
لانه سبب العذاب وفى المفردات اصل الرجز الاضطراب وهو فى الآية كالزلزلة وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مستأنف مسوق للاستشهاد باولى العلم على الجهلة الساعين فى الآيات اى يعلم أولوا العلم من اصحاب رسول الله ومن شايعهم من علماء الامة او من آمن من علماء اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار ونحوهما والاول اظهر لان السورة مكية كما فى التكملة الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ اى النبوة والقرآن والحكمة والجملة مفعول أول لقوله يرى هُوَ ضمير فصل يفيد التوكيد كقوله تعالى (هُوَ خَيْراً لَهُمْ) الْحَقَّ بالنصب على انه مفعول ثان ليرى وَيَهْدِي عطف على الحق عطف الفعل على الاسم لانه فى تأويله كما فى قوله تعالى (صَافَّاتٍ) اى وقابضات كأنه قيل ويرى الذين أوتوا العلم الذي انزل إليك الحق وهاديا إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الذي هو التوحيد والتوشح بلباس التقوى وهذا يفيد رهبة لان العزيز يكون ذا انتقام من المكذب ورغبة لان الحميد يشكر على المصدق وفيه ان دين الإسلام وتوحيد الملك العلام هو الذي يتوصل به الى عزة الدارين والى القربة والوصلة والرؤية فى مقام العين كما ان الكفر والتكذيب يتوصل به الى المذمة والمذلة فى الدنيا والآخرة والى البعد والطرد والحجاب عما تعاينه القلوب الحاضرة والوجوه الناظرة قال بعض الكبار يشير بالآية الى الفلاسفة الذين يقولون ان محمدا ﷺ كان حكيما من حكماء العرب وبالحكمة اخرج هذا الناموس الأكبر يعنون النبوة والشريعة ويزعمون ان القرآن كلامه انشأه من تلقاء نفسه يسعون فى هذا المعنى مجاهدين جهدا تاما فى ابطال الحق واثبات الباطل فلهم أسوأ الطرد والابعاد لان القدح فى النبوة ليس كالقدح فى سائر الأمور. واما الذين أوتوا العلم من عند الله موهبة منه لا من عند الناس بالتكرار والبحث فيعلمون ان النبوة والقرآن والحكمة هو الحق من ربهم وانما يرون هذه الحقيقة لانهم ينظرون بنور العلم الذي أوتوه من الحق تعالى فان الحق لا يرى الا بالحق كما ان النور لا يرى الا بالنور ولما كان يرى الحق بالحق كان الحق هاديا لاهل الحق وطالبيه الى طريق الحق وذلك قوله (وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) فهو العزيز لانه لا يوجد الا به وبهدايته والحميد لانه لا يرد الطالب بغير وجدان كما قال (ألا من طلبنى وجدنى) قال موسى عليه السلام اين أجدك يا رب قال يا موسى إذا قصدت الىّ فقد وصلت الىّ: قال المولى الجامى
هر چهـ جز حق ز لوح دل بتراش | بگذر از خلق جمله حق را باش |
رخت همت بخطه جان كش | بر رخ غير خط نسيان كش |
بكسلى خويش از هوا وهوس | روى دل در خداى دارى پس |

ما بهوش نيايد وجز بلقاى ما از خود خبر نيابد] فهذه هى حقيقة الرجوع ومن هذا القبيل ما حكى عن ابراهيم بن أدهم قدس سره انه حج الى بيت الله الحرام فبينما هو فى الطواف إذ بشاب حسن الوجه قد اعجب الناس حسنه وجماله فصار ابراهيم ينظر اليه ويبكى فقال بعض أصحابه انا لله وانا اليه راجعون غفلة دخلت على الشيخ بلا شك ثم قال يا سيدى ما هذا النظر الذي يخالطه البكاء فقال ابراهيم يا أخي انى عقدت مع الله عقدا لا اقدر على فسخه والا كنت ادنى هذا الفتى منى واسلم عليه لانه ولدي وقرة عينى تركته صغيرا وخرجت فارّا الى الله تعالى وها هو قد كبر كما ترى وانى لاستحيى من الله ان أعود الى شىء خرجت منه
هجرت الخلق كلا فى هواكا | وأيتمت العيال لكى اراكا |
فلو قطعتنى فى الحب اربا | لما سكن الفؤاد الى سواكا |
والفضل الموصوف بالعظمة يدل على كمال الفضل وكذا قوله فضل الله لما أضاف الفضل الى الله اشتمل على جميع الفضل كما لو قال أحد دار فلان اشتملت على جميع الدور انتهى بنوع من التغيير. ويجوز ان يكون التنكير للتفخيم ومنا لتأكيد فخامته الذاتية لفخامته الاضافية على ان يكون المفضل عليه غير الأنبياء فالمعنى إذا ولقد آتينا داود بلا واسطة فضلا عظيما على سائر الناس كالنبوة والعلم والقوة والملك والصوت الحسن وغير ذلك يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ بدل من آتينا بإضمار قلنا او من فضلا بإضمار قولنا والتأويب على معنيين. أحدهما الترجيع وهو بالفارسية [نغمه كردانيدن] لانه من الأوب وهو الرجوع. والثاني السير بالنهار كله فالمعنى على الاول رجعى معه التسبيح وسبحى مرة بعد مرة قال فى كشف الاسرار اوّبى سبحى معه إذا سبح وهو بلسان الحبشة انتهى: وبالفارسية [باز كردانيدن آواز خود را با داود در وقت تسبيح او يعنى موافقت كنيد با وى] وذلك بان يخلق الله تعالى فيها صوتا مثل صوته كما خلق الكلام فى شجرة موسى عليه السلام فكان كلما سبح سمع من الجبال ما يسمع من المسبح ويعقل معنى صفحة رقم 265

معجزة له قالوا فمن ذلك الوقت يسمع الصدى من الجبال وهو ما يرده الجبل على المصوت فيه فان قلت قد صح عند اهل الحقيقة ان للاشياء جميعا تسبيحا بلسان فصيح ولفظ صريح يسمعه الكمل من اهل الشهود فما معنى الفضل فيه لداود قلت الفضل موافقة الجبال له بطريق خرق العادة كما دل عليه كلمة مع فان قلت قد ثبت ايضا عندهم ان اذكار العوالم متنوعة فمتى سمع السالك من الأشياء الذكر الذي هو مشغول به فكشفه خيالى غير صحيح يعنى انه خيال أقيم له فى الموجودات وليس له حقيقة وانما الكشف الصحيح الحقيقي هو ان يسمع من كل شىء ذكرا غير ذكر الآخر قلت لا يلزم من موافقة الجبال لداود ان لا يكون لها تسبيح آخر فى نفسها مسموع لداود كما هى فيه والمعنى على الثاني سيرى معه حيث سار: يعنى [سير كنيد با او هر جا كه رود وهركاه كه خواهد واين معجزه داود بود كه با او روان شدى] ولعل تخصيص الجبال بالتسبيح او السير لانها على صور الرجال كما دل عليه ثباتها وَالطَّيْرَ بالنصب عطفا على فضلا يعنى وسخرنا له الطير لان ايتاءها إياه عليه السلام لتسخيرها له فلا حاجة الى إضماره ولا الى تقدير المضاف اى تسبيح الطير كما فى الإرشاد: وبالفارسية [ومسخر كرديم ويرا مرغان تا در وقت ذكر با او موافق بودندى] نزل الجبال والطير منزلة العقلاء حيث نوديت نداءهم إذ ما من حيوان وجماد الا وهو منقاد لمشيئته ومطيع لامره فانظر إذ من طبع الصخور الجمود ومن طبع الطيور النفور ومع هذا قد وافقته عليه السلام فاشد منها القاسية قلوبهم الذين لا يوافقون ذكرا ولا يطاوعون تسبيحا وينفرون من مجالس اهل الحق نفور الوحوش بل
يهجمون عليها باقدام الإنكار كأنهم الأعداء من الجيوش قال المولى الجامى فى شرح الفصوص وانما كان تسبيح الجبال والطير لتسبيحه لانه لما قوى توجهه عليه السلام بروحه الى معنى التسبيح والتحميد سرى ذلك الى أعضائه وقواه فانها مظاهر روحه ومنها الى الجبال والطير فانها صور أعضائه وقواه فى الخارج فلا جرم يسبحن لتسبيحه وتعود فائدة تسبيحها اليه يعنى لما كان تسبيحها ينشأ من تسبيحه لا جرم يكون ثوابه عائدا اليه لا إليها لعدم استحقاقها لذلك انتهى والحاصل ان الذكر من اللسان يعبر الى ان يصل الى الروح ثم ينعكس النور من الروح الى جبال النفس وطير القلب ثم بالمداومة ينعكس من النفس الى البدن فيستوعب جميع اجزاء البدن ظاهرها وباطنها ثم ينعكس من اجزائه العنصرية الى العناصر الاربعة مفردها ومركبها وينعكس من النفس الى النفوس اعنى النفس النامية والنفس الحيوانية والنفس السماوية والنفس النجومية وينعكس من الروح الإنساني الى عالم الأرواح الى ان يستوعب جميع العالم ملكه وملكوته وإليهما الاشارة بالجبال والطير فيذكر العالم بما فيه موافقة للذاكر ثم يعبر الذكر عن المخلوقات ويصعد الى رب العالمين كما قال (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) فيذكره الله تعالى فيكون ذاكرا ومذكورا متصفا بصفة الرب وبخلقه ويكون الفضل فى حقه كونه مذكورا للحق ثم ان الله تعالى ما بعث نبيا الا حسن الوجه حسن الصوت وكان لداود عليه السلام حسن صوت جدا زائد على غيره كما انه كان ليوسف عليه السلام حسن زائد على حسن غيره [هر كاه كه