آيات من القرآن الكريم

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ

الأشهب: «ثم سُوْلوا» برفع السين وسكون الواو من غير مدٍّ ولا همز. وقرأ الأعمش، وعاصم الجحدري: «ثم سِيْلوا» بكسر السين ساكنة الياء من غير همز ولا واو. ومعنى: «سئلوا الفتنة»، سُئلوا فعلها والفتنة: الشِّرك، لَآتَوْها قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: «لأَتَوَهْا» بالقصر، أي:
لقصدوها، ولفعلوها. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائيّ: «لآتوها» أي بالمدّ، لأعطَوها.
قال ابن عباس في معنى الآية: لو ان الأحزاب دخلوا المدينة ثم أمروهم بالشِّرك لأشركوا. قوله تعالى:
وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً فيه قولان: أحدهما: وما احتَبَسوا عن الإِجابة إِلى الكفر إِلا قليلاً، قاله قتادة. والثاني: وما تلبَّثوا بالمدينة بعد الإِجابة إِلاَّ يسيراً حتى يعذَّبوا، قاله السدي. وحكى أبو سليمان الدمشقي في الآية قولاً عجيباً، وهو أنّ الفتنة ها هنا: الحرب، والمعنى: ولو دُخلت المدينةُ على أهلها من أقطارها ثم سُئل هؤلاء المنافقون الحرب لأتوها مبادِرين، وما تلبْثوا- يعني الجيوش الداخلة عليهم بها- إِلاَّ قليلاً حتى يُخرجوهم منها وإِنَّما منعهم من القتال معك ما قد تداخلهم من الشكِّ في دينك قال: وهذا المعنى حَفِظتُه من كتاب الواقدي.
قوله تعالى: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ في وقت معاهدتهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم ناس غابوا عن وقعة بدر، فلمَّا علموا ما أعطى الله عزّ وجلّ أهل بدر من الكرامة قالوا: لئن شهدنا قتالاً لنقاتِلَنّ، قاله قتادة. والثاني: أنهم أهل العقبة، وهم سبعون رجلاً بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على طاعة الله تعالى ونُصرة رسوله، قاله مقاتل «١». والثالث: أنه لمَّا نزل بالمسلمين يوم أُحد ما نزل، عاهد الله تعالى معتّب بن قُشَير وثعلبة بن حاطب: لا نولِّي دُبُراً قطُّ، فلمَّا كان يوم الأحزاب نافقا، قاله الواقدي، واختاره أبو سليمان الدمشقي، وهو اليَق ممَّا قبله. وإِذا كان الكلام في حق المنافقين، فكيف يُطْلَق القول على أهل العَقَبة كلِّهم! قوله تعالى: وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا أي: يُسأَلون عنه في الآخرة.
ثم أخبر أن الفرار لا يزيد في آجالهم، فقال: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ بعد الفرار في الدنيا إِلَّا قَلِيلًا وهو باقي آجالكم.
ثم أخبر ان ما قدَّره عليهم لا يدفع، بقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ أي: يُجيركم ويمنعكم منه إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً وهو الإِهلاك والهزيمة والبلاء أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وهي النصر والعافية والسلامة وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً أي: لا يجدون مُوالياً ولا ناصراً يمنعهم من مراد الله عزّ وجلّ فيهم.
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ١٨ الى ٢٢]
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢)

(١) المشهور عن أصحاب بيعة العقبة أنهم استقاموا على الإسلام ومقاتل إن كان ابن سليمان فهو كذاب وإن كان ابن حيان فقد روى مناكير.

صفحة رقم 453

قوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ في سبب نزولها قولان:
(١١٢٤) أحدهما: أن رجلاً انصرف من عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب، فوجد أخاه لأبيه وأمّه وعنده شواء ونبيذ، فقال له: أنت ها هنا ورسولُ الله بين الرِّماح والسيوف؟! فقال: هلمَّ إِليَّ، لقد أُحيطَ بك وبصاحبك والذي يُحْلَفُ به لا يستقبلها محمدٌ أبداً فقال له: كذبتَ، والذي يُحْلَف به، أما والله لأُخْبِرَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأمرك، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليخبرَه، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إلى قوله تعالى: يَسِيراً، هذا قول ابن زيد.
(١١٢٥) والثاني: أن عبد الله بن أُبيّ ومعتب بن قشير والمنافقين الذين رجعوا من الخندق إِلى المدينة، كانوا إِذا جاءهم منافق قالوا له: ويحك اجلس فلا تخرُج، ويكتُبون بذلك إِلى إِخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة فإنَّا ننتظركم- يثبِّطونهم عن القتال- وكانوا لا يأتون العسكر إِلاَّ أن لا يجدوا بُدّاً، فيأتون ليرى الناسُ وجوههم، فاذا غُفل عنهم عادوا إِلى المدينة، فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب.
والمعوِّق: المثبّط تقول: عاقني فلان، واعتاقني، وعوَّقني: إِذا منعك عن الوجه الذي تريده.
وكان المنافقون يعوّقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نُصَّاره.
قوله تعالى: وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا فيهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد. والثاني: أنهم اليهود دعَواْ إِخوانهم من المنافقين إِلى ترك القتال، قاله مقاتل. والثالث: أنهم المنافقون دعَواْ المسلمين إِليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، حكاه الماوردي. قوله تعالى: وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ أي: لا يحضُرون القتال في سبيل الله عزّ وجلّ إِلَّا قَلِيلًا للرِّياء والسُّمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك القليل لله عزّ وجلّ لكان كثيراً.
قوله تعالى: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ قال الزجاج: هو منصوب على الحال. المعنى: لا يأتون الحرب إلّا تعذيرا، بخلا عليكم. وللمفسرين فيما شحُّوا به أربعة أقوال: أحدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد.
والثاني: بالنفقة في سبيل الله عزّ وجلّ. والثالث: بالغنيمة، رويا عن قتادة. وقال الزجاج: بالظَّفَر والغنيمة. والرابع: بالقتال معكم، حكاه الماوردي.
ثم أخبر عن جُبنهم فقال: فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ أي: إِذا حضر القتال رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أي: كدوَران عين الذي يُغْشَى عليه من الموت، وهو الذي دنا موته

ضعيف. هذا مرسل، عبد الرحمن بن زيد بن أسلم تابعي أخرجه ابن أبي حاتم كما في «الدر» ٥/ ٣٦٠.
وانظر «تفسير القرطبي» ١٤/ ١٣٦.
عزاه المصنف لابن السائب وهو الكلبي، وتقدم مرارا أنه ممن يضع الحديث، فخبره لا شيء.

صفحة رقم 454

وغشيتْه أسبابُه، فانه يخاف ويذهل عقله ويشخص بصره فلا يَطْرِف، فكذلك هؤلاء، لأنهم يخافون القتل. فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ قال الفراء: يقول آذَوْكم بالكلام في الأمن بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ سليطة ذَرِبة، والعرب تقول: صَلَقوكم، بالصاد، ولا يجوز في القراءة هذا قول الفراء. وقد قرأ بالصاد أُبيُّ بن كعب، وأبو الجوزاء، وأبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة في آخرين. وقال الزجاج: معنى «سلقوكم» : خاطبوكم أشدَّ مخاطَبة وأبلَغها في الغنيمة، يقال: خطيب مِسْلاق: إِذا كان بليغاً في خطبته أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي: خاطبوكم وهُم أشحَّة على المال والغنيمة. قال قتادة: إِذا كان وقت قسمة الغنيمة، بسطوا ألسنتهم فيكم، يقولون: أعطُونا فلستم أحقَّ بها منَّا فأمَّا عند الباس، فأجبن قوم وأخذله للحق، وأمَّا عند الغنيمة، فأشحُّ قوم. وفي المراد بالخير ها هنا ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الغنيمة. والثاني: على المال أن يُنفقوه في سبيل الله تعالى. والثالث: على رسول الله صلى الله عليه وسلّم بظَفَره.
قوله تعالى: أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا أي: هُمْ وإِن أظهروا الإِيمان فليسوا بمؤمِنين، لنفاقهم فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ قال مقاتل أي: أبطلَ جهادهم، لأنه لم يكن في إِيمان وَكانَ ذلِكَ الإِحباط عَلَى اللَّهِ يَسِيراً. ثم أخبر عنهم بما يدل على جُبنهم، فقال: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا أي: يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجُبنهم أن الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا، وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ أي: يَرجعوا إِليهم كَرَّةً ثانية للقتال يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أي: يتمنَّوا لو كانوا في بادية الأعراب من خوفهم، يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أي: ودُّوا لو أنَّهم بالبُعد منكم يسألون عن أخباركم، فيقولون: ما فعل محمد وأصحابه، ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهَدة، فَرَقاً وجُبناً وقيل: بل يَسألون شماتةً بالمسلمين وفرحاً بنكَبَاتهم وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ أي: لو كانوا يشهدون القتال معكم ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا فيه قولان: أحدهما: إِلا رمياً بالحجارة، قاله ابن السائب. والثاني: إِلا رياءً من غير احتساب، قاله مقاتل.
ثم عاب من تخلّف بالمدينة بقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي: قُدوة صالحة. والمعنى: لقد كان لكم به اقتداءٌ لو اقتديتم به في الصبر معه كما صبر يوم أُحُد حتى كسرت رباعيّته وشجّ جبينه وقتل عمّه، وواساكم مع ذلك بنفسه. وقرأ عاصم: «أُسوةٌ» بضم الألف والباقون بكسر الألف وهما لغتان. قال الفراء: أهل الحجاز وأَسَد يقولون: «إِسوة» بالكسر، وتميم وبعض قيس يقولون: «أُسوة» بالضم. وخَصَّ اللهُ تعالى بهذه الأُسوة المؤمنين، فقال: لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ والمعنى أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلّم إِنما كانت لِمَن كان يرجو الله واليوم الآخر وفيه قولان: أحدهما: يرجو ما عنده من الثواب والنعيم، قاله ابن عباس. والثاني: يخشى الله عزّ وجلّ ويخشى البعث، قاله مقاتل.
قوله تعالى: وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً أي: ذِكْراً كثيراً، لأن ذاكر الله تعالى متَّبِع لأوامره، بخلاف الغافل عنه. ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب، فقال: لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وفي ذلك الوعد قولان: أحدهما: أنه قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ «١» الآية: فلمَّا عاينوا البلاء يومئذ قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، قاله ابن

(١) البقرة: ٢١٤.

صفحة رقم 455
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية