آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ

بَيْنَ عَذَابِ الْمُؤْمِنِ وَعَذَابِ الْكَافِرِ، فَإِنَّ عَذَابَ المؤمن ليطهر فهو غير مهين ثم قال تعالى:
[سورة لقمان (٣١) : آية ٧]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧)
أَيْ يَشْتَرِي الْحَدِيثَ الْبَاطِلَ، وَالْحَقُّ الصُّرَاحُ يَأْتِيهِ مَجَّانًا يُعْرِضُ عَنْهُ، وَإِذَا نَظَرْتَ فِيهِ فَهِمْتَ حُسْنَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمُشْتَرِي يَطْلُبُ الْمُشْتَرَى مَعَ أَنَّهُ يَطْلُبُهُ بِبَذْلِ الثَّمَنِ، وَمَنْ يَأْتِيهِ الشَّيْءُ لَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَبْذُلُ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَطْلُبَ الْعَاقِلُ الْحِكْمَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ يَجِدُهُ وَيَشْتَرِيهَا، وَهُمْ مَا كَانُوا يَطْلُبُونَهَا، وَإِذَا جَاءَتْهُمْ مَجَّانًا مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهَا، ثُمَّ إِنَّ فِيهِ أَيْضًا مَرَاتِبَ الْأُولَى: التَّوْلِيَةُ عَنِ الْحِكْمَةِ وَهُوَ قَبِيحٌ وَالثَّانِي: الِاسْتِكْبَارُ، وَمَنْ يَشْتَرِي حِكَايَةَ رُسْتُمَ وَبَهْرَامَ وَيَحْتَاجُ إِلَيْهَا كَيْفَ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا عَنِ الْحِكْمَةِ حَتَّى يَسْتَكْبِرَ عَنْهَا؟ وَإِنَّمَا يَسْتَكْبِرُ الشَّخْصُ عَنِ الْكَلَامِ وَإِذَا كَانَ يَقُولُ أَنَا أَقُولُ مِثْلَهُ، فَمَنْ لَا يَقْدِرُ يَصْنَعُ مِثْلَ تِلْكَ الْحِكَايَاتِ الْبَاطِلَةِ كَيْفَ يَسْتَكْبِرُ عَلَى الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ الَّتِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها شُغْلُ الْمُتَكَبِّرِ الَّذِي لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْكَلَامِ وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ كَأَنَّهَا غَافِلَةٌ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً أَدْخَلُ فِي الْإِعْرَاضِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أي له عذاب مهين بشره أَنْتَ بِهِ وَأَوْعِدْهُ، أَوْ يُقَالُ إِذَا كَانَ حاله هذا فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٨ الى ٩]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)
لَمَّا بَيَّنَ حَالَ مَنْ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَلَّى، بَيَّنَ حَالَ مَنْ يُقْبِلُ عَلَى تِلْكَ الْآيَاتِ وَيَقْبَلُهَا وَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ مَرَاتِبُ مِنَ التَّوْلِيَةِ وَالِاسْتِكْبَارِ، فَهَذَا لَهُ مَرَاتِبُ مِنَ الْإِقْبَالِ وَالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَإِنَّ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا وَقَبِلَهُ قَدْ لَا يَعْمَلُ بِهِ فَلَا تَكُونُ دَرَجَتُهُ مِثْلَ مَنْ يَسْمَعُ وَيُطِيعُ ثُمَّ إِنَّ هَذَا لَهُ جَنَّاتُ النَّعِيمِ وَلِذَلِكَ عَذَابٌ مُهِينٌ وَفِيهِ لَطَائِفُ:
إِحْدَاهَا: تَوْحِيدُ الْعَذَابِ وَجَمْعُ الْجَنَّاتِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ وَاسِعَةٌ أَكْثَرُ مِنَ الْغَضَبِ الثَّانِيَةُ: تَنْكِيرُ الْعَذَابِ وَتَعْرِيفُ الْجَنَّةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمُعَرَّفِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الرَّحِيمَ يُبَيِّنُ النِّعْمَةَ وَيُعَرِّفُهَا إِيصَالًا لِلرَّاحَةِ إِلَى الْقَلْبِ، وَلَا يُبَيِّنُ النِّقْمَةَ، وَإِنَّمَا يُنَبِّهُ عَلَيْهَا تَنْبِيهًا الثَّالِثَةُ: قَالَ عَذَابٌ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُمْ فِيهِ خَالِدُونَ، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى الْخُلُودِ بِقَوْلِهِ: مُهِينٌ وَصَرَّحَ فِي الثَّوَابِ بِالْخُلُودِ بِقَوْلِهِ: خالِدِينَ فِيها، الرَّابِعَةُ: أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَاكَ الْخَامِسَةُ: قَالَ هُنَاكَ لِغَيْرِهِ فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ وَقَالَ هَاهُنَا بِنَفْسِهِ وَعْدَ اللَّهِ، ثُمَّ لَمْ يَقُلْ أُبَشِّرُكُمْ بِهِ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِأَعْظَمِ مَا يَكُونُ، لَكِنَّ الْجَنَّةَ دُونَ مَا يَكُونُ لِلصَّالِحِينَ بِشَارَةٌ مِنَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ بِشَارَتُهُمْ مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ وَرِضْوَانِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ [التوبة: ٢١] وَلَوْلَا قَوْلُهُ: مِنْهُ لَمَا عَظُمَتِ الْبِشَارَةُ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْهُ مَقْرُونَةً بِأَمْرٍ دُونَ الْجَنَّةِ لَكَانَ ذَلِكَ فَوْقَ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ بَشَّرَ بِنَفْسِ الْجَنَّةِ بِقَوْلِهِ: وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فُصِّلَتْ: ٣٠] نَقُولُ الْبِشَارَةُ هُنَاكَ لَمْ تَكُنْ بِالْجَنَّةِ وَحْدَهَا، بَلْ بِهَا وَبِمَا ذُكِرَ بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فُصِّلَتْ: ٣٢] وَالنُّزُلُ مَا يُهَيَّأُ عِنْدَ النُّزُولِ وَالْإِكْرَامِ الْعَظِيمِ بَعْدَهُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ كَامِلُ الْقُدْرَةِ يُعَذِّبُ الْمُعْرِضَ وَيُثِيبُ الْمُقْبِلَ، كَامِلُ الْعِلْمِ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ كَمَا يَنْبَغِي، فَلَا يُعَذِّبُ مَنْ يُؤْمِنُ وَلَا يُثِيبُ مَنْ يَكْفُرُ.
[سورة لقمان (٣١) : آية ١٠]
خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠)

صفحة رقم 116

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها.
بَيَّنَ عِزَّتَهُ وَحِكْمَتَهُ بِقَوْلِهِ: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ اختلف قول العلماء في السموات فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا مَبْسُوطَةٌ كَصَفِيحَةٍ مُسْتَوِيَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا مُسْتَدِيرَةٌ وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الْمُهَنْدِسِينَ، وَالْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ نَحْنُ نُوَافِقُهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا دَلِيلًا مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ وَمُخَالَفَةُ الْحِسِّ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَابِ خَبَرٌ نُؤَوِّلُهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ، فَضْلًا مِنْ أَنَّ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَالْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِدَارَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: كُلٌّ فِي فَلَكٍ/ يَسْبَحُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٣] وَالْفَلَكُ اسْمٌ لِشَيْءٍ مُسْتَدِيرٍ، بَلِ الواجب أن يقال بأن السموات سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَدِيرَةً أَوْ مُصَفَّحَةً فَهِيَ مَخْلُوقَةٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ لَا مَوْجُودَةٌ بِإِيجَابٍ وَطَبْعٍ، وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَنَقُولُ السَّمَاءُ فِي مَكَانٍ وَهُوَ فَضَاءٌ وَالْفَضَاءُ لَا نِهَايَةَ لَهُ وَكَوْنُ السَّمَاءُ فِي بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ لَيْسَ إِلَّا بِقُدْرَةٍ مُخْتَارَةٍ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: بِغَيْرِ عَمَدٍ أَيْ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ يَمْنَعُهَا الزَّوَالَ مِنْ مَوْضِعِهَا وَهِيَ لَا تَزُولُ إِلَّا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وقال بعضهم المعنى أن السموات بِأَسْرِهَا وَمَجْمُوعِهَا لَا مَكَانَ لَهَا لِأَنَّ الْمَكَانَ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ مَا فِيهِ فَيَكُونُ مُتَمَكِّنًا وَالْحَيِّزُ مَا يُشَارُ إِلَى مَا فِيهِ بِسَبَبِهِ يقال هاهنا وهناك وعلى هَذَا قَالُوا إِنَّ مَنْ يَقَعُ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ فَهُوَ فِي الْهَوَاءِ فِي حَيِّزٍ إِذْ يُقَالُ لَهُ هُوَ هَاهُنَا وَهُنَاكَ، وَلَيْسَ فِي مَكَانٍ إِذْ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى شَيْءٍ، فَإِذَا حَصَلَ عَلَى الْأَرْضِ حَصَلَ فِي مَكَانٍ، إِذَا علم هذا فالسماوات ليست فِي مَكَانٍ تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فَلَا عَمَدَ لَهَا وَقَوْلُهُ:
تَرَوْنَها فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رَاجِعٌ إلى السموات أَيْ لَيْسَتْ هِيَ بِعَمَدٍ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهَا كَذَلِكَ بِغَيْرِ عَمَدٍ وَالثَّانِي: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْعَمَدِ أَيْ بِغَيْرِ عَمَدٍ مَرْئِيَّةٍ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَمَدٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ فَهِيَ قُدْرَةُ اللَّهِ وَإِرَادَتُهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ.
أَيْ جِبَالًا رَاسِيَةً ثَابِتَةً أَنْ تَمِيدَ أَيْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَمِيدَ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنْ لَا تَمِيدَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ ثَبَاتُهَا بِسَبَبِ ثِقَلِهَا، وَإِلَّا كَانَتْ تَزُولُ عَنْ مَوْضِعِهَا بِسَبَبِ الْمِيَاهِ وَالرِّيَاحِ، وَلَوْ خَلَقَهَا مِثْلَ الرَّمْلِ لَمَا كَانَتْ تَثْبُتُ لِلزِّرَاعَةِ كَمَا نَرَى الْأَرَاضِيَ الرَّمْلَةَ يَنْتَقِلُ الرَّمْلُ الَّذِي فِيهَا مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ أَيْ سُكُونُ الْأَرْضِ فِيهِ مَصْلَحَةُ حَرَكَةِ الدَّوَابِّ فَأَسْكَنَّا الْأَرْضَ وَحَرَّكْنَا الدَّوَابَّ وَلَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ مُتَزَلْزِلَةً وَبَعْضُ الْأَرَاضِي يُنَاسِبُ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ لَكَانَتِ الدَّابَّةُ الَّتِي لَا تَعِيشُ فِي مَوْضِعٍ تَقَعُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَكُونُ فِيهِ هَلَاكُ الدَّوَابِّ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ سَاكِنَةً وَالْحَيَوَانَاتُ مُتَحَرِّكَةً تَتَحَرَّكُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُنَاسِبُهَا وَتَرْعَى فِيهَا وَتَعِيشُ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً هَذِهِ نِعْمَةٌ أُخْرَى أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَتَمَامُهَا بِسُكُونِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْبَذْرَ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِلَى أَنْ يَنْبُتَ لَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ الزَّرْعُ وَلَوْ كَانَتْ أَجْزَاءُ الْأَرْضِ مُتَحَرِّكَةً كَالرَّمْلِ لَمَا حَصَلَ الثَّبَاتُ وَلَمَا كَمُلَ النَّبَاتُ، وَالْعُدُولُ مِنَ الْمُغَايَبَةِ إِلَى النَّفْسِ فِيهِ فَصَاحَةٌ وَحِكْمَةٌ، أَمَّا الْفَصَاحَةُ فَمَذْكُورَةٌ فِي بَابِ الِالْتِفَاتِ مِنْ أَنَّ السَّامِعَ إِذَا سَمِعَ كَلَامًا طَوِيلًا مِنْ نَمَطٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ وَرَدَ عَلَيْهِ نَمَطٌ آخَرُ يَسْتَطْيِبُهُ أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ قَالَ زَيْدٌ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ خَالِدٌ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ عَمْرٌو كَذَا ثُمَّ إِنَّ/ بَكْرًا قَالَ قَوْلًا حَسَنًا يُسْتَطَابُ لِمَا قَدْ تَكَرَّرَ الْقَوْلُ مِرَارًا. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ خَلْقَ الْأَرْضِ ثَقِيلٌ، وَالسَّمَاءُ فِي غَيْرِ مَكَانٍ قَدْ يَقَعُ لِجَاهِلٍ أَنَّهُ بِالطَّبْعِ، وَبَثُّ الدَّوَابِّ يَقَعُ لِبَعْضِهِمْ أَنَّهُ بِاخْتِيَارِ الدَّابَّةِ، لِأَنَّ لَهَا اختيار، فَنَقُولُ الْأَوَّلُ طَبِيعِيٌّ وَالْآخَرُ

صفحة رقم 117
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية