تعالى بجميع الأشياء، ولكن معناه (من الله) جل ذكره، بل جعلته عجباً ورأيت من أفعالهم ما يُتَعَجَّبُ منه وظهر منه عجب، ودليله قوله: ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ [الرعد: ٥]، أي: فقولهم مما يجب أن يعجب منه.
وقيل: المعنى: قل يا محمد: بل عَجِبْتُ. فيكون مضافاً إلى النبي كفتح التاء. والمعنى على قول قتادة: عجب محمد من هذا القرآن حين أعطيه، وسخر منه الكفار.
قوله (تعالى ذكره): ﴿وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ إلى قوله ﴿على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾.
أي: وإذا ذُكِّرَ هؤلاء/ الكفار بالله وأياته وخُوِّفوا عذابه، لا يذكرون ولا يخافون، وإذا رأوا آية من آيات القرآن يهزؤون.
ثم قال: ﴿وقالوا إِن هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي: وقال المشركون ما هذا الذي جئتنا به
إلا سحر مبين لمن تأمله ورآه أنه سحر.
ثم قال: ﴿أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ أي: قالوا: أَنُبْعَث إذا كنا تراباً، وعظاماً في التراب.
﴿أَوَ آبَآؤُنَا الأولون﴾ أي: أَوَ يبعث آباؤنا الماضون، أَنْكَروا البعث فقال (الله) جل ذكره لنبيه.
﴿قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ﴾ أي: قل يا محمد لهم: نعم تبعثون من قبوركم وأنتم صاغرون.
ثم قال (تعالى): ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ أي: صيحة واحدة، وذلك هو النفخ في الصور.
﴿فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ﴾ أي: شاخصة أبصارهم/ ينظرون إلى ما كانوا يوعدونه من قيام الساعة.
وقيل: " ينظرون " معناه: ينظر بعضهم بعضاً.
وقيل: معناه ينتظرون ما يفعل بهم.
ثم قال: ﴿وَقَالُواْ ياويلنا هذا يَوْمُ الدين﴾ أي: وقال هؤلاء المذكذبون بالبعث لما عاينوا ما كانوا يوعدون: يا ويلنا هذا يوم الجزاء والحساب - وقد تقدم ذكر معنى الويل -، فقالت لهم الملائكة: ﴿هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أي: يوم القضاء بين الخلق. والوقف على: " الدين " حسن لأن ما بعده من قول الملائكة لهم.
وأجاز أبو حاتم أن نقف على " يا ويلنا "، على أن يكون " هذا يوم الدين " وما بعده قول الملائكة لهم.
ثم قال: ﴿احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ أي: فيقال: اجمعوا الذين ظلموا في الدنيا وأشياعهم على الكفر بالله.
﴿وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ﴾ من دون الله من الأصنام والأوثان.
قال ابن عباس: " وأزواجهم " نظراؤهم وأبتاعهم في الظلم.
وقال قتادة وأبو العالية: (" وأزواجهم ") أشياعهم، الكفار مع الكفار.
وقال ابن زيد: " وأزواجهم " في الأعمال.
وقال مجاهد: " وأزواجهم " أمثالهم.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ: الزاني مع الزاني، وشرب الخمر مع شارب الخمر، وصاحب السرقة مع صاحب السرقة.
وقال أهل اللغة: أزواجهم قرناؤهم، (و) منه زوجت الرجل، (أي) قرنته بامرأته.
ثم قال (تعالى): ﴿فاهدوهم إلى صِرَاطِ الجحيم﴾ أي: فأرشدوهم ودولهم إلى طريق جهنم. والجحيم: الباب الرابع من أبواب النار.
ثم قال (تعالى): ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ﴾ أي: واحبسوهم أيها الملائكة إنهم مسؤولون.
روي عن ابن مسعود أنه قال: يقال لهم: هل يعجبكم ورود الماء؟ فيقولون: نعم، فيريهم جهنم وهي كهيئة السراب.
وقيل: المعنى أنهم مسؤولون عما كانوا يعبدون من دون الله.
ثم قال: ﴿مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ﴾ أي: لا ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم تعلمون في الدنيا.
﴿بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ﴾ أي: مستسلمون لأمر الله وقضائه، فهم موقنون بعذبه.
ثم قال: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾.
قال قتادة: أقبل الإنس على قرنائهم من الجن يتساءلون، قال الإنس للجن: ﴿قالوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين﴾ أي: من قبل الدين (والحق) فتخدعوننا بأقوى الوجوه.
واليمين: القوة والقدرة في كلام العرب.
وقيل: معنى ﴿(عَنِ) اليمين﴾ من جهة إيماننا لأن إبليس اللعين قال: ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧]. فمن أتاه الشيطان
(من) عن يمينه أتاه من قبل الذين فيلبس عليه الحق، ومن أتاه (من) عن شماله أتاه من جهة الشهوات، ومن اتاه من بين يديه أتاه من جهة التكذيب بالجزاء والبعث، ومن أتاه من خلفه أتاه من جهة الفقر على نفسه وعلى من يخلفه بعده. وعن اليمين: من قبل الدين أيضاً.
(وهو أيضاً) قول مجاهد والسدي وابن زيد.
وقال قتادة أيضاً: " عن اليمين ": من قبل الخير فتنهوننا عنه.
وقال السدي: " عن اليمين ": من قبل الدين، به يزينون لنا بالباطل ويصدوننا عن الحق. وليس هذا بمناف لقوله: ﴿فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠]، لأن معنى هذا: لا يتساءلون بالأنساب والأرحام
كما كانوا في الدنيا فيقول بعضهم لبعض: أسألك بالله والرحم.
وقيل: معنى قوله: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ﴾ عنى به المشركين، يقول بعضهم لبعض: كنتم تأتوننا عن اليمين، أي: من الجهة التي نحبها ونتفاءل بها.
والعرب تتفاءل/ بما جاء عن اليمين وتسميه السانح.
وقل: معنى: تأتوننا إتيان من إذا حلف لنا صدقناه. فأجابوهم فَقَالُوا (لهم) ﴿بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: مقرين بتوحيد الله.
﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ﴾ أي: من قدرة ولا حجة فنصدكم بها عن الحق والإيمان، ﴿بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ﴾ (أي طاغين) على الله، متعدين إلى ما ليس لكم بحق (من) معصية الله.
قال قتادة: هو من قول الجن للإنس.
ثم قال (تعالى): ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ﴾ أي: فوجب علينا/ عذاب ربنا إنا لذائقون نحن وأنتم العذاب، هذا خبر من الله جل ذكره عن قول الجن والإنس.
ثم قال: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ أي قالت الجن للإنس: فأضللناكم عن الحق بالوسوسة والاستدعاء والتزيين، أو كنا ضالين.
قال الله جل (ثناؤه) وذكره: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ﴾ أي: كما اشتركوا في الدنيا في الكفر بالله والضلال، كذلك يشتركون في الآخرة والعذاب.
قال ابن زيد: اشترك المشركون والشياطين في عذاب جهنم.
ثم قال (تعالى): ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين﴾ أي: يقول الله جل ذكره: إنا هكذا نفعل بالذين اكتسبوا الكفر والمعاصي في الدنيا، ثم بَيَّنَ أَنّ مِنْ كُفرهم أنهم كانوا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله، يستكبرون، أي: إذا قيل لهم في الدنيا: قولوا لا إله إلا الله، يستكبرون عن قولها، أي: يتعظمون، وحذفت قولوا لدلالة الكلام عليها.
قال السدي: يعني بذلك المشركين خاصة.
قال عمر بن الخطاب: احضروا موتاكم ولقنوهم: لا إله إلا الله، فإنهم يرون ويسمعون.
ثم قال (تعالى): ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لتاركوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ﴾ أي: وكانوا في الدنيا - يعني المشركين - (يقولون): أنترك عبادة الأصنام والأوثان، لما يأمر به شاعر مجنون من أن نقول: لا إله إلا الله، يعنون بذلك محمداً ﷺ.
قال الله جلَّ ذكره: ﴿بَلْ جَآءَ بالحق وَصَدَّقَ المرسلين﴾ أي: بل جاء محمد ﷺ بالحق ولم يأت بشعر، وصَدَّقَ بما جاء به المرسلون، أي: كتبهم، لأن في كتب المرسلين قبله أنه سيبعث بكتاب من عند الله، وفي ما جاء به محمد ذكر المرسلين وتصديقهم بما أتوا به من كتب.
ثم قال (تعالى): ﴿إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو العذاب الأليم﴾ أي: إنكم أيها القائلون
لمحمد ﷺ: ( شاعر مجنون، والمتعظمون عن قول: لا إله إلا الله)، لذائقوا العذاب الموجع في الآخرة.
﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: ثواب عملكم في الدنيا.
ثم قال: ﴿إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين﴾ أي: إلا عباد الله الذين أخلصهم يوم خلقهم لرحمته، فإنهم لا يذقون العذاب الأليم.
ومن قرأ بكسر اللام فمعناه: إلا عباد الله الذين أخلصوا له العمل والتوحيد.
ثم قال: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ﴾.
قال قتادة: هو الجنة.
وقيل: هو الفواكه التي خلقها (الله) لهم في الجنة.
ثم قال: ﴿فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النعيم﴾ أي: الرزق المعلوم كونهم ذوي فواكه وإكرام الله لهم بكرامته في جنات (النعيم).