آيات من القرآن الكريم

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ

ونحو الآية قوله: «إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ».
ثم ذكر ما يؤكد الخشية من الله وخوف عقابه بقوله:
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) أي إنا نحيى الموتى جميعا من قبورهم يوم القيامة، ونكتب ما أسلفوا من عمل، وتركوا من أثر حسن بعدهم، كعلم علّموه، أو حبيس في سبيل الله وقفوه، أو مستشفى لنفع الأمة أنشئوه، أو أثر سيىء كغرس الأحقاد والأضغان، وترتيب مبادئ الشر والعدوان بين الأنام.
روى ابن أبى حاتم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «من سنّ حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئا، ثم تلا: ونكتب ما قدّموا وآثارهم»
والمراد من كتابة ذلك مجازاتهم عليه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
ثم ذكر أن الضبط والإحصاء لا يخص أعمال بنى آدم، بل يتناول جميع الأشياء فقال:
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) أي وبيّنا كل شىء وحفظناه، فى أصل عظيم يؤتم به، ويتبع ولا يخالف، وهو علمنا الأزلى القديم الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
ونحو الآية قوله: «عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى» وقوله: «وكلّ شىء فعلوه في الزّبر. وكلّ صغير وكبير مستطر».
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٣ الى ٢٧]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧)
قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)

صفحة رقم 148

تفسير المفردات
ضرب المثل: يستعمل تارة في تشبيه حال غريبة بأخرى مثلها كما في قوله:
«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ» الآية، ويستعمل أخرى في ذكر حال غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تشبيهها بحال أخرى نحو قوله: «وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ» أي وبيّنا لكم أحوالا غاية في الغرابة كالأمثال، والقرية: هى أنطاكية كما روى عن قتادة وعكرمة، والمرسلون: هم رسل عيسى من الحواريين، فعززنا: أي فقوّينا وشددنا، البلاغ المبين: أي التبليغ الواضح الظاهر للرسالة،

صفحة رقم 149

تطيّرنا: أي تشاء منا، لنرجمنكم: أي لنرمينكم بالحجارة، طائركم: أي سبب شؤمكم، مسرفون: أي مجاوزون الحد في العصيان، أقصى المدينة: أي أبعد مواضعها، يسعى:
أي يعدو ويسرع، لا تغن: أي لا تنفع، ولا ينقذون: أي لا يخلصونى.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أن هؤلاء المشركين قد ختم الله على قلوبهم فهم لا يؤمنون- أردف ذلك ذكر مثل لقوم حالهم كحالهم في الغلوّ في الكفر والإصرار على التكذيب، والاستكبار على الرسل، وصم الآذان عن سماع الوعظ والإرشاد، وهم أهل قرية أنطاكية ببلاد الشام، فقد كان قصصهم مع رسل الله كقصص قومك معك، فى العناد والاستكبار والعتوّ والطغيان.
الإيضاح
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) أي واجعل أصحاب قرية أنطاكية مثلا لهؤلاء القوم، إذ أصروا على تكذيب الرسل الذين أرسلوا إليهم كما أصر قومك على تكذيبك عنادا واستكبارا.
والمشهور لدى المفسرين ومنهم قتادة وغيره أن الرسل هم رسل عيسى عليه السلام من الحواريين بعثهم إلى أهل أنطاكية، وكان منهم ما قصه الله علينا في كتابه.
ويرى ابن عباس واختاره كثير من جلّة العلماء أن الرسل هم رسل الله أرسلهم ردءا لعيسى عليه السلام مقررين لشريعته كهرون لموسى عليه السلام، ويؤيد ذلك.
(١) قولهمَ بُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ).
(٢) إنهم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا).
(٣) إن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، فقد كانوا أول أهل مدينة آمنت بالمسيح ومن ثم كانت إحدى المدن الأربع اللاتي فيهن بطارقة، وهن القدس

صفحة رقم 150

وأنطاكية والإسكندرية ورومية، لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم ووطده، ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البطرين من رومية إليها.
ثم فصل ما تقدم وزاده بيانا فقال:
(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) أي حين أرسلنا إليهم رسولين من عندنا فأسرعوا في تكذيبهما فقويناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث فقالوا لأهل القرية: إنا إليكم مرسلون من ربكم الذي خلقكم، بأن تخلصوا له العبادة، وتتبرءوا مما تعبدون من الآلهة والأصنام.
والمشهور أن الرسولين الأولين كانا يوحنا وبولس والرسول الثالث شمعون.
ثم ذكر شبهة، كثيرا ما تمسك بها المكذبون للرسل من الأمم الماضية.
(قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) أي قال أصحاب القرية للثلاثة الذين أرسلوا إليهم: ما أنتم إلا بشر مثلنا من غير مزية دعية لاختصاصكم بما تدّعون، وما أنزل الرّحمن إليكم رسالة ولا كتابا ولا أمركم فينا بشىء، ما أنتم إلا كاذبون في قيلكم إنا مرسلون إليكم.
وفي قولهم «ما أنزل الرّحمن» إيماء إلى أنهم يعترفون بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام. وحينئذ رد عليهم الرسل مؤكدين رسالتهم.
(قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) أي فأجابهم الرسل قائلين: الله يعلم إنا رسله إليكم ولو كنا كذبة عليه لا نتقم منا أشد الانتقام، ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم وستعلمون لمن تكون عقبى الدار؟
ونحو الآية قوله: «قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ».
ثم ذكر الرسل ما أمروا به فقالوا:

صفحة رقم 151

(وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي إنما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به إليكم، فإن أطعتم ربحتم وكانت لكم سعادة الدارين، وإن لم تجيبوا فستعلمون عاقبة تكذيبكم حين يحيق بكم الوبال والنكال.
والتبليغ المبين إنما يكون إذا صحبته الآيات الباهرة، والمعجزات الدالة على أنهم رسل من عند الله.
والخلاصة- ما علينا من جهة ربنا إلا التبليغ المعزّز بالآيات البينات وقد فعلنا فأىّ شىء تطلبون منا حتى تصدقوا دعوانا؟.
ولما ضاقت بهؤلاء المكذبين الحيل، وأعيتهم الحجج لجئوا إلى التهديد والوعيد.
(قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) أي قالوا إنا تشاء منا من تبليغكم ودعوتكم، فقد افتتن بعض القوم بكم، وتفرقت كلمتنا وانفرط عقد وحدتنا، ولئن لم تنتهوا عن بثّ هذه الدعوة بيننا لنرجمنكم بالحجارة رجما، ولنمثلن بكم شر التمثيل أو لنعذبنكم عذابا شديدا وأنتم أحياء.
والخلاصة- إنا إما أن نقتلكم أو نلقيكم في غيابات السجون وننكل بكم تنكيلا عظيما.
حينئذ أجابهم الرسل:
(قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي قالوا لهم سبب شؤمكم من أفعالكم لا من قبلنا كما تزعمون، فأنتم أشركتم بالله سواه، وأو لعتم بالمعاصي واجترحتم السيئات، أما نحن فلا شؤم من قبلنا، فإنا لا ندعو إلا إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له والإنابة إليه، وفي ذلك منتهى اليمن والبركة.
(أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) أي أمن جرّاء أنا ذكرناكم وأمرناكم بعبادة الله مخلصين له الدين تقابلوننا بمثل هذا الوعيد؟ بل أنتم قوم ديدنكم الإسراف ومجاوزة الحد في الطغيان، ومن ثم جاءكم الشؤم ولا دخل لرسل الله في ذلك.

صفحة رقم 152

والخلاصة- أنتم قوم مسرفون في ضلالكم، متمادون في غيكم، تتشاءمون بمن يجب التبرك بهم من هداة الدين، فقد جعلتم أسباب السعادة أسبابا للشقاء ولا يخفى ما في ذلك من شديد التوبيخ وعظيم التهديد والتنبيه إلى سوء صنيعهم بحرمانهم من الخيرات.
ونحو الآية قوله تعالى حكاية عن قوم فرعون «فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ، أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ».
ثم أبان أنّ الحق لا يعدم نصيرا، وأن الله يقيّض له من يدافع عنه فقال:
(وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أي وجاء من أطراف المدينة رجل يعدو مسرعا، لينصح قومه حين بلغه أنهم عقدوا النية على قتل الرسل، فتقدم للذبّ عنهم ابتغاء وجه الله ونيل ثوابه، قال يا قوم اتبعوا رسل الله الذين لا يطلبون منكم أجرا على تبليغهم ولا يطلبون علوا في الأرض ولا فسادا، وهم سالكون طريق الهداية التي توصل إلى سعادة الدارين.
روى أن هذا الرجل يسمى حبيبا، وكان نجارا، قال ابن أبى ليلى: سباقو الأمم ثلاثة لم يكفروا قط طرفة عين: على بن أبى طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون.
ورواه الزمخشري حديثا، وقال ابن كثير إنه حديث منكر.
ثم أبان لهم أنه ما اختار لهم إلا ما اختاره لنفسه فقال:
(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ؟) أي وما يمنعنى من إخلاص العبادة للذى خلقنى، وإليه المرجع للجزاء يوم المعاد فيجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وفي هذا تقريع لهم بتركهم عبادة الخالق وعبادة غيره، وتهديد بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب.

صفحة رقم 153

ثم أعاد التوبيخ مرة أخرى مبينا عظيم حمقهم فقال:
(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ؟) أي أأعبد من دون الله آلهة لا تملك من الأمر شيئا، وهو لو أرادنى بسوء فلا كاشف له إلا هو، ولا تملك الآلهة دفعه عنى ولا منعه.
(إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي إنى إذا فعلت ذلك واتخذت من دونه آلهة لفى ضلال بيّن لا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل، فإن إشراك من لا يخلق وليس من شأنه النفع والضر، بمن يخلق وهو القادر على كل شىء- خطأ ظاهر، وغلط واضح لدى أرباب الأحلام وذوى الحجا.
ثم التفت إلى الرسل وخاطبهم منيبا إلى ربه فقال:
(إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) أي إنى آمنت بربكم الذي أرسلكم فاشهدوا لى بذلك عنده.
روى أنه لما قال ذلك وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه ولم يجد من يدافع عنه.
قال قتادة: جعلوا يرجمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون، فلم يزالوا به كذلك حتى فارق الحياة.
ثم ذكر مآل أمره وما قاله حين وجد النعيم والكرامة، فقال:
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ، قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) أي قال الله له: ادخل الجنة كفاء ما قدمت من عمل وأسلفت من إحسان، فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره قال: ليت قومى يعلمون بما أنا فيه من نعيم، وخير عميم، لإيمانى بربي وتصديقى برسله وصبرى على أذى قومى، وإنما تمنى علم قومه بحاله، ليحملهم ذلك على اكتساب المثوبة مثله بالتوبة عن الكفر والدخول فى حظيرة الإيمان والطاعة اتباعا لسنن أولياء الله الذين يكظمون الغيظ ويترحمون على الأعداء.

صفحة رقم 154

قال ابن عباس: نصح قومه حيا بقوله: (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وبعد مماته بقوله: (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ).
وإلى هنا وقف القلم في تفسير هذا الجزء من الكتاب الكريم. وكان الفراغ منه بمدينة حلوان من أرباض القاهرة قاعدة الديار المصرية في اليوم الثامن عشر من شعبان سنة أربع وستين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية.
والحمد لله على إحسانه وإنعامه، وصلّ ربنا على محمد وآله الطيبين الأخيار وصحبه الأبرار.

صفحة رقم 155

فهرست أهم المباحث العامة التي في هذا الجزء
الصفحة المبحث ٣ مضاعفة ثواب أمهات المؤمنين رضى الله عنهن.
٥ مكانتهن بين النساء وأمرهن بالقرار في البيوت.
٧ من هم أهل البيت؟
٨ ما أعده الله للمسلمين والمسلمات من لأجر والكرامة في الدار الآخرة ٩ الأوصاف التي يستحق بها عباده الثواب العظيم.
١٠ أىّ المجاهدين أعظم لله أجرا؟. ١١ قصة زينب بنت جحش ١٢ الحكمة في زواجه صلّى الله عليه وسلم بها.
١٥ ما كانت تفخر به زينب على أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم.
١٦ أبوّة محمد صلّى الله عليه وسلم للمؤمنين أبوة تعظيم وإجلال.
١٧ أولاد النبي عليه الصلاة والسلام.
١٩ أمره عليه الصلاة والسلام باحتمال أذى المشركين وبالتوكل عليه.
٢٠ لا عدّة للمطلقة قبل الدخول.
٢٣ بعض خصائص النبي صلّى الله عليه وسلم في الزواج.
٢٥ تخييره صلّى الله عليه وسلم في مضاجعة من شاء من نسائه.
٢٦ نهيه صلّى الله عليه وسلم عن زواج غير الموجودات معه، وعن استبدال غيرهن بهنّ ٢٧ آية الحجاب وما فيها من أحكام وآداب.
٢٨ النهى عن إزعاج النبي صلّى الله عليه وسلم إذا كان في الخلوة.
٢٩ يحرم اللبث على المدعوّ إلى طعام بعد أن يطعم إذا كان في ذلك أذى لرب البيت.

صفحة رقم 156

٣٠ قال عمر: وافقت ربى في ثلاث.
٣١ منع المؤمن عن نكاح أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم.
٣٣ احترام النبي صلّى الله عليه وسلم في الملا الأعلى والملإ الأدنى.
٣٥ من نسب إلى مؤمن أو مؤمنة ما لم يعملا فقد اجترح إثما عظيما.
٣٧ أمر النساء بالتستر وإرخاء الجلابيب صيانة لهن عن الأذى.
٣٨ توعد الله أصنافا ثلاثة: بالقتال، والقتل، أو النفي من الديار.
٤١ ندم المشركين يوم القيامة وتمنيهم أن لو كانوا أطاعوا الله.
٤٤ الأقوال والأفعال التي تكون سبب الفوز العظيم.
٤٦ فعل التكاليف الشرعية وسيلة الظفر والفلاح.
٤٧ أسباب تعدد زوجاته صلّى الله عليه وسلم. ٤٨ الأسباب العامة لذلك.
٤٩ الأسباب الخاصة بزواج كل واحدة من أمهات المؤمنين.
٥٢ أسباب إباحة تعدد الزوجات في الإسلام.
٥٣ ما حوته سورة الأحزاب من أغراض ومقاصد.
٥٥ وجه اتصال سورة سبأ بما قبلها.
٥٦ شمول علمه تعالى لكل ما في السموات والأرض.
٥٧ إثبات البعث والجزاء. ٥٨ الحكمة في البعث والجزاء.
٥٩ أهل الكتاب الذين آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم يعتقدون قيامها ومجيئها.
٦٠ ما قاله المشركون على سبيل التهكم ممن قال بالبعث.
٦١ ادعاؤهم أن هذه المقالة لا يقولها إلا مفتر أو مجنون.
٦٢ تنبيههم إلى ما يرون من آثار قدرته تعالى.
٦٣ ما آتى الله داود من فضل ونعمة. ٦٤ تسخير الريح لسليمان.
٦٦ تسخير الجن. ٦٧ الأرضة دلت على موت سليمان عليه السلام.

صفحة رقم 157

٧٠ عقاب المعرضين عن شكر النعم. ٧١ سدّ مأرب- سدّ العرم ٧٢ الكشف الحديث دل على صدق ما جاء في القرآن.
٧٣ النعم التي أوتيها السبئيون.
٧٤ عقاب أهل سبأ باتباعهم لوساوس الشيطان.
٧٥ طغيانهم في الأرض وإفسادهم إلا قليلا منهم.
٧٦ تأنيب قريش على عبادتها الأوثان والأصنام.
٧٨ الشفاعة لا تنفع إلا لمن أذن الله له بها.
٧٩ أمر الرسول بأن يقول للمشركين: علىّ إجرامى وعليكم إجرامكم، والحاكم بيننا هو الله.
٨٢ رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم عامة للأسود والأحمر.
٨٣ استعجال المشركين للعذاب تهكما وازدراء.
٨٤ إنكار المشركين للقرآن والكتب التي قبله.
٨٥ الحوار الذي بين المشركين ومعبوديهم يوم القيامة.
٨٦ تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم على إنكار مترفى قومه له، وبيان أنهم ليسوا ببدع في ذلك.
٨٨ سعة الرزق لا تدل على رضا الله عن المرء ولا غضبه عليه.
٨٩ العمل الصالح مع الإيمان هو الزلفى عند الله.
٩٠ في الحديث: «اللهم أعط منفقا خلفا، وممسكا تلفا».
٩١ أكثر المشركين مؤمنون بالجن مصدقون لهم فيما يقولون.
٩٤ قال المشركون: القرآن إفك مفترى وإنه سحر بين.
٩٥ ما ردّ به سبحانه على هذه المقالة.
٩٦ طالب الله الكفار بالتريث في هذا الحكم ليعلموا الحق.
٩٧ سبب نزول الآية (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ).

صفحة رقم 158

٩٨ العدة بنشر الإسلام وتبلج نوره.
٩٩ «إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا» الحديث.
١٠١ أن لهم الإيمان يوم القيامة وقد كفروا من قبل؟
١٠٤ الأجنحة- فى العالم المادي تساعد على الطيران، وفي عالم الأرواح ترشد إلى القدرة.
١٠٥ ما كان يقوله صلّى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة وبعد الرفع من الركوع ١٠٦ الأمر بذكر النعم والشكر عليها.
١٠٧ تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم بأنه ليس ببدع بين الرسل.
١٠٩ لحزب الشيطان العذاب الشديد ولحزب الله المغفرة.
١١٠ ضرب المثل على تحقق البعث والنشور.
١١٣ لمن سعى في ضعف الإسلام عذاب شديد والله يحبط عمله.
١١٤ الآجال والأعمار أحصاها الله في كتاب.
١١٥ البراهين الدالة على الوحدانية والقدرة.
١١٧ النعي على المشركين في عبادة الأصنام والأوثان.
١١٨ من أصول الدين أن لا تزر وازرة وزر- أخرى.
١١٩ البشارة والإنذار إنما تجدى نفعا لدى من يخشى الله.
١٢٠ تسلية الرسول عن عدم قبول المشركين دعوته.
١٢١ لم يترك الله أمة سدى بلا نذير. ١٢٣ الهداية والتوفيق بيد الله سبحانه.
١٢٤ قومك ليسوا ببدع في الأمم. ١٢٥ الاعتبار بالآيات الكونية.
١٢٦ لا يعلم بديع صنع الله إلا العالم بأسرار الكون.
١٢٨ الذين يتبعون أحكام الدين لهم تجارة لن تبور.
١٢٩ القرآن الكريم مصدق لما بين يديه من الكتب السماوية.

صفحة رقم 159

١٣٠ المؤمنون أقسام ثلاثة.
١٣١ المؤمنون حين يدخلون الجنة يقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.
١٣٢ الكافرون يوم القيامة يطلبون العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحا.
١٣٣ ما أجيبوا به عن هذا الطلب. ١٣٤ علم الله تعالى محيط بجميع الأشياء.
١٣٦ تبكيت المشركين على عبادة الأوثان.
١٣٧ نظام الجاذبية.
١٣٩ إنكارهم لرسالة النبي صلّى الله عليه وسلم بعد أن كانوا مترقبين لها.
١٤٠ تهديد المشركين بحلول العقاب كما حل بمن قبلهم.
١٤١ تنبيهم إلى آثار الغابرين الذين خلوا من قبلهم.
١٤٢ لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة.
١٤٣ مجمل ما حوته سورة فاطر من حكم وأحكام.
١٤٤ وجه اتصال سورة يس بما قبلها.
١٤٥ المراد بياسين.
١٤٦ جعل الأغلال في عنق أهل النار.
١٤٧ لا فائدة في إنذار هؤلاء المشركين.
١٤٨ من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده.
١٤٩ ضرب المثل بأهل أنطاكية.
١٥٠ من رسل الله الذين أرسلوا إلى أهل أنطاكية؟
١٥١ مقالة أهل القرية للرسل.
١٥٢ ما ردّ به الرسل عليهم.
١٥٣ الحق لا يعدم نصيرا.
١٥٤ مآل أمر ذلك الواعظ.

صفحة رقم 160

الجزء الثالث والعشرون
[تتمة سورة يس]
تفسير المراغي تأليف صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير المرحوم أحمد مصطفى المراغي أستاذ الشريعة الإسلامية واللغة العربية بكلية دار العلوم سابقا الجزء الثالث والعشرون

صفحة رقم 1
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية