
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة السجدةسورة السجدة مكية إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة في رجلين من قريش. وهن
قوله: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا) إلى آخر الثلاث الآيات.
قوله تعالى ذكره: ﴿الم * تَنزِيلُ الكتاب﴾ إلى قوله: ﴿بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾.
من رواية أبن وهب: أن النبي ﷺ قال: " مَنْ قَرَأَ آلم تَنْزِيلُ السِّجْدَةِ، وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ فَكَأَنَّمَأ وَافَقَ لَيْلَةَ القَدْرِ ". صفحة رقم 5743

وعنه أنه قال: " آلم تنْزِيلُ السَِّجْدَةِ وَتَبَارَكَ يَفْصُلاَنِ عَلَى السُّوَرِ بِسِتِّينَ حَسَنَة ".
وقال جابر بن عبد الله: " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَ آلم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكِ " قد تقدم ذكر ﴿الم﴾.
وقوله: ﴿تَنزِيلُ﴾ رُفِعَ بالابتداء، و ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ الخبر. ويجوز أن يكون خبر الابتداء محذوف، أي: ها المتلوا تنزيل الكتاب. ويجوز أن يكون [التقدير]: هذه الحروف تنزيل الكتاب، ﴿الم﴾ بدل من الحروف دالة عليها فهي موضع الابتداء، و ﴿تَنزِيلُ﴾ الخبر. ويجوز: " تنزيل " بالنصب على المصدر. والمعنى: تنزيل الكتاب المنزل على محمد لا شك فيه أنه من رب العالمين، وليس بسحر ولا سجع ولا كهانة ولا كذب. وهذا تكذيب لمن قال ذلك في القرآن من المشركين.

ثم قال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾.
قال أبو عبيدة: معناه: بل يقولون. وهو خروج من حديث إلى حديث.
وقال الزجاج: التقدير: أيقولون. والتقدير عند الطبري: أيقولون، يعني المشركين أيقولون اختلق محمد ﷺ هذا القرآن من قبل نفسه، وأم عنده تقرير كالألف.
ثم أكذبهم الله في قولهم فقال: ﴿بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبِّكَ﴾ أي: هو الصدق من عند ربك أنزله عليك، لتنذر قوماً بأس الله أن يحل بهم على كفرهم لم يأتهم نذير من قبلك.
﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ أي: يهتدون إلى طريق النجاة من عذاب الله. أجاز بعض النحويين الوقف على ﴿رَّبِّكَ﴾، على أن تكون اللام متعلقة بفعل محذوف، والتقدير: وأنزله عليك لتندر. وأجاز أبو حاتم الوقف على ﴿افتراه﴾.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ الآية.
أي: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له هو الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش في اليوم/ السابع، قاله

قتادة.
ثم قال [تعالى]: ﴿مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ﴾.
[أي]: يلي أمركم [فينصركم] منه إذا أراد بكم ضراً، ﴿وَلاَ شَفِيعٍ﴾ أي: يشفع لكم إن عاقبكم على كفركم، فاتخذوه أيها الناس ولياً واستعينوا بطاعته على أموركم.
﴿أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ﴾ أي: تتذكرون هذه الموعظة فتعلموا أنه لا معبود لكم غيره/ فتفردوا له العبادة وتخلصوا له العمل.
(في) ستة أيام تمام عند نافع، وعلى العرض أتم منه.
ثم قال تعالى [ذكره]: ﴿يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السمآء إِلَى الأرض﴾.
أي: هو يدبر الأمر من السماء إلى الأرض.
﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾.
قال مجاهد: يعني نزول الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في

يوم واحد، وذلك اليوم مقداره ألف سنة لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمس مائة عام.
وهو معنى قول قتادة والضحاك وعكرمة، وقاله ابن عباس. وهو اختيار الطبري.
وقال ابن عباس: إن المعنى أن هذا اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض وما بينهما كألف سنة من سني الدنيا.
وعن ابن عباس: أن المعنى ثم تعرج إليه الملائكة بالأمر في يوم مقدار ذلك اليوم ألف سنة من سني الدنيا.
وعن مجاهد: أن المعنى: كان مقدار ذلك التبدير ألف سنة من أيام الدنيا.
وقيل: التقدير: كان مقدار ذلك العروج ألف سنة من أيام الدنيا.
وقيل: المنى: يدبر الله أمر الدنيا وما حدث فيها مما يجازي عليه الناس وغيرهم

من أهل السماء إلى أن تقوم الساعة ويبعث الناس إلى الحساب، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة، وهو يوم القيامة.
وقيل: معناه يدبر الشمس في طلوعها من المشرق وغروبها في المغرب ومدارها في العالم من السماء إلى الأرض لأنها على أهل الأرض تطلع، وفوق الأرض تطلع إلى أن تغرب وترجع إلى موضعها من الطلوع في يوم [كان] مقداره في المسافة ألف سنة.
والهاء في يَعْرُجُ إليه: قيل تعود على السماء لأنها تذكر.
وقيل: تعود على الله جل ذكره. فأما قوله في " المعارج ".
﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٤].
فمعناه على قول ابن عباس: أنه يوم القيامة يراد [به] قال: جعله الله على الكفار مقدار خسمين ألف سنة/.
وقال وهب بن منبه: [ما] بين أسفل الأرض إلى العرش مقدار خمسين ألف

سنة من أيام الدنيا.
وقيل عنه: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحدكم [كم] مضى منها ولا كم بقي.
وقيل: يوم القيامة أيام، فمنه ما مقداره ألف سنة، ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة.
واليوم في اللغة بمعنى الوقت.
فالمعنى تعرج الملائكة والروح إليه [في وقت مقدار ألف سنة و] في وقت آخر مقدار خمسون ألف سنة.
" إلى لأرض " تمام عند الأخفش.
ثم قال تعالى: ﴿ذلك عَالِمُ الغيب والشهادة﴾. أي: الذي تقدمت صفته في قدرته

وسلطانه هو علم الظاهر والباطن والسر والجهر، وهو الله (الذي) لا إله إلا هو. ﴿العزيز﴾ أي: الشديد في انتقامه ممن كفر به، ﴿الرحيم﴾ بمن تاب من كفره.
ثم قال تعالى: ﴿الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾. أي: وهو الذي أعطى كل شيء خلقه، الإنسان للإنسان، والفرس للفرس، فقرن كل جنس بشكله.
قاله مجاهد.
" وأحسن " على هذا القول بمعنى أعلم، تقول [العرب] فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه. هذا على قراءة من أسكن اللام من " خلقه " فيكون " خلقه " مفعولاً به.
ويجوز عن سيبويه أن ينتصب على المصدر المؤكد. مثل ﴿صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨] وقيل: هو منصوب، على التفسير، كقولك: زيد أوسعكم

داراً، والتقدير: أحسن كل شيء خلقاً.
وقيل: أحسن على هذه القراءة بمعنى أعلم وألهم. فيكون خلقه مفعولاً به.
وهو القول الذي ذكرنا عن مجاهد أولاً. ومن فتح اللام جعله فعلاً ماضياً. والمعنى الذي أتقن كل شيء خلقه وأحكمه. والهاء في موضع نصب، والفعل في موضع خفض على النعت لشيء.
فالمعنى على قول ابن عباس: الذي أحكم كل شيء خلقه. أي: جاء به على ما أراد لم يتغير عن إرادته.
وروي عنه أنه كان يقرأ بفتح اللام، ويقول: أما إن أَسْتَ القرد ليست بحسنة ولكنه أحكمها.

وعن مجاهد في الفتح: أحسن بكل شيء خلقه.
وعن ابن عباس: في معنى الإسكان أحسن كل شيء في خلقه، أي: حعل كل شيء في خلقه حسناً.
وأجاز الزجاج " خَلقُه " بالرفع على معنى: ذلك، خلقه، ولم يقرأ به أحد.
ثم قال تعالى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ﴾ يعني: آدم ﷺ.
﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ أي: جعل ذريته من سلالة، والسلالة ما ينسل من الشيء. فالمعنى جعل/ ذريته من الماء الذي ينسل منه/ ومعنى ﴿مَّهِينٍ﴾ حقير ضعيف.
ثم قال تعالى: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ يعني آدم، أي سوَّى خلقه معتدلاً سوياً.
﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾ أي: من روحه الذي يحيى به [الموتى] فصار حياً ناطقاً.
ثم قال [تعالى]: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة﴾ أي أنعم عليكم بسمعكم وأبصاركم وقلوبكم تنتفعون بمها وتسمعون وتبصرون وتفهمون ووحد السمع لأنه مصدر.

ثم قال [تعالى]: ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ أي: أنعم عليكم بهذه النعم، وشكركم قليل عليها.
ثم قال [تعالى]: ﴿وقالوا أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض﴾ أي: وقال المشركون: أئذا صارت لحومنا وعظامنا تراباً في الأرض أَنُبْعَثُ؟ إنكاراً للبعث.
وقال مجاهدك: " ضللنا ": هلكنا، لأن كل شيء غلب عليه غيره حتى تلف وخفي فقد هلك.
وقرأ أبو رجاء وطلحة: " ضِللْنا " بكسر اللام، وهي لغة شاذة.
وقرأ الحسن: " صَلَلْنَا " بالصادر غير معجمة وفتح اللام.