المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى حال السعداء الأبرار وما لهم في الجنة من النعيم المقيم، أعقبه بذكر حال الأشقياء الفجار وما لهم من الخزي والدمار، على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب، وختم السورة الكريمة بيان أدلة البعث بعد الموت، والحساب والجزاء.
اللغَة: ﴿وامتازوا﴾ تميزوا وانفصلوا، والتمييزُ: الفرق بين أمرين ﴿جِبِلاًّ﴾ بكسر الميم خلقاً
جمع جِبلَّة ومنه «والجبِلَّة الأولين» مشتق من جبل اللهُ الخلق أي خلقهم ﴿لَطَمَسْنَا﴾ الطمسُ: إذهابُ الشيء وأثره جملةً كأنه لم يوجد ﴿اصلوها﴾ ادخلوها وذوقوا سعيرها ﴿لَمَسَخْنَاهُمْ﴾ المسخ: التحويل من صورة إلى صورة منكرة ﴿نُّعَمِّرْهُ﴾ التعمير: إطالة العمر حتى يبلغ سن الشيخوخة ﴿نُنَكِّسْهُ﴾ التنكيس: قلب الشيء رأساً على عقب يقال: نكستُ الشيء نكساً إذا قبلته على رأسه ومنه ﴿ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٦٥] ﴿رَمِيمٌ﴾ الرميم: البالي المفتَّت يقال رمَّ العظم أي بلى فهو رميم.
سَبَبُ النّزول: روي «أن» أُبي بن خلَف «من صناديد كفار قريش جاء بعظم بالٍ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ففتَّه بيده ثم قال: أتزعم يا محمد أن الله يُحيي هذا بعدما رمَّ؟ فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نعم يحييه، ثم يبعثك ويدخلك النار فأنزل الله تعالى ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ ».
التفسِير: بعد أن بيَّن تعالى حال السعداء ذكر حال الأشقياء فقال ﴿وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون﴾ أي تميزوا وانفصلوا يا معشر الكفرة المجرمين عن عبادي المؤمنين، انفردوا عنهم وكونوا جانباً قال القرطبي: يقال لهم هذا عند الوقوف للسؤال، وحين يؤمر بأهل الجنة إلى الجنة ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابنيءَادَمَ﴾ الاستفهام للتوبيخ والتقريع، وهو تبويخٌ للكفرة المجرمين أي ألم أوصكم وآمركم يا بني آدم على ألسنة رسلي ﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان﴾ أي ألاّ تطيعوا الشيطان فيما دعاكم إليه من معصيتي؟ ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ تعليلٌ للنهي أي لأنه عدوٌ لكم ظاهر العداوة، فكيف يطيع الإِنسان عدوه؟ ﴿وَأَنِ اعبدوني﴾ أي وأمرتكم بأن تعبدوني وحدي، بتوحيدي وطاعتي وامتثال أمري ﴿هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ أي هذا هو الدين الصحيح، والطريق الحقُّ المستقيم ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً﴾ تأكيد للتعليل أي ولقد أضلَّ الشيطان خلقاً منكم كثيرين، وأغواهم عن سلوك طريق الحقَّ قال الطبري: أي صدَّ الشيطان منكم خلقاُ كثيراً عن طاعتي حتى عبده ﴿أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ﴾ أي أفما كان لكم عقل يردعكم عن طاعة الشيطان ومخالفة أمر ربكم؟ وهو توبيخ آخر للكفرة الفجار.. ثم بشرهم بما ينتظرهم من العذاب فقال ﴿اذه جَهَنَّمُ التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ أي هذه نار جهنم التي أوعدكم بها الرسل وكذبتم بها قال الصاوي: هذا خطاب لهم وهم على شفير جهنم، والمقصود منه زيادة التبكيث والتقريع ﴿اصلوها اليوم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ أي ذوقوا حرارتها وقاسوا أنواع عذابها اليوم بسبب كفركم في الدنيا، وهو أمر إهانةٍ وتحقير مثل قوله
﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ [الدخان: ٤٩] ثم أخبر تعالى عن فضيحتهم يوم القيامة على رءوس الأشهاد فقال ﴿اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي في هذا اليوم يوم القيامة نختم على أفواه الكفار ختماً يمنعها عن الكلام ﴿وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ أي تنطق عليهم جوارحهم أيديهم وأرجلهم
بأعمالهم القبيحة روى ابن جرير الطبري عن أبي موسى الأشعري أنه قال «يُدعى الكافر والمنافق يوم القيامة للحساب فيعرض عليه ربه عمله فيجحده ويقول: أي ربِّ وعزتك لقد كتب عليَّ هذا الملك ما لم أعمل، فيقول الملك: أما عملت كذا في كذا في مكان كذا فيقول: لا وعزتك أي رب ما عملته، فإذا فعل ذلك خُتم على فيه وتكلمت أعضاؤه ثم تلا ﴿اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ﴾ وفي الحديث» يقول العبد يا ربِّ ألم تجرني من الظلم؟ فيقول بلى، فيقول العبد فإِني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، ثم يختم على فيه ويقال لجوارجه انطقي، فتنطق بأعملاه ثم يُخلى بينه وبين الكلام فيقول: بُعداً لكنِّ وسحقاً فعنكن كنت أناضل « ﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ فاستبقوا الصراط فأنى يُبْصِرُونَ﴾ أي ول شئنا لأعميانهم فابتدروا طريقهم ذاهبين كعادتهم فكيف يبصرون حنيئذٍ؟ قال ابن عباس: المعنى لو نشاء لأعميناهم عن الهدى فلا يهتدون أبداً إلى طريق الحقِّ، وهو تهديد لقريش ﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ على مَكَانَتِهِمْ﴾ أي لو نشاء لمسخناهم مسخاً يقعدهم في مكانهم ﴿فَمَا استطاعوا مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ﴾ أي إذا مسخوا في مكانهم لم يقدروا وأن يذهبوا ولا أن يرجعوا، وهو تهديد آخر للكفرة المجرمين، ثم ذكر تعالى دلائل قدرته على مسخ الكفار يتطاول الأعمار فقال ﴿وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق﴾ أي ومن نُطِل عمره نقبله في أطوار منتكساً في الخلق فيصير كالطفل لا يعلم شيئاً قال قتادة: يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا، فطولُ العمر يصيِّر الشباب هَرَماً، والقوة ضعفاً، والزيادة نقصاً ﴿أَفَلاَ يَعْقِلُونَ﴾ ؟ أي أفلا يعقلون أن من قدر على ذلك قادر على إعمائهم أو مسخهم؟ قال ابن جزي: والقصدُ من ذلك الاستدلال على قدرته تعالى على مسخ الكفار، كما قدر على تنكيس الإنسان إذا هرم ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ﴾ أي وما علمنا محمداً الشعر، ولا يصح ولا يليق به أن يكون شاعراً قال القرطبي: هاذ ردٌّ على الكفار في قولهم إنه شاعر، وإن ما أتى به من قبيل الشعر، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليس بشاعر، والقرآن ليس بشعر، لأن الشعر كلام مزخرف موزون، مبني على خيالات وأوهام واهية، حتى قيل» أعذبه أكذبه «فأين ذلك من القرآن العزيز الذي تنزَّه عن مماثلة كلام البشر!! وقد أكثر الناسُ في ذم الشعر ومدحه، وإِنما الإِنصاف ما قاله الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ» الشعر كلامٌ، والكلام منه حسنٌ، ومنه قبيح « ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ﴾ أي ما هذا الذي تلوه محمد إلا عظة وتذكيرٌ من الله نجل وعلا لعباده، وقرآن واضح ساطع لا يلتبس به الشعر بحالٍ من الأحوال ﴿لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً﴾ أي لينذر بهذا القرآن من كان حي القلب مستنير البصيرة، وهو المؤمنون لأنهم المنتفعون به ﴿وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين﴾ أي وتجب كلمة العذاب على الكافرين لأنهم كالأموات لا يعقلون ما يخاطبون به قال البيضاوي: وجعلهم في مقابلة من كان حياً إشعاراً بأنهم لكفرهم، وسقوط حجتهم، وعدم تأملهم، أمواتٌ في الحقيقة.
. ثم ذكَّرهم تعالى بنعمه، وأعاد
ذكر دلائل القدرة والوحدانية ليستدلوا على وجوده جلَّ وعللا من آثاره فقال ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً﴾ الهمزة للإِنكار والتعجيب أي أولم ينظروا نظر اعتبار، ويتفكروا فيما أبدعته أيدينا من غير واسطة، وبلا شريك ولا معين مما خلقناه لهم ولأجلهم من الأنعام وهي الإِبل والبقر والغنم، فيستدلوا بذلك على وحدانيتنا وكمال قدرتنا؟ ﴿ {فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ أي فهم متصرفون فيها كيف يشاءون تصرف المالك بماله ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ قال ابن كثير: المعنى جعلهم يقهرونها وهي ذليلةٌ لهم لا تمتنع منه، بل لو جاء صغير إلى بعيرٍ لأناخه، ولو شاء لأقامه وساقه وهو ذليل منقاد معه، وكذا لو كان القطار مائة بعير لسار الجميع بسير الصغير، فسبحان من سخر هذا لعباده} ! ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ أي فمن هذه الأنعام ما يركبونه في الأسفار، ويحملون عليه الأثقال كالإِبل التي هي سفن البر، ومنها ما يأكلون لحمه كالبقر والغنم ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ﴾ أي ولهم فيها منافع عديدة غير الأكل والركوب كالجلود والأصواف والأوبار، ولهم فيها مشارب أيضاً يشربون من ألبانها ﴿مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦] ﴿أَفَلاَ يَشْكُرُونَ﴾ أي أفلا يشكرون ربهم على هذه النعم الجليلة؟ والغرضُ من الآيات تعديدُ النعم وإِقامةُ الحجة عليهم.. ثم وبخهم وعنفهم في عبادة ما لا يسمع ولا ينفع من الأوثان والأصنام، وذلك نهاية الغيّ والضلال فقال ﴿واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ﴾ أي وعبد المشركون آلهة من الأحجار رجاء أن يُنصروا بها وهي صماء بكماء، لا تسمع الدعاء ولا تستجيب للنداء ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ أي لا تستطيع هذه الآلهة المزعومة نصره بحالٍ من الأحوال، لا بشفاعة ولا بنصرةٍ أو أعانة ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ﴾ أي وهؤلاء المشركون كالجند والخدم لأصنامهم في التعصب لهم، والذبِّ عنهم، وفدائهم بالروح والمال، مع أنهم لا ينفعوهم أيَّ نفع قال قتادة: المشركون يغضبون للآلهة في الدنيا، وهي لا تسوق إليه خيراً ولا تدفع عنه شراً، إنما هي أصنام والمشركون كأنهم خدام وقال القرطبي: المعنى إنهم قد رأوا هذه الآيات من قدرتنا، ثم اتخذوا من دوننا آلهة لا قدرة لها على فعل شيء أصلاً، والكفار يمنعون منهم ويدفعون عنهم، فهم لهم بمنزلة الجند، والأصنام لا تستطيع أن تنصرهم.
﴿فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾ أي لا تحن يا محمد على تكذيبهم لك، واتهامهم بأنك شاعرٌ أو ساحر، وهذه تسليةٌ للنبي عليه السلام، وهنا تمَّ الكلام ثم قال تعالى ﴿إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي نحن أعلم بما يخفونه في صدورهم، وما يظهرونه من أقوالهم وأفعالهم، فنجازيهم عليه، وكفى بربك أنه على كل شيء شهيد.. ثم أقام الدليل القاطع، والبرهان الساطع، على البعث والنشور فقال ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ﴾ استفهامٌ إِنكاريٌ للتوبيخ والتقريع أي أولم ينظر هذا الإِنسان الكافر نظر اعتبار، ويتفكر في قدرة الله فيعلم أنّا خلقناه من شيءٍ مهينٍ حقير هو النطفة «المني» الخارج من مخرج النجاسة؟ ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ أي فإذا هو شديد الخصومة والجدال بالباطل، يخاصم ربه وينكر قدرته، ويكذب بالبعث والنشور، أفليس الإِله الذي قدر على خلق
الإِنسان من نطفة، قادر على أن يخلقه مرة أُخرى عند البعث؟ قال المفسرون: نزلت في «أُبي بن خلف» «جاء بعظم رميم، وفتَّته في وجه النبي الكريم وقال ساخراً: أتزعم يا محمد أنَّ الله يُحيينا بعد أن نصبح رفاتاً مثل هذا؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ له: نعم يبعثك ويدخلك النار» ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ أي وضرب لنا هاذ الكافر المثل بالعظم الرميم، مستبعداً على الله إعادة خلق الإِنسان بعد موته وفنائه، ونسي أنا أنشأناه من نطفةٍ ميتة وركبنا فيه الحياة، نسي خلقه العجيب وبدأه الغريب، وجوابه من نفسه حاضر ﴿قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ أي وقال هذا الكافر: من يحيي العظام وهي بالية أشدَّ البلى، متفتتةٌ متلاشية؟ قال الصاوي: أي أورد كلاماً عجيباً في الغرابة هو كالمثل، حيث قاسَ قدرتنا على قدرة الخلق ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي قل يا محمد تخريساً وتبكيتاً لهذا الكافر وأمثاله: يخلقها ويحييها الذي أوجدها من العدم، وأبدع خلقها أول مرة من غير شيء، فالذي قدر على البداءة، قادر على الإعادة ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ أي يعلم كيف يخلق ويُبدع، فلا يصعب عليه بعث الأجساد بعد الفناء ﴿الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً﴾ أي الذي جعل لكم بقدرته من الشجر الأخضر ناراً تحرق الشجر، لا يمتنع عليه فعل ما أراد، ولا يعجزه إحياء العظام البالية وإعادتها خلقاً جديداً وقال أبو حيان: ذكر تعالى لهم ما هو أغرب من خلق الإِنسان من النطفة، وهو إبراز الشيء من ضده، وذلك أبدع شيء وهو اقتداح النار من الشيء الأخضر، ألا ترى الماء يطفىء النار ومع ذلك خرجت مما هو مشتمل على الماء، والأعراب تُوري النار من المرخ والعُفار، وفي أمثالهم «في كل شيء نار، واستمجد المرخ والعُفار» ولقد أحسن القائل:
جمعُ النقيضين من أسرار قدرته | هذا السَّحابُ به ماءٌ به نارٌ |
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - طباق السلب ﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان | وَأَنِ اعبدوني﴾ فالأول سلب، والآخر إيجاب. |
٣ - الطباق بين ﴿مُضِيّاً وَيَرْجِعُونَ﴾ ﴿يُسِرُّونَ وَيُعْلِنُونَ﴾ وهو من المحسنات البديعية.
٤ - التشبيه البليغ ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ﴾ أي كالجند في الخدمة والدفاع، حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فأصبح بليغاً.
٥ - ذكر العام بعد الخاص ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ﴾ بعد قوله ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ﴾ الآية وفائدته تفخيم النعمة، وتعظيم المنة.
٦ - المقابلة ﴿لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً﴾ الآية قابل بين الإِنذار والإِعذار، وبين المؤمنين والكفار ﴿وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين﴾ وهو من ألطف التعبير.
٧ - الاستعارة التمثيلية ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً﴾ الأنعام تخلق ولا تعمل، ولكنه شبه اختصاصه بالخلق والتكوين بمن يعمل أمراً بيديه ويصنعه بنفسه، واستعار لفظ العمل للخلق بطريق الاستعارة التمثليلة.
٨ - صيعة المبالغة ﴿خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾.. ﴿الخلاق العليم﴾.
٩ - الاستعارة التمثيلية ﴿أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ شبه سرعة تأثير قدرته تعالى ونفاذها في الأشياء بأمر المطاع من غير توقف ولا امتناع، فإِذا أراد شيئاً وجد من غير إبطاءٍ ولا تأخير، وهو من لطائف الاستعارة.
فَائِدَة: الملكوت صيغة مبالغة من المُلك، ومعناه الملك الواقع التام مثل الجبروت والرحموت للمبالغة.
تنبيه: قال العلامة ابن كثير: «ما ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه تمثل يوم الخندق بأبيات ابن رواحة» اللهم لولا أنت ما اهتدينا «وما ثبت أنه قال يوم حنين وهو راكب على بغلته» أنا النبي لا كذب: أنا ابن عبد المطلب «وقوله» هل أنت إلا أصبعٌ دميت: وفي سبيل الله ما لقيت «الخ إنما وقع اتفاقاً من غير قصد إلى قول الشعر، بل جرى هذا على لسانه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عفواً وكل هذا لدينا في قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ﴾ ا. هـ. فتدبره فإِنه نفيس. صفحة رقم 23