آيات من القرآن الكريم

۞ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

الواو إنما عطفت جملة على جملة وكأن المعنى الإخبار بأن أهل العلم يرون الوحي المنزل على محمد حقا وأنه يهدي إلى صراط الله، وقوله الَّذِي أُنْزِلَ مفعول ب يَرَى، والْحَقَّ مفعول ثان وهو عماد، والَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ قيل هم من أسلم من أهل الكتاب.
وقال قتادة هم أمة محمد المؤمنون به كان من كان، وَيَهْدِي معناه يرشد، و «الصراط» الطريق، وأراد طريق الشرع والدين، ثم حكي عن الكفار مقالتهم التي قالوها على جهة التعجب والهزء، أي قالها بعضهم لبعض كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه: هل أدلك على أضحوكة ونادرة فلما كان البعث عندهم من البعيد المحال جعلوا من يخبر به في حيز من يتعجب منه، والعامل في إِذا فعل مضمر قبلها فيما قال بعض الناس تقديره «ينبئكم بأنكم تبعثون إذا مزقتم»، ويصح أن يكون العامل ما في قوله إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ من معنى الفعل لأن تقدير الكلام «ينبئكم إنكم لفي خلق جديد إذا مزقتم»، وقال الزجاج العامل في إِذا، مُزِّقْتُمْ وهو خطأ وإفساد للمعنى المقصود، ولا يجوز أن يكون العامل يُنَبِّئُكُمْ بوجه، ومُزِّقْتُمْ معناه بالبلى وتقطع الأوصال في القبور وغيرها، وكسر الألف من إِنَّكُمْ لأن يُنَبِّئُكُمْ في معنى يقول لكم ولمكان اللام التي في الخبر، وجَدِيدٍ معناه مجدد، وقولهم أَفْتَرى هو من قول بعضهم لبعض، وهي ألف الاستفهام دخلت على ألف الوصل فحذفت ألف الوصل وبقيت مفتوحة غير ممدودة، فكأن بعضهم استفهم بعضا عن محمد أحال الفرية على الله هي حاله أم حال الجنون، لأن هذا القول إنما يصدر عن أحد هذين فأضرب القرآن عن قولهم وكذبه، فكأنه قال ليس الأمر كما قالوا بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ والإشارة بذلك إليهم، فِي الْعَذابِ يريد عذاب الآخرة لأنهم يصيرون إليه، ويحتمل أن يريد فِي الْعَذابِ في الدنيا بمكابدة الشرع ومكابرته ومحاولة إطفاء نور الله تعالى وهو يتم، فهذا كله عذاب وفي الضَّلالِ الْبَعِيدِ أي قربت الحيرة وتمكن التلف لأنه قد أتلف صاحبه عن الطريق الذي ضل منه.
قوله عز وجل:
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٩ الى ١١]
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١)
الضمير في يَرَوْا لهؤلاء الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [سبأ: ٨] وقفهم الله تعالى على قدرته وخوفهم من إحاطتها بهم، المعنى أليس يرون أمامهم ووراءهم سمائي وأرضي لا سبيل لهم إلى فقد ذلك عن أبصارهم ولا عدم إحاطته بهم، وقرأ الجمهور «إن نشأ نخسف» و «نسقط» بالنون في الثلاثة وقرأ حمزة والكسائي «إن يشأ يخسف بهم أو يسقط» بالياء في الثلاثة وهي قراءة ابن وثاب وابن مصرف والأعمش وعيسى واختارها أبو عبيد، و «خسف الأرض» هو إهواؤها بهم وتهورها وغرقهم فيها، و «الكسف» قيل هو

صفحة رقم 406

مفرد اسم القطعة، وقيل هو جمع كسفة جمعها على حد تمرة وتمر ومشهور جمعها كسف كسدرة وسدر وأدغم الكسائي الفاء في الباء في قوله نَخْسِفْ بِهِمُ قال أبو علي وذلك لا يجوز لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء فلا تدغم فيها وإن كان الباء تدغم في الفاء كقوله اضرب فلانا، وهذا كما تدغم الباء في الميم كقوله «اضرب محمدا» ولا تدغم الميم في الباء كقولك اضمم بكرا، لأن الباء انحطت عن الميم يفقد الغنة التي في الميم، والإشارة بقوله تعالى في ذلك إلى إحاطة السماء بالمرء ومماسة الأرض له على كل حال، و «المنيب» الراجع التائب، ثم ذكر تعالى نعمته على داود وسليمان احتجاجا على ما منح محمدا، أي لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبدنا قديما بكذا وكذا، فلما فرغ التمثيل لمحمد ﷺ رجع التمثيل لهم بسبأ وما كان من هلاكهم بالفكر والعتو، والمعنى قلنا يا جِبالُ، وأَوِّبِي معناه ارجعي معه لأنه مضاعف آب يؤوب، فقال ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم معناه سبحي معه أي يسبح هو وترجع هي معه التسبيح، أي ترده بالذكر ثم ضوعف الفعل للمبالغة، وقيل معناه سيري معه لأن التأويب سير النهار كان الإنسان يسير بالليل ثم يرجع السير بالنهار أي يردده فكأنه يؤوبه، فقيل له التأويب ومنه قول الشاعر: [البسيط]

يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأويب
ومنه قول ابن أبي مقبل: [الطويل]
لحقنا بحي أوبوا السير بعد ما دفعنا شعاع الشمس والطرف مجنح
وقال مروح أَوِّبِي سبحي بلغة الحبشة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف غير معروف، وقال وهب بن منبه: المعنى نوحي معه والطير تسعدك على ذلك، قال فكان داود إذا نادى بالنياحة والحنين أجابته الجبال وعكفت الطير عليه من فوقه، قال فمن حينئذ سمع صدى الجبال، وقرأ الحسن وقتادة وابن أبي إسحاق «أوبي» بضم الهمزة وسكون الواو أي ارجعي معه أي في السير أو في التسبيح، وأمر الجبال كما تؤمر الواحدة المؤنثة لأن جمع ما لا يعقل كذلك يؤمر وكذلك يكنى عنه ويوصف ومنه المثل «يا خيل الله اركبي» ومنه مَآرِبُ أُخْرى [طه: ١٨] وهذا كثير، وقرأ الأعرج وعاصم بخلاف وجماعة من أهل المدينة «والطير» بالرفع عطفا على لفظ قوله يا جِبالُ، وقرأ نافع وابن كثير والحسن وابن أبي إسحاق وأبو جعفر «والطير» بالنصب فقيل ذلك عطف على فَضْلًا وهو مذهب الكسائي، وقال سيبويه هو على موضع قوله يا جِبالُ لأن موضع المنادى المفرد نصب، وقال أبو عمرو: نصبها بإضمار فعل تقديره وسخرنا الطير، ووَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ معناه جعلناه لينا، وروى قتادة وغيره أن الحديد كان له كالشمع لا يحتاج في عمله إلى نار، وقيل أعطاه قوة يثني بها الحديد، وروي أنه لقي ملكا وداود يظنه إنسانا وداود متنكر خرج ليسأل الناس عن نفسه في خفاء، فقال داود لذلك الشخص الذي تمثل فيه الملك ما قولك في هذا الملك داود؟ فقال له الملك: نعم العبد لولا خلة فيه، قال داود وما هي؟ قال: يرتزق من بيت المال ولو أكل من عمل يديه لتمت فضائله، فرجع فدعا الله تعالى في أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه فعلمه تعالى صنعة لبوس وألان له الحديد، فكان فيما روي يصنع ما بين يومه

صفحة رقم 407
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية