آيات من القرآن الكريم

۞ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ

تهددوننا بسببه لا، لا تفعلوا شيئا «بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ» ١٩ في الضلال متجاوزون الحد في الشرك والعصيان، مفرطون فيما يعود لنفعكم، لأنا لم نعمل معكم شيئا يوجب رجمنا «وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى» يهرول اسمه حبيب النجار المار ذكره في القصة، الذي رأى آيات الرسولين وأنس بهما قبل حضور الرسول الثالث، وكان في غار يتعبد فيه عند فراغه من عمله، قالوا وكان يتصدق بنصف ما يربح، وقد مر في القصة أنه كان راعيا، إذ علم أن قومه كذبوا الرسل وقصدوا قتلهم، وهذا على القول بأنهم لم يؤمنوا، أوهم الذين لم يؤمنوا مع الملك لأن نسق الخطاب لا ينطبق على نسق القرآن، لأن الحكاية ذكر فيها أن التكذيب والضرب والحبس وقع على الرسولين الأولين فقط وأنهم آمنوا بعد حضور الثالث، والقرآن يسكت عما وقع مع الأولين ويتكلم عن الثلاثة معا «قالَ» الراعي حبيب «يا قَوْمِ» اتركوا الرسل لا تعتدوا عليهم فيصيبكم منهم معرة، وإذا أردتم الخير لأنفسكم «اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» ٢٠ إلى ما يدعوكم إليه بغية نجاتكم من عذاب الله وكأنه التفت إلى الرسل وقال لهم أتطلبون أجرا على ما تدعون الناس إليه قالوا لا نحن أبعد الناس عن طلبه
فالتفت إلى قومه وقال «اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً» على إرشادكم لطريق الهدى والسداد «وَهُمْ مُهْتَدُونَ» ٢١ من قبل الله الذي أرسلهم فاقبلوا هدايتهم مجانا إلى خير الدنيا والآخرة واتبعوهم على ما هم عليه تربحوا رضاء الله خالقكم من غير أن تخسروا شيئا من دنياكم فقالوا له إذا أنت على دينهم مؤمن بربهم الذي فطرهم على هذا الدين الذي جاؤا يدعوننا إليه، ولذلك تحبذ دعوتهم فقال لهم «وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي» خلقني وهو رحمه الله يعبد الذي فطره وإنما أرادهم بذلك، أي وما لكم لا تعبدون الذي فطركم مثلي لأني أعبده حقا أي أيّ شيء خذلكم وصرفكم عن عبادته «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» ٢٢ حتما في الآخرة، لأن مصير الكل إليه خاطب نفسه رحمه الله في هذه الجملة وهو يريدهم فيها لأنه أبلغ في الزجر، وأمعن في الوعظ، وأحرى للقبول، وأبعد عن اللجاجة، ثم قال لهم «أَأَتَّخِذُ مِنْ

صفحة رقم 32

دُونِهِ»
أي الإله الواحد الذي آمنت به «آلِهَةً» أصناما مثلكم لا تضر ولا تنفع، كلا لا أفعل، وإنما أتخذ الله الإله الواحد الفعال لما يريد الذي لا رب غيره إلها لي وهو إله الخلق أجمع، واعلموا يا قومي إني «إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ» إله هؤلاء الرسل وإلهي وإله العالمين وخالق الكون وما فيه «بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ» أي شفاعة الأوثان التي اتخذتموها آلهة وترجون شفاعتها فلا تنفعني إذا حل بي الضر من الإله الواحد القادر «شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ» ٢٣ من مكاره الدنيا ولا من عذاب الآخرة لأنها أحجار وأخشاب لا تعصم نفسها من التعدي عليها فكيف تنفع غيرها؟ وإذا كان كذلك فكيف أتخذها آلهة «إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ٢٤ لا يقبل التأويل لشدة وضوحه ولا يخفى على أحد، ثم أقبل على الرسل وخاطبهم علنا بقوله «إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ» ٢٥ واشهدوا على إيماني فلا أبالي بما يصيبني منهم. أخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه قال لما قال صاحب يس (حبيب النجار المذكور إذ شهر بذلك) : يا قوم اتبعوا المرسلين، خنقوه ليموت، فالتفت إلى الأنبياء فقال: آمنت بربكم فاسمعون، فأسرع إليه قومه فقتلوه رجما بالحجارة. قال السدي رموه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومي، حتى مات. وجاء في الحديث انه نصح قومه حيا وميتا، رحمه الله فلما مات شهيدا ولقي ربه «قِيلَ» له من قبل ملائكة الرحمة «ادْخُلِ الْجَنَّةَ» فأدخلت روحه فيها رحمه الله ودفن جثمانه في سوق انطاكية بالمحل الذي قتل فيه، وقبره معروف حتى الآن يزوره الغادي والبادي، ولما أحست روحه الطاهرة بنعيم الجنة ورأت ما فيها من السرور والروح تتصل بجسدها أحيانا «قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ» ٢٦ ما صرت إليه من النعيم «بِما غَفَرَ لِي رَبِّي» ما اقترفته من الذنوب وستر لي ما جنيته من العيوب وما أكرمني به في الجنة الدائمة، فلو علموا ذلك لآمنوا بالرسل، والله يعلم أنهم لم يؤمنوا، إذ لم تكتب لهم السعادة. وما هنا، مصدرية، أي بالغفران الذي غفره لي وعظمته وما ينتج عنه من خير وأجاز بعض القراء كونها استفهامية، أي بأي شيء غفر لي وهو هجره دينهم والصبر على أذاهم.

صفحة رقم 33

وقال الكسائي لو كان ذاك أي جعل ما استفهامية، لقال بم بدون الألف مثل عمّ يتساءلون، وبمثل قوله:
علام أقول الرمح أثقل عاتقي... إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
على الاستفهام لأن اللغة الفصحى حذف الألف إذا جرت بحرف الجر فرقا بينها وبين ما الموصولة، ولا تثبت الألف مع حرف الجر إلا ضرورة لقوله:
على ما يشتمني لئيم... كخنزير تمرّغ في رماد
وقول الآخر:
إنا قتلنا بقتلانا سراتكم... أهل اللواء فقيما يكثر القتل
فأثبتت ما للضرورة في البيتين، ولا ضرورة هنا لأنه ليس بشعر فتبين أنها هنا مصدرية والله أعلم «وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ» ٢٧ فيها وذلك لما رأت روحه من إكرام الملائكة لها وإكرامهم إياها تمنى رحمه الله المغفرة والكرامة لقومه رحمة بهم وشفقة عليهم ليرغبهم في الإيمان ويحملهم على طاعة الرسل، فلما قتلوه ولم يسمعوا نصحه ولم يلتفتوا إلى رأفته بهم غضب الله عليهم، فعجل عقوبتهم المبينة في قوله جل جلاله «وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ» لأن أمر إهلاكهم أيسر لدينا من ذلك «وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ» ٢٨ جندا من الملائكة لإهلاكهم لأنهم أخس من ذلك «إِنْ كانَتْ» عقوبتهم في الإهلاك ما هي «إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً» من بعض أملاكنا فأمر جبريل فصاح بهم «فَإِذا هُمْ خامِدُونَ» ٢٩ جميعا لا حراك بهم، القاعد قاعدا والقائم قائما والمضجع مضجعا.
روي أن الله تعالى بعث عليهم جبرائيل عليه السلام فأخذ بعضادتي باب مدينتهم وصاح بهم صيحة فماتوا جميعا، وقد شبهت الصيحة بالنار على سبيل الاستعارة المكنية وجيء بالخمود وتخييل لها وقوله خامدون رمزا إلى أن الحي كشعلة من نار، والميت كالرماد، وهو كذلك قال لبيد:
وما المرء إلا كالشهاب وضوءه... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
وما المال والأهلون الا ودائع... ولا بد يوما أن ترد الودائع

صفحة رقم 34
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية