آيات من القرآن الكريم

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ

وقال جابر بن عبد اللَّه وأبُو سعيد: إن هذه الآيةَ نَزَلت في بني سَلَمَةَ «١» على ما تقدم، وقول النبي ع لَهُمْ: «دِيارُكُم تكْتبُ آثاركم»، والإمامُ المبينُ: قال قتادة وابن زيد: هو اللَّوحُ المحْفُوظُ «٢»، وقالت فرقة: أراد صحف الأعمال.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٣ الى ٢٧]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧)
قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)
وقوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ... الآية، رُوِي عَنْ ابن عباس والزهري وعكرمة: أن القريةَ هنا هي أنطاكيَّة «٣»، واخْتُلِفَ في هؤلاء المُرْسَلِينَ فقال قتادة وغيره: كانوا من الحواريِّينَ الذين بعثهم عيسى حِين رُفِعَ، وصُلِبَ الذي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ، فَتَفَرَّقَ الحواريُّونَ في الآفاق، فَقَصَّ اللَّه- تعالى- هنا قصَّةَ الذين نَهَضُوا إلى أنْطَاكيَّة «٤».
وقالت فرقة: بل هؤلاء أنبياء من قبل الله عزّ وجلّ.

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٢٩) برقم: (٢٩٠٧٢) عن جابر، وعن أبي سعيد رقم: (٢٩٠٧٣)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٤٨) عن ابن عبّاس وجابر وأبي سعيد، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٣/ ٥٦٥) عنهما، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٤٨٨) عن أبي سعيد، وعزاه لعبد الرزاق، والترمذي وحسنه، والبزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان»، وعن جابر بن عبد الله، وعزاه لمسلم، وابن مردويه.
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٤٨) عن مجاهد، وقتادة، وابن زيد.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٣١) برقم: (٢٩٠٨٣) عن عكرمة، وعن ابن عبّاس وغيره رقم في «تفسيره» (٣/ ٥٦٦) عنهم، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٤٨٩) عن ابن عبّاس، والزهري، وعكرمة، وابن كثير للفريابي، وعن عكرمة، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٣١) برقم: (٢٩٠٨٢)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٤٩)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٤٩٠)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.

صفحة رقم 8

قال ع «١» : وهذا يُرَجِّحُهُ قَوْلُ الكَفَرَةَ مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فإنها محاورةٌ إنما تقال لمن ادَّعى الرِّسَالَةَ من اللَّه تعالى، والآخرُ مُحْتَمَلٌ، وذَكِرَ المفسرون في قَصَص الآيةِ أشياء يَطُولُ ذِكْرُها والصِّحَّةُ فيها غَيْر مُتَيَقَّنَةٍ، فَاخْتَصَرْتُه واللاَّزِمُ مِنَ الآيةِ أنَّ اللَّه تعالى بَعَثَ إلَيْهَا رَسُولَيْنِ، فَدَعَيَا أهلَ القَرْيَةِ إلى عبادةِ اللَّهِ وتوحيدِه، فَكَذَّبُوهُما فَشَدَّدَ اللَّهُ أمرهما بثالثٍ، وقامت الحجةُ على أهلِ القريةِ، وآمن منهم الرجلُ الذي جاءَ يسعى، وقتلوه في آخر أمره وكفروا، وأصابتْهم صيحةٌ مِن السَّمَاء فَخَمَدُوا، وقرأ الجمهُور «٢» :«فَعَزَّزْنا» بِشَدِّ الزاي، على معنى: قَوَّيْنَا، وشَدَّدْنَا وبهذا فسّره مجاهد وغيره «٣»، وهذه الأمة أنكرت النبوَّاتِ بقولِها: وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ قال بعضُ المتأولين: لما كَذَّبَ أهْلُ القرية المرسلينَ أسرع فيهم الجُذَامُ.
وقال مقاتل: احْتَبَسَ عنهم المطر فلذلك قالوا: إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ «٤»، أي: تَشاءَمْنَا بكم، والأظهر أن تَطَيُّرَ هؤلاءِ إنَّما كَانَ بِسَبَبٍ ما دخَلَ قَرْيَتَهُمْ من اخْتِلافِ كَلِمَتِهِمْ وافْتِتَان النَّاسِ.
وقوله: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ جوابُه محذوف، أي: تَطَيَّرْتُم، قاله أبو حيان «٥» وغيره، انتهى، وقولهُم- عليهم السلام-: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ، معناه: حظُّكُمْ وَمَا صَارَ لَكُمْ من خير وشرٍّ مَعَكُمْ أي: من أَفْعَالِكم وَمِنْ تَكَسُّبَاتِكُمْ، ليس هو من أجْلنا، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر: «أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ» بهمزتين «٦» الثانيةُ مكسورةٌ. وقَرأ نافعٌ وغيرُه بتسهيل الثانية، وردِّها ياءً: «أَيِنْ ذُكِّرْتُمْ». وأخبر تعالى عن حالِ رجلٍ جَاء من أقصى المدينةِ يَسْعَى سَمِعَ المرسلينَ وفَهِمَ عَن اللَّهِ تعالى، فَدَعَا عَنْد ذلكَ قومَه إلى اتّباعِهم والإيمان بِهِم، إذ هو

(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٤٤٩).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٤٤٩)، و «البحر المحيط» (٧/ ٣١٣)، و «الدر المصون» (٥/ ٤٧٧).
وقد قرأ أبو بكر بالتخفيف، وقرأ بها الحسن، وأبو حيوة، وأبان، والمفضل.
ينظر: «السبعة» (٥٣٩)، و «الحجة» (٦/ ٣٨)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٢٣٠)، و «معاني القراءات» (٢/ ٣٠٤)، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٦٦)، و «العنوان» (١٥٩)، و «حجة القراءات» (٥٩٧)، و «شرح شعلة» (٥٥٧)، و «إتحاف» (٢/ ٣٩٨).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٣١) برقم: (٢٩٠٨٥)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٤٩).
(٤) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٤٩)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٩)، ولم يعزه لأحد.
(٥) ينظر: «البحر المحيط» (٧/ ٣١٤).
(٦) وقرأها هكذا حفص، وقرأها المفضل مثل قراءة نافع، يعني بتسهيل الهمزة الثانية.
ينظر: «السبعة» (٥٤٠)، و «الحجة» (٦/ ٣٨)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٢٣٠)، و «معاني القراءات» (٢/ ٣٠٦)، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٦٧)، و «العنوان» (١٥٩)، و «إتحاف» (٢/ ٣٩٨).

صفحة رقم 9

الحقُّ. فَرُوِيَ عن ابن عباس وغيره، أن اسْمَ هذا الرجلِ حبيبٌ، وكان نَجَّاراً «١» وكانَ فِيما قَال وهب بنُ مُنَبِّهٍ: قد تَجَذّم «٢».
وقيل: كَان فِي غارٍ يَعْبُدُ ربَّهُ فقال: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ... الآية، وذكر الناسُ في أسماءِ الرسلِ: صَادِق، وصَدُوقٌ، وشَلُوم، وغير هذا، واللَّه أعلم بصحَّتِه، واخْتَلَفَ المفسِّرونَ في قوله فَاسْمَعُونِ فَقَال ابن عباس وغيره: خاطب بها قوْمُه»
، أي: على جهة المبَالَغَةِ والتَّنْبِيهِ.
وقيل: خَاطَبَ بها الرُّسُلَ على جهة الاسْتِشْهَادِ بهم والاستحْفاظِ للأمْر عندهم.
قال ع «٤» : وهنا محذوفٌ تَواتَرَتْ به الأحادِيثُ والرِّوَاياتُ وهم أنهم قَتَلُوهُ فَقِيلَ له عند موته: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَلَما أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ بما رأَى من الكرَامَةِ قَالَ: يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ... الآية، قيل: / أراد بذلك الإشْفَاقَ والنصحَ لَهُمْ أي: لَو علِمُوا ذلك، لآمنوا باللَّه تعالى، وقيل: أراد أن يَعْلَمُوا ذلك فَيَنْدمُوا على فِعْلِهم به، وبخزيهم ذلك، وهذا موجود في جِبِلَّةِ البشر إذا نَال الشخصُ عزًّا وخَيْراً في أرض غُرْبةٍ وَدَّ أنْ يَعْلَم ذلك جِيرَانهُ وأتْرَابهُ الذينَ نَشَأَ فيهمْ، كما قيل: [السريع]
الْعِزُّ مَطْلُوبٌ وَمُلْتَمَس وَأَحَبُّهُ مَا نِيلَ في الوَطَنِ «٥»
قال ع «٦» : والتأويلُ الأولُ أشبهُ بهذا العبدِ الصالح وفي ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«نَصَحَ قَوْمَه حَيًّا وَمَيِّتاً» وقالَ قَتَادةُ: نصَحَهُم على حالة الغضب والرضاء وَكَذِلكَ لاَ تجِدُ المؤمِنَ إلا ناصحاً للناس «٧».

(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٥٠)، وأخرجه الطبري (١٠/ ٤٣٣) برقم: (٢٩٠٩٤)، وذكره ابن كثير (٣/ ٥٦٨)، والسيوطي (٥/ ٤٩١)، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٣٣) برقم: (٢٩٠٩٤)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٥٠)، وابن كثير في «تفسيره» (٣/ ٥٦٨).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٣٥) برقم: (٢٩١٠١)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٥١)، وابن كثير في في «تفسيره» (٣/ ٥٦٨) كلهم عن ابن عبّاس، وكعب، ووهب. [.....]
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٤٥١).
(٥) البيت من شواهد «المحرر الوجيز» (٤/ ٤٥١).
(٦) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٤٥١).
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٤٣٦) برقم: (٢٩١٠٦)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٥١)، وابن كثير في «تفسيره» (٣/ ٥٦٨) بنحوه.

صفحة رقم 10
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية