آيات من القرآن الكريم

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ

ونقشر، فهي استعارة، ومُظْلِمُونَ داخلون في الظلام، واستدل قوم من هذه الآية على أن الليل أصل والنهار فرع طار عليه، وفي ذلك نظر، و «مستقر الشمس» على ما روي في الحديث عن النبي ﷺ من طريق أبي ذؤيب «بين يدي العرش تمجد فيه كل ليلة بعد غروبها»، وفي حديث آخر «أنها تغرب في عين حمئة ولها ثم وجبة عظيمة»، وقالت فرقة: مستقرها هو في يوم القيامة حين تكون فهي تجري لذلك المستقر، وقالت فرقة: مستقرها كناية عن غيوبها لأنها تجري كل وقت إلى حد محدود تغرب فيه، وقيل: مستقرها آخر مطالعها في المنقلبين لأنهما نهاية مطالعها فإذا استقر وصولها كرت راجعة وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين، ونحا إلى هذا ابن قتيبة، وقالت فرقة: مستقرها وقوفها عند الزوال في كل يوم، ودليل استقرارها وقوف ظلال الأشياء حينئذ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح وأبو جعفر ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، «والشمس تجري لا مستقر لها»، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والحسن والأعرج «والقمر» بالرفع عطفا على قوله وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ عطف جملة على جملة ويصح وجه آخر وهو أن يكون قوله وَآيَةٌ ابتداء وخبره محذوف، كأنه قال: في الوجود وفي المشاهدة، ثم فسر ذلك بجملتين من ابتداء وخبر وابتداء وخبر، الأولى منهما اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ، والثانية وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ، وقرأ الباقون «والقمر قدرناه» بنصب «القمر» على إضمار فعل يفسره قَدَّرْناهُ، وهي قراءة أبي جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه، ومَنازِلَ نصب على الظرف، وهذه المنازل المعروفة عند العرب وهي ثمانية وعشرون منزلة يقطع القمر منها كل ليلة أقل من واحدة فيما يزعمون، وعودته هي استهلاله رقيقا، وحينئذ يشبه «العرجون» وهو الغصن من النخلة الذي فيه شماريخ التمر فإنه ينحني ويصفر إذا قدم ويجيء أشبه شيء بالهلال قاله الحسن بن أبي الحسن، والوجود تشهد به، وقرأ سليمان التيمي «كالعرجون» بكسر العين، والْقَدِيمِ معناه العتيق الذي قد مر عليه زمن طويل، ويَنْبَغِي هنا مستعملة فيما لا يمكن خلافه لأنها لا قدرة لها على غير ذلك، وقرأ الجمهور «سابق النهار» بالإضافة، وقرأ عبادة «سابق النهار» دون تنوين في القاف، وبنصب «النهار» ذكره الزهراوي وقال: حذف التنوين تخفيفا، و «الفلك» فيما روي عن ابن عباس متحرك مستدير كفلكة المغزل من الكواكب، ويَسْبَحُونَ معناه يجرون ويعومون، قال مكي: لما أسند إليها فعل من يعقل جمعت بالواو والنون.
قوله عز وجل:
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤١ الى ٤٦]
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥)
وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦)
آيَةٌ معناه علامة ودليل، ورفعها بالابتداء وخبره في قوله لَهُمْ، وأَنَّا بدل من آيَةٌ وفيه

صفحة رقم 454

نظر، ويجوز أن تكون «أن» مفسرة لا موضع لها من الإعراب، والحمل منع الشيء أن يذهب سفلا، وذكر الذرية لضعفهم عن السفر فالنعمة فيهم أمكن، وقرأ نافع وابن عامر والأعمش «ذرياتهم» بالجمع، وقرأ الباقون «ذريتهم» بالإفراد، وهي قراءة طليحة وعيسى، والضمير المتصل بالذريات هو ضمير الجنس، كأنه قال ذريات جنسهم أو نوعهم هذا أصح ما اتجه في هذا، وخلط بعض الناس في هذا حتى قالوا الذرية تقع على الآباء وهذا لا يعرف لغة، وأما معنى الآية فيحتمل تأويلين: أحدهما قاله ابن عباس وجماعة، وهو أن يريد ب «الذريات المحمولين» أصحاب نوح في السفينة، ويريد بقوله مِنْ مِثْلِهِ السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة، وإياها أراد الله تعالى بقوله وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ، والتأويل الثاني قاله مجاهد والسدي وروي عن ابن عباس أيضا هو أن يريد بقوله أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ السفن الموجودة في بني آدم إلى يوم القيامة ويريد بقوله وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ الإبل وسائر ما يركب فتكون المماثلة في أنه مركوب مبلغ إلى الأقطار فقط، ويعود قوله وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ على السفن الموجودة في الناس، وأما من خلط القولين فجعل الذرية في الفلك في قوم نوح في سفينة وجعل مِنْ مِثْلِهِ في الإبل فإن هذا نظر فاسد يقطع به قوله تعالى: وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فتأمله، والْفُلْكِ جمع على وزنه هو الإفراد معناه الموفر، ومِنْ في قوله مِنْ مِثْلِهِ، يتجه على أحد التأويلين: أن تكون للتبعيض، وعلى التأويل الآخر أن تكون لبيان الجنس فانظره، ويقال الإبل مراكب البر، و «الصريخ» هنا بناء الفاعل بمعنى المصرخ، وذلك أنك تقول صارخ بمعنى مستغيث، ومصرخ بمعنى مغيث، ويجيء صَرِيخَ مرة بمعنى هذا ومرة بمعنى هذا لأن فعيلا من أبنية اسم الفاعل، فمرة يجيء من أصرخ ومرة يجيء من صرخ إذا استغاث، وقوله إِلَّا رَحْمَةً قال الكسائي نصب رَحْمَةً على الاستثناء كأنه قال إلا أن يرحمهم رحمة، وقال الزجاج: نصب رَحْمَةً على المفعول من أجله كأنه قال: إلا لأجل رحمتنا إياهم، ومَتاعاً عطف على رَحْمَةً، وقوله إِلى حِينٍ، يريد إلى آجالهم المضروبة لهم.
قال القاضي أبو محمد: والكلام تام في قوله وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ استئناف إخبار عن السائرين في البحر ناجين كانوا أو مغرقين فهم بهذه لا نجاة لهم إلا برحمة الله وليس قوله فَلا صَرِيخَ لَهُمْ مربوطا بالمغرقين، وقد يصح ربطه به والأول أحسن فتأمله، ثم ابتدأ الإخبار عن عتو قريش بقوله وَإِذا قِيلَ لَهُمْ الآية، وما بين أيديهم قال مقاتل وقتادة: هو عذاب الأمم الذي قد سبقهم في الزمن وما خلفهم هو عذاب الآخرة الذي يأتي من بعدهم في الزمن وهذا هو النظر، وقال الحسن: خوفوا بما مضى من ذنوبهم وبما يأتي منها.
قال القاضي أبو محمد: فجعل الترتيب كأنهم يسيرون من شيء إلى شيء، ولم يعتبر وجود الأشياء في الزمن، وهذا النظر يكسره عليه قوله تعالى: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ [المائدة: ٤٦]، وإنما المطرد أن يقاس ما بين اليد والخلف بما يسوقه الزمن فتأمله، وجواب إِذا في هذه الآية محذوف تقديره أعرضوا يفسره قوله بعد ذلك إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ، و «الآيات» العلامات والدلائل.

صفحة رقم 455
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية