَرَجَ حَتَّى أَتَى بَحْرَ الرُّومِ وَوَجَدَ سَفِينَةً مَشْحُونَةً فَحَمَلُوهُ فِيهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ لُجَّةَ الْبَحْرِ أَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ، فَقَالَ الْمَلَّاحُونَ: إِنَّ فِيكُمْ عَاصِيًا وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فِي السفينة ما نراه من غير ربح وَلَا سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَقَالَ التُّجَّارُ: قَدْ جَرَّبْنَا مِثْلَ هَذَا فَإِذَا رَأَيْنَاهُ نَقْتَرِعُ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ نُغْرِقُهُ، فَلَأَنْ يَغْرَقَ وَاحِدٌ خَيْرٌ مِنْ غَرَقِ الْكُلِّ فَخَرَجَ سَهْمُ يُونُسَ، فَقَالَ التُّجَّارُ نَحْنُ أَوْلَى بِالْمَعْصِيَةِ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ، ثُمَّ عَادُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا يَقْتَرِعُونَ فَيَخْرُجُ سَهْمُ/ يُونُسَ، فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ أَنَا الْعَاصِي وَتَلَفَّفَ فِي كِسَاءٍ وَرَمَى بِنَفْسِهِ فَابْتَلَعَتْهُ السَّمَكَةُ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْحُوتِ: «لَا تَكْسِرْ مِنْهُ عَظْمًا وَلَا تَقْطَعْ لَهُ وَصْلًا» ثُمَّ إِنَّ السَّمَكَةَ أَخْرَجَتْهُ إِلَى نِيلِ مِصْرَ ثُمَّ إِلَى بَحْرِ فَارِسَ ثُمَّ إِلَى بَحْرِ الْبَطَائِحِ ثُمَّ دِجْلَةَ فَصَعِدَتْ بِهِ وَرَمَتْهُ بِأَرْضِ نَصِيبِينَ بِالْعَرَاءِ، وَهُوَ كَالْفَرْخِ الْمَنْتُوفِ لَا شَعَرَ وَلَا لَحْمَ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، فَكَانَ يَسْتَظِلُّ بِهَا وَيَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا حَتَّى تَشَدَّدَ، ثُمَّ إِنَّ الْأَرْضَ أَكَلَتْهَا فَخَرَّتْ مِنْ أَصْلِهَا فَحَزِنَ يُونُسُ لِذَلِكَ حُزْنًا شَدِيدًا، فَقَالَ: يَا رَبِّ كُنْتُ أَسْتَظِلُّ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ مِنَ الشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَأَمُصُّ مِنْ ثَمَرِهَا وَقَدْ سَقَطَتْ، فَقِيلَ لَهُ يَا يُونُسُ تَحْزَنُ عَلَى شَجَرَةٍ أُنْبِتَتْ فِي سَاعَةٍ وَاقْتُلِعَتْ فِي سَاعَةٍ وَلَا تَحْزَنُ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ تَرَكْتَهُمْ! انْطَلِقْ إِلَيْهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْوَاقِعَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ يُقَالُ الْتَقَمَهُ وَالْتَهَمَهُ وَالْكُلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
وَهُوَ مُلِيمٌ يُقَالُ أَلَامَ إِذَا أَتَى بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ، فَالْمُلِيمُ الْمُسْتَحِقُّ لِلَّوْمِ الْآتِي بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وَفِي تَفْسِيرِ كَوْنِهِ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي تِلْكَ الظُّلُمَاتِ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٧] الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنِ الْتَقَمَهُ الْحُوتُ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ يَعْنِي الْمُصَلِّينَ وَكَانَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ مُوَاظِبًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ لَلَبِثَ فِي بَطْنِ ذَلِكَ الْحُوتِ، وَكَانَ بَطْنُهُ قَبْرًا لَهُ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، قَالَ بَعْضُهُمُ: اذْكُرُوا اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرُكُمْ فِي الشِّدَّةِ، فَإِنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا ذَاكِرًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا وَقَعَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ قَالَ اللَّه تَعَالَى فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ عَبْدًا طَاغِيًا نَاسِيًا، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ [يُونُسَ: ٩٠] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ [يُونُسَ: ٩١] وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ كَمْ لَبِثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، وَلَفْظُ الْقُرْآنِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَسَنُ لَمْ يَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا وَأُخْرِجَ مِنْ بَطْنِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي الْتَقَمَهُ، وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعَنْ عَطَاءٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَعَنِ الضَّحَّاكِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَقِيلَ شَهْرًا وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ دَلِيلٍ عَيَّنُوا هَذِهِ الْمَقَادِيرَ،
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «سَبَّحَ يُونُسُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فَسَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ فَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ، فَقَالَ ذَاكَ عَبْدِي يُونُسُ عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالُوا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ إِلَيْكَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلٌ صَالِحٌ؟ قَالَ نعم،

صفحة رقم 357
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية