آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ

وتقرّر الصّداق، خلافا للشّافعيّ رضي الله عنه. قوله تعالى: فَمَتِّعُوهُنَّ المراد به من لم يسمّ لها مهرا، لقوله تعالى: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً «١»، وقد بيَّنَّا المتعة هنالك. وكان سعيد بن المسيّب وقتادة يقولان: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ «٢». قوله تعالى: وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا أي: من غير إِضرار. وقال قتادة: هو طلاقها طاهراً من غير جماع. وقال القاضي أبو يعلي: الأظهر أن هذا التسريح ليس بطلاق، لأنه قد ذكر الطلاق، وإِنما هو بيان أنه لا سبيل له عليها، وأن عليه تخليتها من يده وحِباله.

فصل:


واختلف العلماء فيمن قال: إِن تزوجتُ فلانة فهي طالق، ثم تزوجها فعندنا أنها لا تطلق، وهو قول ابن عباس، وعائشة، والشافعي، واستدل أصحابنا بهذه الآية، وأنه جعل الطلاق بَعد النكاح. وقال سماك بن الفضل: النِّكاح عُقدة، والطلاق يَحُلُّها، فكيف يحلُّ عقدة لم تُعقد؟! فجُعل بهذه الكلمة قاضياً على «صنعاء». وقال أبو حنيفة: ينعقد الطلاق، فاذا وُجد النكاح وقع. وقال مالك:
ينعقد ذلك في خصوص النساء، وهو إِذا كان في امرأة بعينها، ولا ينعقد في عمومهن. فأما إِذا قال: إِن ملكتُ فلاناً فهو حُرّ، ففيه عن أحمد روايتان «٣».
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢)
(١) البقرة: ٢٣٦.
(٢) البقرة: ٢٣٧.
(٣) قال الإمام الموفق في «المغني» ٣/ ٤٨٨: وإذا قال: إن تزوجت فلانة، فهي طالق. لم تطلق إن تزوج بها، وإن قال: إن ملكت فلانا فهو حرّ، فملكه صار حرا واختلفت الرواية عن أحمد، فعنه: لا يقع طلاق. روي هذا عن ابن عباس. وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، وعروة، وجابر بن زيد، والشافعي، قال:
وهو قول أكثر أهل العلم لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق فيما لا يملك، ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك». قال الترمذي: وهذا حديث حسن.
قال أحمد: هذا عن النبي صلى الله عليه وسلّم وعدة من الصحابة. ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم، فيكون إجماعا.
والرواية الثانية عن أحمد: أنه يصح في العتق ولا يصح في الطلاق.
- وقال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٣/ ١٨٠: استدل بعض العلماء بقوله تعالى: ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ وبمهلة ثمّ على أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح، وأن من طلّق المرأة قبل نكاحها وإن عينها، فإن ذلك لا يلزمه.
وقال هذا نيف على ثلاثين من صاحب وتابع وإمام. سمى الإمام البخاري منهم اثنين وعشرين. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم: «لا طلاق قبل نكاح» ومعناه: أن الطلاق لا يقع حتى يحصل النكاح. وقال طائفة من أهل العلم: إن طلاق المعيّنة الشخص أو القبيلة أو البلد لازم قبل النكاح، منهم مالك وجميع أصحابه، وجمع عظيم من علماء الأمة. وإن قال: كل امرأة أتزوجها طالق وكل عبد أشتريه حرّ، لم يلزمه شيء.

صفحة رقم 473

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢)
قوله تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلَّها له، فقال: أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ أي: مهورهُنَّ، وهُنَّ اللَّواتي تزوَّجْتَهُنَّ بصداق وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ يعني الجواري مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ أي: ردّه عليك من الكفار، كصفيَّة وجُوَيرية، فانه أعتقهما وتزوجهما وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ يعني نساء قريش وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ يعني نساء بني زُهْرة اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ إِلى المدينة. قال القاضي أبو يعلى: وظاهر هذا يدلُّ على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يَحِلَّ له نكاحها.
(١١٥٢) وقالت أمّ هانئ: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاعتذرتُ إِليه بعذر، ثم أنزل اللهُ تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ إلى قوله تعالى: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ، قالت: فلم أكن لأحَلَّ له، لأنِّي لم أُهاجِر معه، كنتُ من الطُّلَقاء وهذا يدلُّ مِنْ مذهبها أنَّ تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر مَنْ لم تُهاجِر.
وذكر بعض المفسرين: أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه. وحكى الماوردي في ذلك قولين: أحدهما: أن الهجرة شرط في إِحلال النساء له على الإِطلاق. والثاني: أنه شرط في إِحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات.
قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً أي: وأَحلَلْنا لك امرأة مؤمنة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لك، إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها أي: إِن آثر نكاحها خالِصَةً لَكَ أي: خاصة. قال الزجّاج: وإِنما قال: إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ، ولم يقل: «لك»، لأنه لو قال: «لك»، جاز أن يُتوهَّم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما جاز في بنات العمِّ وبنات العمَّات. و «خالصة» منصوب على الحال. وللمفسرين في معنى «خالصةً» ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراة إِذا وهبت له نفسها، لم يلزمه صَداقُها دون غيره من المؤمنين، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب. والثاني: أنَّ له أن يَنْكِحها بِلاَ وليّ ولا مَهْر دون غيره، قاله
صدره صحيح، له شواهد، وعجزه ضعيف. أخرجه الترمذي ٣٢١٤ وابن سعد ٨/ ١٢١ والحاكم ٢/ ١٨٥- ٢٢٤ و ٤/ ٥٣ والطبري ٢٨٥٤٦ والبيهقي ٧/ ٥٤ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ٣/ ٦١٣ من طرق عن إسرائيل عن السدي عن أبي صالح عن أم هانئ به. وإسناده ضعيف جدا لأجل أبي صالح واسمه باذام، فقد ضعفه غير واحد، واتهمه بعضهم بالكذب. وصدر الحديث محفوظ، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلّم خطبها، والوهن فقط في ذكره الآية وكلام أم هانئ عقب الحديث، حيث تفرّد بذلك أبو صالح. والحديث ضعفه ابن العربي جدا، وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وقال الترمذي: حسن صحيح!! قلت: وصدره محفوظ، أخرجه مسلم ٢٥٢٧ وعبد الرزاق ٢٠٦٠٣ وأحمد ٢/ ٢٦٩- ٢٧٥ وابن حبان ٦٢٦٨ من طريق معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطب أم هانئ بنت أبي طالب، فقالت: يا رسول الله، إني قد كبرت، ولي عيال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «خير نساء ركبن الإبل صالح نساء أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده». وورد من مرسل الشعبي أخرجه ابن سعد ٨/ ١٢٠، وكرره من مرسل أبي نوفل.
الخلاصة: تبين من ذلك أن صدر الحديث محفوظ، والوهن فقط في عجزه. ولم يفرق الألباني في ذلك حيث أورد الحديث في «ضعيف سنن الترمذي» ٦٣٠، وقال: إسناده ضعيف جدا؟!!

صفحة رقم 474

قتادة. والثالث: خالصةً لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، وهذا قول الشافعي، وأحمد.
وفي المرأة التي وهبتْ له نَفْسها أقوال:
(١١٥٣) أحدها: أُمّ شَريك.
(١١٥٤) والثاني: خولة بنت حكيم.
(١١٥٥) ولم يدخل بواحدة منهما.
(١١٥٦) وذكروا أنّ ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها له فلم يقبلها. قال ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم امرأة وهبت نفسها له. وقد حكي عن ابن عباس أن التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث، وعن الشعبي: أنها زينب بنت خزيمة. والأول: أصح.
قوله تعالى: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ أي: على المؤمنين غيرك فِي أَزْواجِهِمْ وفيه قولان:
أحدهما: أن لا يجاوز الرجل أربع نسوة، قاله مجاهد. والثاني: أن لا يتزوج الرجل المرأة إِلاَّ بوليّ وشاهدَين وصَدَاق، قاله قتادة. قوله تعالى: وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أي: وما أَبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور.
قوله تعالى: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ هذا فيه تقديم المعنى: أَحللْنا لك أزواجك، إلى قوله تعالى: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ.
قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم:
«ترجئ» مهموزاً وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بغير همز.
(١١٥٧) وسبب نزولها أنه لمَّا نزلت آية التخيير المتقدِّمة «١»، أشفقْنَ أن يُطَلَّقْنَ، فقلن: يا

مرسل. أخرجه الطبري ٢٨٥٦٠ عن عروة مرسلا. وأخرجه الطبري ٢٨٥٥٧ عن الحكم أن علي بن الحسين كتب إلى عبد الملك قال: هي امرأة من الأسد يقال لها أم شريك، وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلّم. وانظر «الدر» ٥/ ٣٩٥.
خبر صحيح. أخرجه البخاري ٥١١٣ من طريق محمد بن سالم. وأخرجه البخاري ٤٧٨٨ ومسلم ١٤٦٤ والنسائي ٦/ ٥٤ وابن ماجة ٢٠٠٠ وأحمد ٦/ ١٨٥ والحاكم ٢/ ٤٣٦ وابن حبان ٦٣٦٧ والطبري ٢٨٥٧٤ والبغوي في «شرح السنة» ٢٢٦٢ من طرق عن هشام به. كلهم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلّم فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل! فلما نزلت: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ قلت: يا رسول الله، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. لفظ البخاري في الرواية الأولى.
ضعيف. أخرجه ابن سعد ٨/ ١١٩ عن ابن أبي عون مرسلا قال: فلم يسمع أن النبي صلى الله عليه وسلّم قبل منهن أحدا.
أخرجه ابن سعد ٨/ ١١٩ عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وهذا إسناد ساقط لأجل الكلبي، فإنه متهم. وأخرجه ابن سعد ٨/ ١١٩ عن قتادة مرسلا. وذكره ابن سعد ٨/ ٢٥٥ في ترجمة ليلى بنت الخطيم بدون عزو لأحد.
ضعيف. أخرجه ابن سعد ٨/ ١٥٨ والطبري ٢٨٥٦٧ و ٢٨٥٦٩ و ٢٨٥٧٢ من طريق منصور عن أبي رزين به، وهذا مرسل، فهو ضعيف. وأخرجه ابن سعد ٨/ ١٥٨ والطحاوي في «المشكل» ١/ ٤٥٦ عن مغيرة عن أبي رزين به أبو رزين هو مسعود بن مالك الأسدي، - أسد خزيمة- تابعي كبير.
__________
(١) الأحزاب: ٢٨.

صفحة رقم 475

نبيَّ الله، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودَعْنا على حالنا، فنزلت هذه الآية، قاله أبو رزين.
وفي معنى الآية أربعة أقوال «١» : أحدها: تطلِّق من تشاء من نسائك، وتُمْسِك من تشاء من نسائك، قاله ابن عباس. والثاني: تترُك نكاح من تشاء، وتَنْكِح من نساء أُمَّتك من تشاء، قاله الحسن.
والثالث: تَعْزِل من شئتَ من أزواجك فلا تأتيها بغير طلاق، وتأتي من تشاء فلا تَعْزِلها. قاله مجاهد.
والرابع: تَقْبَل من تشاء من المؤمنات اللواتي يَهَبْنَ أنفُسَهُنَّ، وتترُك من تشاء، قاله الشعبي، وعكرمة.
وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مصاحَبة نسائه كيف شاء من غير إِيجاب القِسْمة عليه والتسوية بينهنّ. غير أنه كان يسوِّي بينهنّ. وقال الزُّهري: ما عَلِمْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم أرجأ منهنَّ أحداً، ولقد آواهنَّ كلَّهنَّ حتى مات.
(١١٥٨) وقال أبو رزين: آوى عائشة، وأُم سلمة، وحفصة، وزينب، وكان قَسْمُه من نَفْسه وماله فيهنَّ سواءً. وأرجأ سَوْدة، وجُوَيرية، وصفيَّة، وأُمَّ حبيبة، وميمونة، وكان يَقْسِم لهنَّ ما شاء. وكان أراد فراقهنَّ فقُلن: اقسم لنا ما شئتَ، ودَعْنا على حالنا.
(١١٥٩) وقال قوم: إنه أرجأ سَودة وحدها لأنها وهبت يومها لعائشة، فتوفي وهو يَقْسِم لثمان.
قوله تعالى: وَتُؤْوِي أي: تضم، وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ أي: إِذا أردتَ أن تُؤوي إِليك امرأةً ممَّن عزلتَ من القسمة فَلا جُناحَ عَلَيْكَ أي: لا مَيْلَ عليك بلَوْم ولا عَتْب ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ أي: ذلك التخيير الذي خيَّرناك في صُحبتهنّ أقرب إِلى رضاهنّ. والمعنى: إِنهنّ إِذا عَلِمن أنَّ هذا أَمر من الله تعالى، كان أطيبَ لأنفُسهنّ. وقرأ ابن محيصن، وأبو عمران الجوني: «أن تُقِرَّ» بضم التاء وكسر القاف «أعيُنَهُنَّ» بنصب النون. وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ أي: بما أعطيتَهُنّ من تقريب وتأخير وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ من المَيْل إِلى بعضهنّ. والمعنى: إِنما خيَّرناك تسهيلاً عليك.
قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ كلُّهم قرأ: «لا يَحِلُّ» بالياء، غير أبي عمرو، فانه قرأ بالتاء والتأنيث ليس بحقيقي، إِنما هو تأنيث الجمع، فالقراءتان حسنتان. وفي قوله تعالى: مِنْ بَعْدُ ثلاثة

انظر الحديث الذي قبله.
لم أره بهذا اللفظ، وخبر سودة دون ذكر هذه الآية. أخرجه الترمذي ٣٠٤٠ والطبري ١٠٦١٣ من حديث ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلّم فقالت: لا تطلقني وأمسكني، واجعل يومي لعائشة، ففعل فنزلت: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا... النساء: ١٢٨. قال الترمذي: هذا حديث غريب اه. وله شاهد من حديث عائشة أخرجه أبو داود ٢١٣٥ والبيهقي ٧/ ٤٧ وإسناده حسن صححه الحاكم ٢/ ١٨٦ ووافقه الذهبي، وليس فيه ذكر الآية. وعند أبي داود ٢١٣٨ من حديث عائشة «... وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها».
__________
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٠/ ٣١٥: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال إن الله تعالى ذكره جعل لنبيه أن يرجي من النساء اللواتي أصلهن له من يشاء، ويؤوي إليه منهن من يشاء، وذلك أنه لم يحصر معنى الإرجاء والإيواء على المنكوحات اللواتي كن في حباله، عند ما نزلت الآية دون غيرهن ممن يستحدث إيواؤها أو إرجاؤها منهن.

صفحة رقم 476

أقوال: أحدها: من بعد نسائك اللواتي خيرتَهُنَّ فاخترن الله تعالى ورسولَه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة في آخرين، وهُنَّ التِّسع، فصار مقصوراً عليهنّ ممنوعاً من غيرهن. وذكر أهل العِلْم أن طلاقه لحفصة وعَزْمه على طلاق سَوْدة كان قبل التخيير. والثاني: من بعد الذي أحلَلْنا لك، فكانت الإِباحة بعد نسائه مقصورة على المذكور في قوله تعالى: «إِنَّا أَحللنا لك أزواجك» إِلى قوله تعالى: خالِصَةً لَكَ قاله أُبيُّ بن كعب، والضحاك. والثالث: لا تَحِلُّ لك النساء غير المُسْلِمات كاليهوديّات والنصرانيّات والمشركات، وتَحِلُّ لك المسلمات، قاله مجاهد.
قوله تعالى: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن تطلِّق زوجاتك وتستبدل بهنَّ سِواهنَّ، قاله الضحاك. والثاني: أن تبدِّل بالمسلمات المشركات، قاله مجاهد في آخرين.
(١١٦٠) والثالث: أن تُعطيَ الرجل زوجتك وتأخذ زوجته، وهذه كانت عادة للجاهلية، قاله أبو هريرة، وابن زيد.
قوله تعالى: إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ يعني الإِماء. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: إِلا أن تَملك بالسَّبي، فيَحِلّ لك وطؤها وإِن كانت من غير الصِّنف الذي أحلَلْتُه لك وإِلى هذا أومأ أُبيُّ بن كعب في آخرين. والثاني: إِلاَّ أن تصيب يهودية أو نصرانية فتطأها بملك اليمين، قاله ابن عباس ومجاهد. والثالث: إِلاَّ أن تبدِّل أَمَتَك بأَمَة غيرك، قاله ابن زيد.
قال أبو سليمان الدمشقي: وهذه الأقوال جائزة، إِلاَّ أنَّا لا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نكح يهودية ولا نصرانية بتزويج ولا ملك يمين.
(١١٦١) ولقد سبى ريحانة القرظية فلم يَدْنُ منها حتى أسلمت.

فصل:


واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنها منسوخة بقوله تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ، وهذا مروي عن عليٍّ، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة، وعلي بن الحسين، والضحاك.
(١١٦٢) وقالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى أُحِلَّ له النساء، قال أبو سليمان الدّمشقي:
باطل. هو صدر حديث. أخرجه البزار ٢٢٥١ «كشف» والدارقطني ٣/ ٢١٨ من حديث أبي هريرة، وفيه إسحاق بن أبي فروة متروك الحديث. واتهمه الزهري، وهذا الحديث مما صنعت يداه، وهو باطل لا أصل له، وضعفه البزار جدا بقوله: إسحاق لين الحديث، ولا نحفظه إلا عنه. ووافقه ابن كثير في «تفسيره» ٣/ ٦١٨.
ونقل الآبادي عن الحافظ في «الفتح» قوله: ضعيف جدا اه. وانظر «تفسير الشوكاني» ٢٠٢٣.
ضعيف. أخرجه ابن سعد ٨/ ١٠٢- ١٠٣ عن عمر بن الحكم مرسلا.
ورد عن عائشة وعن أم سلمة. أما حديث عائشة فأخرجه الترمذي ٣٢١٦ والنسائي ٦/ ٥٦ وأحمد ٦/ ٤١ والحميدي ٢٣٥ وابن سعد ٨/ ١٤٠ والبيهقي ٧/ ٥٤ من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن عائشة، ورجاله رجال الشيخين فالإسناد صحيح إذا كان عطاء سمعه من عائشة، والظاهر أنه لم يسمعه منها كما سيأتي.
وأخرجه الطبري ٢٨٥٩٤ من طريق ابن جريج عن عطاء عن عائشة. وأخرجه أحمد ٦/ ١٨٠- ٢٠١ والنسائي ٦/ ٥٦ وفي «التفسير» ٤٣٥ وابن سعد ٨/ ١٤١ والطحاوي في «المشكل» ٥٢٢ وابن حبان ٦٣٦٦ والطبري ٢٨٥٩٨ والبيهقي ٧/ ٥٤ من طريق ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة به. ورجاله رجال البخاري ومسلم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن سعد ٨/ ١٤٠ من طريق عطاء ومحمد بن علي عن عائشة، وفيه الواقدي متروك الحديث.
- وأما حديث أم سلمة، فقد أخرجه الطحاوي في «المشكل» ٥٢٤. وإسناده ساقط، فيه عمر بن أبي بكر الموصلي، وهو متروك. وأخرجه ابن سعد ٨/ ١٩٤ من وجه آخر، وفيه الواقدي متروك. الخلاصة: حديث عائشة قوي، وأما حديث أم سلمة، فهو واه ليس بشيء. والجمهور على خلاف مذهب عائشة.
انظر «أحكام القرآن» ١٨٢٨ بتخريجنا.

صفحة رقم 477
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية