
التكذيب بالكل وقوله تعالى: مِنْ آيَةٍ ف «من» زائدة، وقوله: مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ تبعيضية وقوله: إِلَّا كانُوا إلخ جملة حالية وَإِذا قِيلَ لَهُمْ بطريق النصيحة. أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي بعض ما أعطاكم الله تعالى من فضله على المحتاجين، فإن ذلك مما يرد البلاء ويدفع المكاره.
قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا استهزاء بهم أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ على زعمكم إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) حيث تأمروننا بما يخالف مشيئته تعالى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان بمكة زنادقة من قريش إذا أمروا بالتصدق على المسكين. قالوا: لا والله أيفقره تالله ونطعمه نحن وكانوا يسمعون من المؤمنين، يعلقون أفعال الله بمشيئته يقولون: لو شاء الله لأغنى فلانا، ولو شاء لأعز، ولو شاء لكان كذا، فاخرجوا هذا الجواب استهزاء بالمؤمنين، وما كانوا يقولون بتعليق الأمور بمشيئة الله تعالى. وقيل: إن المؤمنين لما قالوا لكفار قريش: أنفقوا على المساكين ما زعمتم من أموالكم إنه لله تعالى، وهو ما جعلوه لله من حرثهم وأنعامهم قالوا: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه: لكنا ننظره تعالى لا يشاء ذلك فإنه لم يطعمهم مما نرى من فقرهم، فنحن أيضا لا نشاء ذلك موافقة لمراد الله تعالى فيه، وَيَقُولُونَ أي كفار مكة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين مَتى هذَا الْوَعْدُ بقيام الساعة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) فيما تعدونا به منه؟ قال الله تعالى: ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً أي ما ينتظر قومك إذ كذبوك إلّا النفخة الأولى الميتة تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩)، أي يتخاصمون في السوق.
قرأه حمزة بسكون الخاء وكسر الصاد، والمعنى: يخصم بعضهم بعضا. والباقون بحركة الخاء وتشديد الصاد وأصله «يختصمون» فأدغمت التاء في الصاد بعد قلبها صادا. فنافع وابن كثير وهشام نقلوا فتحة الصاد إلى الساكن قبلها نقلا كاملا، وأبو عمرو، وقالون اختلسا حركتها تنبيها على أن الخطأ أصلها. والباقون حذفوا حركتها فالتقى ساكنان، لذلك فكسروا أولهما، لأن الساكن إذا حرك حرك بالكسر فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً في شيء من أمورهم إن كانوا فيما بين أهليهم، وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) إن كانوا خارج أبوابهم بل تبغتهم الصيحة فيموتوا حيثما كانوا، وقد صح
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة، وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها»
«١».
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ أي وينفخ في القرن النفخة الثانية بينها وبين الأولى أربعون سنة،

فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ أي إلى مالك أمرهم يَنْسِلُونَ (٥١) أي مخرجون بسرعة بطريق الإجبار دون الاختيار. قالُوا أي الكفار بعد ما خرجوا من القبور: يا وَيْلَنا أي يا هلاكنا، احضر فهذا أوانك مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا.
وقرئ «من أهبنا»، وقرأ ابن عباس والضحاك وغيرهما من بعثنا على أنها جار ومجرور متعلق ب «ويل». وقرئ «من هبنا» ب «من» الجارة والمصدر هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ أي هذا البعث ما وعدنا به الرحمن، وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) أي صدقونا فيه.
وقيل: الوقف على هذا بجعله بدلا من مرقدنا، وجعل ما وعد الرحمن خبر المبتدأ محذوف أي هو ما وعدنا الرحمن به في الدنيا من البعث، وعلى ذلك التفسير فهذا إلخ من كلام الكافرين حيث يتذكرون ما سمعوه من الرسل عليهم السلام فيجيبون به أنفسهم، أو يجيب بعضهم بعضا وقيل: قالت لهم الحفظة تذكيرا لكفرهم: هذا ما وعد الرحمن على ألسنة الرسل في الدنيا وصدق المرسلون فيما أخبروكم به البعث بعد الموت، إِنْ كانَتْ أي ما كانت نفخة البعث إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً حصلت من نفخ إسرافيل في الصور، فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا أي مجموع عندنا مُحْضَرُونَ (٥٣) للحساب، فَالْيَوْمَ وهو يوم القيامة لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً أي لا ينقص من حسنات أحد ولا يزاد على سيئات أحد، وَلا تُجْزَوْنَ في الآخرة إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) أي إلّا بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا، إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أي أهل الجنة الْيَوْمَ وهو يوم القيامة، فِي شُغُلٍ أي شأن يشغلهم عما سواه، فاكِهُونَ (٥٥) أي متلذذون في النعمة، كالتزاور وضيافة الله وافتضاض الأبكار، وضرب الأوتار وسماعه هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ يجدون فيها برد الأكباد وغاية المراد عَلَى الْأَرائِكِ أي السر والمزينة بالثياب والستور التي هي داخل الحجال، مُتَّكِؤُنَ (٥٦) أي جالسون مع التمكن، أو الميل على شق وفي هذا إشارة إلى الفراغ لَهُمْ فِيها أي الجنة فاكِهَةٌ كثيرة من كل نوع من أنواع الفواكه، وَلَهُمْ فيها ما يَدَّعُونَ (٥٧) أي يشتهون.
وقال الزجاج: أي ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم. وعلى هذا فيكون الافتعال بمعنى الفعل، ويعضده القراءة بسكون الدال سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) أي سلام عليهم أخص قولا من رب رحيم، وعلى هذا فيكون حكاية لما سيقال لهم من جهته تعالى يومئذ كما في قوله تعالى:
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ فيكون الله تعالى أحسن من عباده المؤمنين كما أحسن إلى عباده المرسلين
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم