
مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (٩)
شرح الكلمات:
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض: أي أمر المخلوقات طوال الحياة.
ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره: أي يوم القيامة حيث تنتهي هذه الحياة وسائر شؤونها.
ألف سنة مما تعدون: أي من أيام الدنيا.
عالم الغيب والشهادة: أي ما غاب عن الناس ولم يروه وما شاهدوه ورأوه.
بدأ خلق الإنسان من طين: أي بدأ خلق آدم عليه السلام من طين.
من سلالة من ماء مهين: أي ذرية آدم من علقة من ماء النطفة.
ثم سواه ونفخ فيه من روحه: أي سوى الجنين في بطن أمه ونفخ فيه الروح فكان حياً كما سوى آدم أيضاً ونفخ فيه من روحه فكان حيا.
والأفئدة: أي القلوب.
قليلا ما تشكرون: أي ما تشكرون الله على نعمة الإيجاد والإمداد إلا شكراً قليلا لا يوازي قدر النعمة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء بذكر مظاهر القدرة والعلم والرحمة والحكمة الإلهية، فقوله تعالى ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ أي أمر المخلوقات ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ حيث العرش وكتاب المقادير ﴿إِلَى الْأَرْضِ﴾ حيث تتم الحياة والموت والصحة والمرض والعطاء والمنع، والغنى والفقر والحرب والسلم، والعز والذل فالله تعالى من فوق عرشه يدبر أمر الخلائق كلها في عوالمها المختلفة، وقوله ثم يعرج أي الأمر إليه في يوم كان مقداره ألف (١) سنة مما يعد الناس اليوم من أيام هذه الدنيا. ومعنى ﴿يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ في يوم

القيامة أي يرد إليه حيث عم الكون الفناء ولم يبق ما يدبر في هذه الأرض لفنائها وفناء كل ما كان عليها. وقوله ﴿ذَلِكَ (١) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ أي ما غاب عن الناس وما حضر فشاهدوه أي العالم بكل شيء وقوله ﴿الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ : أي الغالب على مراده من خلقه الرحيم بالمؤمنين من عباده، وقوله ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ (٢) أي أحسن خلق كل مخلوق خلقه أي جوّد خلقه وأتقنه وحسنه. وقوله ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ أي وبدأ خلق آدم من طين وهو الإنسان الأول، ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ أي نسل الإنسان ﴿مِنْ سُلالَةٍ﴾ وهي العلقة ﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٣) ﴾ وهو النطفة، وقوله ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ أي سوّى آدم ونفخ فيه من روحه، كما سوّى الإنسان في رحم أمه أي سوى خلقه ثم نفخ فيه من روحه فكان إنساناً حيا، وقوله ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ أي القلوب أي لتسمعوا وتبصروا وتفقهوا لحاجتكم إلى ذلك لأن حياتكم تتطلب منكم مثل ذلك ومع هذه النعم الجليلة ﴿قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (٤) ﴾ أي لا تشكرون إلا قليلاً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان جلال الله وعظمته في تدبيره أمر الخلائق.
٢- بيان صفات الله تعالى من العلم والعزة والرحمة.
٣- بيان كيفية خلق الإنسان ومادة خلقه.
٤- شكر العباد - إن شكروا – لا يوازي نعم الله تعالى عليهم.
٥- وجوب شكر النعم بالاعتراف بها وذكرها وحمد الله تعالى عليها وصرفها في مرضاته.
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)
٢ - قرأ نافع وحفص خلقه بصيغة الماضي وقرأ بعضٌ خلقه بإسكان اللام على أنه مصدر خلق يخلق خلقاً وهو بدل اشتمال من كل شيء ومعنى أحسن أتقن وأحكم قال عكرمة: ليست أست القرد بحسنة ولكنها متقنة محكمة.
٣ - المهين الممتهن الذي لا يعبأ به.
٤ - جائز أن يكون المراد عدم شكرهم مطلقا فهو كناية عن العدم توبيخا لهم وتأنيباً.