
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ خص المؤمنات بالذكر مع ان نكاح المؤمنين بالكتابيات ايضا جائز وحكمهن فى الطلاق قبل الدخول مثل حكم المؤمنات ايماء الى ان اللائق بالمؤمنين ان ينكح المؤمنة دون الكتابية ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ قال البغوي فيه دليل على ان الطلاق قبل النكاح غير واقع لان الله رتب الطلاق على النكاح حتى لو قال لامراة اجنبية إذا نكحتك فانت طالق او قال كل امرأة انكحها فهى طالق فنكحها لا يقع الطلاق وهو قول على وابن عباس ومعاذ وجابر وعائشة رضى الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وسعيد ابن جبير وعروة والقاسم وطاءوس والحسن وعكرمة وعطاء وسليمان بن يسار ومجاهد والشعبي وقتادة واكثر اهل العلم وبه قال الشافعي وكذا قولهم فى الاعتاق المعلق بالملك- وروى عن ابن مسعود انه يقع الطلاق وهو قول ابراهيم النخعي واصحاب الرأى اعنى أبا حنيفة وأصحابه وقال ربيعة والأوزاعي ومالك ان عين امراة يقع وان عمم امراة لا يقع وروى عن عكرمة عن ابن عباس انه قال كذبوا على ابن مسعود وان كان قالها فزلة من عالم وان قال فى الرجل ان تزوجت فلانة فهى طالق يقول الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن- واستدل البغوي بحديث جابر قال قال رسول الله ﷺ لاطلاق قبل النكاح- قلت أخرجه الحاكم فى المستدرك وصححه وقال انا متعجب من الشيخين كيف اهملاه وهو على شرطهما- وقال احمد ان علق طلاق الاجنبية بالنكاح ينعقد وان علق العتاق بالملك فعن احمد فيه روايتان- وقال مالك ان خص بلدا او قبيلة او صنفا او امرأة وعلق طلاقها بالنكاح ينعقد وان عمم مطلقا لا ينعقد- واحتج ابن الجوزي لمذهب احمد بستة أحاديث- أحدها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ ليس على رجل طلاق فيما لا يملك ولاعتاق فيما لا يملك ولا بيع فيما لا يملك- رواه ابن الجوزي من طريق احمد ورواه اصحاب السنن وقال الترمذي هو احسن شىء روى فى هذا الباب ورواه البزار بلفظ لاطلاق قبل نكاح
صفحة رقم 356
ولا عتق قبل ملك- قال البيهقي فى الخلافيات قال البخاري هذا أصح شىء فى الباب- ثانيها حديث عمرو بن شعيب عن طاؤس عن معاذ بن جبل ان رسول الله ﷺ قال لا يجوز طلاق ولا عتاق ولا بيع ولا وفاء نذر فيما لا يملك- رواه الدار قطنى وروى الدار قطنى من طريق اخر عن ابراهيم ابى إسحاق الضرير عن يزيد بن عياض عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله ﷺ لا طلاق الا بعد نكاح وان سميت المرأة بعينها قال الحافظ ابن حجر منقطع ويزيد بن عياض متروك وذكر الذهبي فى استيعاب اسماء الرجال قال مالك يزيد بن عياض كذاب وقال يحيى بن معين ضعيف ليس بشئ وقال احمد بن صالح كان يضع للناس يعنى الحديث وقال البخاري ومسلم منكر الحديث وقال ابو داود ترك حديثه وقال النسائي متروك وقال فى موضع اخر كذاب- ثالثها ما رواه الدار قطنى قال حدثنا بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد ابن معدان عن ابى ثعلبة الخشني قال قال لى عم لى اعمل بي عملا حتى أزوجك لبنتى فقلت ان تزوجتها فهى طالق ثلاثا ثم بد الى ان أتزوجها فاتيت النبي ﷺ فسالته فقال لى تزوجها فانه لاطلاق الا بعد نكاح فتزوجتها فولدت لى اسعد وسعيدا- قال الذهبي فى الميزان قال النسائي وغيره بقية بن الوليد إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة قال غير واحد كان مدلسا فاذا قال عن فليس بحجة وثور بن يزيد ثقة صحيح الحديث مشهور بالقدر وهذا رواية بقية بلفظ عن وطعن ابن همام على هذا وقال فيه على بن قرين كذبه احمد قلت ما رواه ابن الجوزي ليس من طريق الدار قطنى وليس فيه على بن قرين والله اعلم.
رابعها حديث ابن عمر عن رسول الله ﷺ انه سئل عن رجل انه قال يوم أتزوج فلانة فهى طالق قال طلق ما لا يملك- رواه الدار قطنى وفيه ابو خالد الواسطي وهو عمرو بن خالد قال الذهبي ضعفه ابو حاتم وقال ابن همام قال احمد وابن معين كذاب ورواه ابن عدى عن نافع عنه بلفظ لا طلاق الا بعد نكاح قال ابن حجر اسناده ثقات.
خامسها حديث طاؤس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

لا نذر الا فيما اطيع الله فيه ولا يمين فى قطعة رحم ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك رواه الدار قطنى ورواه الحاكم من طريق اخر وفيه من لا يعرف كذا قال ابن حجر وروى الحاكم عن ابن عباس ما قالها ابن مسعود وان كان قالها فزلة من عالم فى الرجل يقول ان تزوجت فلانة فهى طالق وقد قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن- وقيل لا يصح عن النبي ﷺ لا طلاق قبل نكاح وأصح شىء فيه حديث المنكدر عن طاؤس عن النبي ﷺ مرسلا.
سادسها حديث عائشة قالت بعث رسول الله ﷺ أبا سفيان ابن حرب على نجران اليمن فكان فيما عهد اليه ان لا يطلق الرجل ما لا يتزوج ولا يعتق ما لا يملك- قال ابن حجر قال ابن ابى حاتم فى العلل حديث منكر ورواه الحاكم من طريق الحجاج ابن منهال عن هشام الدستوائى عن عروة عن عائشة مرفوعا قال ابن الجوزي وقد روى نحو هذا من حديث على وجابر ولكنها طرق مجتنبة بمرة- قلت اما حديث على فرواه ابن ماجة عنه يرفعه لا طلاق قبل النكاح وفيه جويبر وهو ضعيف واما حديث جابر فقد ذكرنا من قبل وفى الباب حديث المسور بن مخرمة انه قال قال رسول الله ﷺ لا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك- وجه قول ابى حنيفة ان المعلق بالشرط ليس بطلاق فان التعليق بالشرط مانع من ان يكون السبب سببا دون الحكم فقوله ان دخلت الدار فانت طالق وكذا قوله ان نكحتك فانت طالق يمين مانع من دخول الدار ومن النكاح الذين هما شرطان لوجود الطلاق فهو مانع من الطلاق فلا يصلح ان يكون سببا موجبا للطلاق لتمانع الوصفين اعنى كونه مانعا وكونه سببا لكن له عرضة ان يصير طلاقا عند الحنث وهو وجود الشرط وإذا لم يكن طلاقا فلا يجوز الاحتجاج بالآية والأحاديث الناطقة بنفي الطلاق قبل النكاح واما حديث ابن عمر وحديث ابى ثعلبة الخشني فلا يصح شىء منهما وقد ذكرنا وجه القدح فيهما فان قيل إذا لم يكن المعلق بالشرط طلاقا فما وجه الفرق بين قوله للاجنبية ان دخلت الدار فانت طالق وان نكحتك فانت طالق حيث ينعقد الثاني دون الاول قلنا وجه الفرق ان اليمين ما يكون مانعا من الفعل اما بخوف الإثم كما فى اليمين بالله تعالى

واما بخوف الوقوع فيما لا يريد من الطلاق او العتاق او نحو ذلك ولا شك ان تعليق الطلاق والعتاق بالملك يصلح مانعا من التملك بخلاف تعليق الطلاق والعتاق للاجنبية بدخول الدار حيث لا يصلح ان يكون مانعا لها من دخول الدار فلا يصلح ان يكون يمينا كما لا يصلح ان يكون طلاقا فيلغو- قال ابن همام ومذهبنا مروى عن عمرو ابن مسعود وابن عمرو اخرج ابن ابى شيبة فى مصنفه عن سالم والقاسم ابن محمد وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي والزهري والأسود وابى بكر بن عبد الرحمان ومكحول الشامي فى رجل قال ان تزوجت فلانة فهى طالق او لو أتزوجها فهى طالق او كل امرأة أتزوجها فهى طالق قالوا هو كما قال وفى لفظ يجوز عليه ذلك وقد نقل مذهبنا ايضا عن سعيد بن المسيب وعطاء وحماد بن ابى سليمان وشريح رحمهم الله وقال الشافعي المعلق بالشرط تطليق والتعليق ليس مانعا من سببية السبب بل هو مانع من الحكم كالبيع بشرط الخيار وحديث ابى ثعلبة الخشني نص فيه مفسر وقد ذكره ابن الجوزي بسنده ولم يتعرض بالطعن عليه وهو غير متهم فى اظهار الحق وقوله ﷺ لا طلاق قبل النكاح وما فى معناه الظاهر انه منع او نفى لتعليق الطلاق بالنكاح واما تنجيز الطلاق قبل النكاح فلا يتصور من عاقل وبطلانه ظاهر فلا يحمل عليه كلام الحكيم الرسول الكريم ﷺ فانه حينئذ فى قوة قول من يقول لا يجب الصلاة على من لم يولد بعد- مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ اى تجامعوهن فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ ايام يتربصن فيها تَعْتَدُّونَها تستوفون عددها هذا حكم اجمع عليه الامة وفى قوله تعالى فما لكم دلالة على ان العدة حق الرجال لانها لصيانة الماء وعدم وقوع الشك فى النسب والنسب الى الرجال- ومن هاهنا قال ابو حنيفة انه إذا طلق ذمى ذمية وكان معتقدهم انه لا عدة فلا عدة عليها واما إذا كان معتقدهم وجوب العدة يجب عليها العدة والحربية إذا خرجت إلينا مسلمة فلا عدة عليها وان تزوجت على الفور جاز نكاحها لان الحربي يلحق بالجمادات حتى كان محلا للتملك فلا حق له الا ان تكون حاملا لان فى بطنها ولد ثابت النسب- وعن ابى حنيفة انه يجوز النكاح ولا يطاها كالحبلى من الزنى والاول أصح فَمَتِّعُوهُنَّ اى أعطوهن
صفحة رقم 359