آيات من القرآن الكريم

فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ
ﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘ

قرأ حمزة والكسائي وعاصم «الله» بالنصب «ربّكم وربّ آبائكم» كل ذلك بالنصب على البدل من قوله أَحْسَنَ الْخالِقِينَ [المؤمنين: ١٤، الصافات: ١٢٥]، وقرأ الباقون وعاصم أيضا «الله ربّكم وربّ آبائكم» كل ذلك بالرفع على القطع والاستئناف، والضمير في «كذبوه» عائد على قوم إلياس، و «محضرون» معناه مجمعون لعذاب الله وقد تقدم تفسير مثل ما بقي من الآية وتقدم القول أيضا في قوله سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ، و «لوط» عليه السلام هو ابن أخي إبراهيم عليه السلام وقيل ابن أخته وقد تقدم تفسير قصته بكاملها، وامرأته هي العجوز المهلكة، وكانت كافرة فإما كانت متسترة منه عليه السلام، وإما كانت معلنة وكان نكاح الوثنيات والإقامة عليهن جائزا، و «الغابرون» الباقون، غبر بمعنى بقي ومعناه هنا بقيت في الهلاك، ثم خاطب تعالى قريشا أو هو على معنى قل لهم يا محمد وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ
في الصباح وفي الليل فواجب أن يقع اعتباركم ونظركم ثم وبخهم تعالى بقوله أَفَلا تَعْقِلُونَ
قوله عز وجل:
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٣٩ الى ١٤٦]
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦)
هذا يُونُسَ
بن متى صلى الله عليه وسلم، وهو من بني إسرائيل، وروي أنه نبىء ابن ثمانية وعشرين سنة فتفسخ تحت أعباء النبوءة كما يتفسخ الربع تحت الحمل، وقد تقدم شرح قصته ولكن نذكر منها ما تفهم به هذه الألفاظ، فروي أن الله بعثه إلى قومه فدعاهم مرة فخالفوه فوعدهم بالعذاب، وأعلمه الله تعالى بيومه فحدده يونس لهم، ثم إن قومه لما رأوا مخايل العذاب قبل أن يباشرهم تابوا وآمنوا فتاب الله عليهم وصرف العذاب عنهم، وكان في هذا تجربة ليونس فلحقت يونس غضبة، ويروى أنه كان في سيرتهم أن يقتلوا الكذاب إذا لم تقم له بينة، فخافهم يونس وغضب مع ذلك ف أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ
أي أراد الهروب ودخل في البحر وعبر عن هروبه بالإباق، من حيث هو عبد الله فر عن غير إذن مولاه، فهذه حقيقة الإباق، والْفُلْكِ
في هذا الموضع واحد، والْمَشْحُونِ
الموقر، وهنا قصص محذوف إيجازا واختصارا، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه لما حصل في السفينة وأبعدت في البحر ركدت ولم تجر، والسفن تجري يمينا وشمالا فقال أهلها إن فينا لصاحب ذنب وبه يحبسنا الله تعالى فقالوا لنقترع، فأخذوا لكل أحد سهما وقالوا اللهم ليطف سهم المذنب، ولتغرق سهام الغير فطفا سهم يونس، ففعلوا نحو هذا ثلاث مرات في كل مرة تقع القرعة عليه، فأزمعوا معه على أن يطرحوه في البحر فجاء إلى ركن من أركان السفينة ليقع منه فإذا بدابة من دواب البحر ترقبه وترصد له فرجع إلى الركن الآخر فوجدها كذلك حتى استدار أركان السفينة ليقع منه بالمركب وهي لا تفارقه فعلم أن ذلك عند الله فترامى إليها فالتقمته، وروي أنما

صفحة رقم 485

التقمته بعد أن وقع في الماء، وروي أن الله أوحى إلى الحوت أني لم أجعل يونس لك رزقا وإنما جعلت بطنك له حرزا وسجنا فهذا معنى فَساهَمَ
أي قارع وكذلك فسر ابن عباس والسدي، و «المدحض» الزاهق المغلوب في محاضة أو مساهمة أو مسابقة ومنه الحجة الداحضة، و «المليم» الذي أتى ما يلام عليه، ألام الرجل دخل في اللوم، وبذلك فسر مجاهد وابن زيد ومنه قول الشاعر: [الطويل]

وكم من مليم لم يصب بملامة ومتبع بالذنب ليس له ذنب
ومنه قول لبيد بن ربيعة: [الكامل]
سفها عذلت ولمت غير مليم وهداك قبل اليوم غير حكيم
ثم استنقذه الله من بطن الحوت بعد مدة واختلف الناس فيها، فقالت فرقة بعد ساعة من النهار، وقالت فرقة بعد سبع ساعات، وقال مقاتل بن حيان بعد ثلاثة أيام، وقال عطاء بن أبي رباح بعد سبعة أيام، وقالت فرقة بعد أربعة عشر يوما، وقال أبو مالك والسدي بعد أربعين يوما، وهو قول ابن جريج أنه بلغه وجعل تعالى علة استنقاذه مع القدر السابق تسبيحه، واختلف الناس في ذلك فقال ابن جريج هو قوله في بطن الحوت سبحان الله، وقالت فرقة بل التسبيح وصلاة التطوع، واختلفت هذه الفرقة، فقال قتادة وابن عباس وأبو العالية صلاته في وقت الرخاء نفعته في وقت الشدة، وقال هذا جماعة من العلماء، وقال الضحاك بن قيس على منبره اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة إن يونس كان عبدا لله ذاكرا فلما أصابته الشدة نفعه ذلك، قال الله عز وجل: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، وإن فرعون كان طاغيا باغيا فلما أدركه الغرق قال آمنت فلم ينفعه ذلك، فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة. وقال قتادة في الحكمة: إن العمل يرفع صاحبه إذ عثر فإذا صرع وجد متكئا، وقال الحسن بن أبي الحسن: كانت سبحته صلاة في بطن الحوت، وروي أنه كان يرفع لحم الحوت بيديه ويقول يا رب لأبنين لك مسجدا حيث لم يبنه أحد قبلي ويصلي، وروى أنس عن النبي ﷺ أن يونس حين نادى في الظلمات، ارتفع نداؤه إلى العرش فقالت الملائكة: يا رب هذا صوت ضعيف من موضع غربة، فقال الله هو عبدي يونس فأجاب الله دعوته.
قال القاضي أبو محمد: وذكر الحديث وقال ابن جبير الإشارة بقوله مِنَ الْمُسَبِّحِينَ إلى قوله لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٨٧].
قال القاضي أبو محمد: وكثر الناس في هذا القصص بما اختصرناه لعدم الصحة، وروي أن الحوت مشى به في البحار كلها حتى قذفه في نصيبين من ناحية الموصل فنبذه الله في عراء من الأرض، و «العراء» الفيفاء التي لا شجر فيها ولا معلم ومنه قول الشاعر:
رفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي
وقال السدي وابن عباس في تفسير قوله وَهُوَ سَقِيمٌ، إنه كان كالطفل المنفوش بضعة لحم، وقال بعضهم كان كاللحم النيء إلا أنه لم ينقص من خلقه شيء فأنعشه الله في ظل «اليقطينة» بلبن أروية كانت

صفحة رقم 486
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية