آيات من القرآن الكريم

أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ

﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم﴾ الآية ".
وقيل: إن معنى الآية في ثواب الجهاد، أي: لا تعلم نفس ما أخفي لها من ثواب الجهاد في سبيل الله، ذكره ابن وهب عن رجاله.
قال سليمان بن عامر: الجنة مائة درجة فأولها درجة من فضة، أرضها فضة ومساكنها فضة، وآنيتُها فضة، وترابها مسك، والثانية ذهب، وأرضها ذهب، ومساكنها ذهب وآنيَّتُها ذهب وترابها مسك، والثالثة لؤلؤ (و) أرضها لؤلؤ ومساكنها لؤلؤ وآنيَّتُها لؤلؤ وترابها مسك، وسبعة وتسعون درجة بعد ذلك ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال الله تعالى: ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم﴾ الآية.
وعن ابن سيرين أنه قال في الآية: إنه النظر إلى الله تعالى.
قوله تعالى ذكره: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً﴾ إلى قوله:

صفحة رقم 5763

﴿أَفَلاَ يَسْمَعُونَ﴾.
أي: أيكون الكافر المكذب كالمؤمن المصدق، لا يستوون عند الله.
قال قتادة: لا والله ما يستوون في الدنيا ولا في الآخرة ولا عند الموت. وإنما جمع يستوون لأن " مَنْ " تؤدي عن جمع فحمله على المعنى.
وقيل: إن المراد به أثنان بأعيانهما، وذلك أن الآية نزلت في قول ابن عباس وعطاء وغيرها في المدينة في عل ي بن أبي طالب رضي لله عنه، والوليد بن عقبة بن أبي معيط قال عطاء: كان بين الوليد وعلي كلام، فقال/ [الوليد] " أنا أبْسطُ منك لساناً وأحَدُّ منك سِنَاناً، فقال له علي [اسكت] فإنك فاسق، فنزلت ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً﴾ الآية فيهما.
فيكون يستوون على هذا قد جمع في موضع التثنية، لأن التثنية جمع في الأصل.

صفحة رقم 5764

ويجوز أن تكون لما نزلت في اثنين بأعيانهما، ثم هي عامة في جميع الكفار والمؤمنين حمل الكلام على معنى العموم، فجمع يستوون لذلك.
ثم قال تعالى [ذكره] ﴿أَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى﴾ أي: الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله ورسوله فلهم بساتين المساكن التي يكسنونها في لجنة ويأوون إليها.
ويجوز أن يكون التقدير: فلهم بساتين جنة المأوى.
﴿نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي: أنزلهم الله فيها نزلاً بعملهم.
ثم قال: ﴿وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ﴾ أي: كفروا بالله.
﴿فَمَأْوَاهُمُ النار﴾ أي: مساكنهم في النار في الآخرة.
ثم قال: ﴿كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا﴾. قد تقدم هذا في " الحج ".
ثم قال: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أي: في الدنيا.
ثم قال [تعالى]: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى﴾ أي: لنذيقن هؤلاء الفسقة من مصائب الدنيا في الأنفس والأموال في الدنيا دون عذاب النار في الآخرة. قاله ابن عباس وأُبي بن كعب والضحاك.

صفحة رقم 5765

وقال ابن مسعود: " العذاب الأدنى " يوم بدر.
وقال مجاهد: هو الجوع والقتل لقريش في الدنيا. روي أنهم جاعوا حتى أكلوا العِلْهِزَ، وهو القُرَدُ يفقأ دمها في الوبر ويحمل على النار فيؤكل.
وعن ابن عباس أيضاً: أنه الحدود.
وعن مجاهد أيضاً: أنه عذاب القبر وعذاب الدنيا.
وأكثرهم على أن العذاب الأكبر عذاب يوم القيامة في النار.
وقيل: هو القتل يوم بدر.

صفحة رقم 5766

ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ﴾.
أي: لا أحد أظلم لنفسه ممن وعظ بحجج الله وآي كتابه فأعرض عن ذلك وكذب به.
ثم قال: ﴿إِنَّا مِنَ المجرمين مُنتَقِمُونَ﴾ أي: من الذين اكتسبوا السيئات منتقمون في الآخرة.
وقيل: عني بالمجرمين [هنا] أهل القدر، وكذلك قوله:
﴿إِنَّ المجرمين فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ﴾ [القمر: ٤٧] الآيات في أهل القدر أيضاً.
[وقال] / معاذ بن جبل: سمعت النبي صلى الله عليه [وسلّم] يقول

صفحة رقم 5767

" ثَلاَثٌ مَنْ فَعَلَهنَّ فقَدْ أجْرَمَ: مَنِ اعْتَقَدَ لِواءً في غير حقٍّ، أوْ عَقَّ وَالِِدَيْه، أو مَشَى مَعَ ظَالِم يَنْصُرُ فَقَدْ أجْرَمَ، يقولُ اللهُ جلَّ ذِكرُهُ ﴿إِنَّا مِنَ المجرمين مُنتَقِمُونَ﴾ ".
ثم قال تعالى [ذكره]: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب﴾ أي التوراة.
﴿فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ﴾ أي: في شك من أنك لقيته أو تلقاه ليلة الإسراء، قاله قتادة.
وبذلك أتى الخبر عن النبي ﷺ أنه لقيه ليلة الإسراء، روى ابن عباس: أن النبي ﷺ / قال: " أرِيتُ لَيْلَةَ أسْرِي [بي] موسى بن عِمْرِان رَجلاً آدَمَ

صفحة رقم 5768

طوَّالاً جَعْداً، كَأنَّهُ مِنْ رِجَال شَنوءةَ، وَرَأيت عِيسَى رَجُلاً مَربُوعَ الخَلْق، إلى الحُمْرَةِ وَالبَيَاضِ سَبْطَ الرَّأسِ، وَرَأيتُ مَالِكاً [خَازِنَ] النَّارِ والدَّجَّال " فالهاء لموسى، وقيل: الهاء عائدة على الكتاب.
والتقدير: فلا تكن في شك من تلقي موسى الكتاب بالقبول، وتكون المخاطبة على القول الأول للنبي خاصة، وعلى القول الثاني لجميع الناس.

صفحة رقم 5769

وعن الحسن أنه قال في معناه: ولقد آتينا موسى الكتاب، فأوذي وكذب فلا تكن في شك يا محمد من أنه سيلقاك مثل ما لقيه موسى من التكذيب والأذى.
فالهاء عائدة على معنى محذوف كأنه قال: من لقاء ما لاقى، والمخاطبة على هذا للنبي عليه السلام خاصة.
ويجوز أن يكون هذا خطاباً للشاك في إتيان الله موسى الكتاب، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والهاء في ﴿لِّقَآئِهِ﴾ تعود على الرجوع إلى الآخرة والبعث، والتقدير: قل يتوفاكم ملك المت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون، ﴿فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ﴾ أي: من لقاء البعث والرجوع إلى الحياة بعد الموت فهو خطاب للنبي عليه السلام، والمراد به من ينكر البعث.
وقوله: ﴿فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ﴾ كلام اعترض بين كلامين.
ثم قال بعد ذلك: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لبني إِسْرَائِيلَ﴾.
أي: الكتاب جعله الله هادياً لهم من الضلالة إلى الهدى.
وقال قتادة: ﴿وَجَعَلْنَاهُ﴾ أي: جعلنا موسى هدى لهم.

صفحة رقم 5770

ثم قال (تعالى ذكره) ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾.
أي: وجعلنا من بني إسرائيل قادة في الخير يؤتم بهم.
قال قتادة: ﴿أَئِمَّةً﴾ رؤساء الخير.
﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾: أي يرشدون أتباهم بإذننا هم وتقويتنا إياهم على ذلك. ﴿لَمَّا صَبَرُواْ﴾ أي: حين صبروا على طاعة الله وعلى أذاء فرعون لهم، فيكون المعنى: إنهم إنما جعلوا أئمة حين وُجِدَ منهم الصبر.
ومن قرأ " لِمَا " بكسر اللام فمعناه فعلنا بهم ذلك لصبرهم على طاعة الله.
فيكون المعنى: فهل بهم ذلك الجزاء لهم الصبرهم المتقدم في الله.
ثم قال (تعالى): ﴿وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ أيك بحججنا وكتابنا يصدقون.
وفي قراءة أُبي: " كَمَا صَبَروا ".
وفي قراءة أبن مسعود: " بِمَا صَبَروا ". فهذا شاهد لمن كسر اللام، وهو حمزة والكسائي.

صفحة رقم 5771

ثم قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة﴾.
أي: يحكم بين جميع خلقه فيما اختلفوا فيه في الدنيا من أمور الدين، فيوجب للمحسن الجنة وللمسيء النار.
ثم قال تعالى [ذكره]: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ القرون﴾.
قال الفراء: كم في موضع رفع فاعل ليهدي.
ولا يجيزه البصريون لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
وقال المبرد: الفَاعِل المَصَدر مَحْذُوف لأِن يَهْدِي يَدُلُّ عَلَى مَصْدرِهِ، تقديره: أَوَ لَمْ يَهْدِ الهُدَى لَهُم.
وقيل التقدير: أولم يهد الله لهم. وهذا إن شاء الله أحسنها. ويقوي ذلك أن أبا عبد الرحمن السلمي وقتادة قرأ: أو لم نهدِ بالنون.

صفحة رقم 5772
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية