
القول الرابع: أن العذاب الأدنى عذاب القبر. وهو قول البراء، ومجاهد في رواية ابن أبي نجيح عنه (١). وأما العذاب الأكبر فلا خلاف أنه في الآخرة، إلا ما روى عطاء عن ابن عباس أنه قال: يريد القتل يوم بدر (٢).
وقوله: ﴿لَ١ (٣).
٢٢ - قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا﴾ [الكهف: ٥٧] مفسر في سورة الكهف.
وقوله: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ قال مقاتل: نزلت في المطعنين (٤) والمستهزئين من قريش، انتقم الله منهم بالقتل ببدر، وتعجيل أرواحهم إلى النار (٥).
٢٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ يعني: التوراة. ﴿فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾ قال مجاهد: من أن تلقى موسى (٦). وقال الكلبي: من لقاء موسى، فلقيه حين أسري به من بيت المقدس. ونحو هذا قال
(٢) لم أقف عليه.
(٣) وبه قال أيضًا أبو العالية وقتادة وإبراهيم. انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ١١١، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٦٥.
(٤) هكذا في النسخ! وفي "تفسير مقاتل" ٨٥ ب: المطعمين.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٥ ب.
(٦) "تفسير مجاهد" ص ٥١١، "زاد المسير" ٦/ ٣٤٣.

السدي، قال: من لقاء موسى ثم لقيه في السماء (١). وعلى هذا الكناية عن موسى، وقد أضيف المصدر إلى المفعول وكأنه -صلى الله عليه وسلم- وعد أنه سيلقى موسى قبل أن يموت فلقيه وروى (٢) أسباط عن السدي (٣).
﴿فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾ (٤) من لقاء ربك. وعلى هذا القول قال صاحب النظم: هو كلام اعترض من بين قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ (٥) وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى﴾. والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمراد به غيره ممن ينكر البعث، وهم الذين ذكروا في قوله: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾. والمعنى: فلا تكن في مرية من البعث.
في الآية قولان آخران أشبه بالنفس وأليق بظاهر الآية. قال ابن عباس في رواية عطاء: فلا تكن في مرية في شك من لقائه، يريد الكتاب، يريد تصديق التوراة (٦).
وقال مقاتل: فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب، فإن الله ألقى الكتاب إليه. وذكر أبو إسحاق أيضًا هذا القول (٧). وشرحه أبو علي فقال: هو على إضافة المصدر إلى المفعول، مثل: ﴿بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ﴾ [ص: ٢٤]،
(٢) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: ورواه.
(٣) انظر: "مجمع البيان" ٨/ ٥٢٠، ونسبه للسدي مباشرة.
(٤) قوله. (من لقائه) ساقط من (أ).
(٥) قوله: (ولقد) ساقط من (أ).
(٦) أورد الطبرسي في "مجمع البيان" ٨/ ٥٢٠ عن الزجاج، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٣٤٣ عن السدي والزجاج. ولم أقف عليه منسوبًا لابن عباس.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٥ ب، "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٩.

﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ [الروم: ٣] كأنه لما قيل لموسى: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] أعلمنا أنه أخذ ما أمر به وتلقاه بالقبول، فالمعنى من لقاء موسى الكتاب، فأضيف المصدر إلى ضمير الكتاب، وفي ذلك مدح لموسى على امتثال ما أمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل كقوله. ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١٠٦]، وقوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة: ١٨] (١).
القول الثاني: قال أبو إسحاق: ويجوز أن تكون الهاء لموسى والكاف محذوف؛ لأن ذكر الكتاب قد جرى (٢) كما جرى ذكر موسى (٣).
قال أبو علي: يجوز أن يكون الضمير لموسى والمفعول به محذوف، كقوله: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] فالدعاء مضاف إلى الفاعل والمفعولون محذوفون، ومثل ذلك في إضافة المصدر إلى الفاعل وحذف المفعول به، قوله: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [غافر: ١٠] فلم يذكر مفعول مقت الله (٤).
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الضمير للكتاب في قول الجميع، قالوا: جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل من الضلالة. قال قتادة: وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل، أي هاديًا، وجعلنا من بني إسرائيل أئمة قادة في الخير (٥). ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ يدعون الناس إلى طاعة الله بأمر الله،
(٢) في (ب): (جر).
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٩.
(٤) انظر: "الحجة" ٢/ ٢٩.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ١١٢ - ١١٣، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٦٦، "زاد المسير" ٤/ ٣٤٤.