
وختمت السورة ببيان الأمر بالتقوى والخوف من عذاب يوم القيامة الذي لا بد من إتيانه، ولا أمل فيه بنصرة أحد، وعدم الاغترار بمتاع الدنيا وزخارفها، والتنبيه على مفاتيح الغيب الخمسة التي اختص الله بعلمها، وأن الله محيط علمه بالكائنات جميعها، خبير بكل ما يجري فيها.
خصائص القرآن وأوصاف المؤمنين به
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
الإعراب:
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ مبتدأ وخبر والإضافة بمعنى «من» وهُدىً وَرَحْمَةً بالنصب والرفع، فالنصب على الحال من آياتُ والعامل فيهما معنى الإشارة، ولا يجوز أن يكون منصوبا على الحال من الْكِتابِ لأنه مضاف إليه، ولا عامل يعمل في الحال، وفيه خلاف. والرفع:
إما خبر تِلْكَ وآياتُ: بدلا من تِلْكَ وإما خبر بعد خبر، كقولهم: هذا حلو حامض، وإما خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو هدى.
البلاغة:
هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ عبر بالمصدر عن اسم الفاعل للمبالغة.
تِلْكَ آياتُ إشارة بالبعيد عن القريب لبيان علو الرتبة وسمو القدر.
وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إطناب بتكرار الضمير هُمْ واسم الإشارة أُولئِكَ لزيادة الثناء عليهم وتكريمهم. وقوله هُمُ الْمُفْلِحُونَ يفيد الحصر، أي هم المفلحون لا غيرهم. صفحة رقم 127

المفردات اللغوية:
الم يشبه افتتاح سورة البقرة المدنية، وجاء على وفق المعروف غالبا في السور المكية التي تبدأ بأحرف هجائية، للتنبيه على إعجاز القرآن، وللإشارة إلى أن هذه الأحرف «ألف، لام، ميم» ينطق بها العرب قاطبة، ولكنهم عاجزون عن معارضتها بالإتيان بمثل سورة أو عشر سور من القرآن، مما يدل على أنه تنزيل من حكيم حميد. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ أي هذه الآيات آيات القرآن المتصف بالحكمة.
هُدىً وَرَحْمَةً أي الآيات هادية راحمة الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ بيان للمحسنين هُمْ يُوقِنُونَ هم الثانية للتأكيد وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون، لاستجماعهم العقيدة الحقة والعمل الصالح.
التفسير والبيان:
الم. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ أي إن هذا القرآن مكوّن من الحروف ذاتها التي تنطقون بها، فهل تأتون بمثل آياته؟ فهذه آيات القرآن ذي الحكمة، الذي لا خلل فيه ولا عوج، ولا تناقض فيه ولا اختلاف، بل هو آيات بينات واضحات.
ثم ذكر تعالى الغاية من تنزيله فقال:
هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ أي هذه الآيات القرآنية هدى وشفاء من الضلال، ورحمة تنقذ المؤمنين بها من العقاب، وهم الذين أحسنوا العمل، واتبعوا الشريعة، فأقاموا الصلاة المفروضة بحدودها وفي أوقاتها، مع نوافلها، وآتوا الزكاة المفروضة عليهم إلى مستحقيها، وصدقوا وأيقنوا بوجود الآخرة وبالجزاء العادل فيها، ورغبوا إلى الله في الثواب، دون مراءاة ولا جزاء ولا شكور من الناس.
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي هؤلاء الموصوفون بما ذكرهم في قمة الهداية والفلاح، فهم المهديون أي على بصيرة ونور ومنهج

واضح من الله، وهم الفائزون وحدهم في الدنيا والآخرة. وقوله: أُولئِكَ إشارة إلى علو المرتبة والتعظيم الذي يستحقونه، إذ لا فلاح إلا بإحسان العمل، ولا خير إلا في الإيمان.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما هو آت:
١- إن آيات القرآن العظيم محكمة لا خلل فيها ولا تناقض، ولا عيب فيها ولا تعارض، وهي دستور الهداية الربانية، وسبيل استحقاق الرحمة الإلهية، التي لا يستحقها إلا المحسنون. والمحسن: الذي يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فإنه يراه، أو هو الآتي بالإيمان، المتقي الشرك والعناد.
٢- إن من أخص صفات المحسنين إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيمان باليوم الآخر.
٣- هؤلاء المحسنون استنارت قلوبهم وعقولهم بمنهج الله تعالى، فالتزموا أوامره، واجتنبوا نواهيه، ففازوا وحدهم بسعادة الدنيا والآخرة.
٤- إن وصف القرآن بالحكمة في قوله تعالى: الْكِتابِ الْحَكِيمِ مناسب لموضوع السورة في بيان الحكمة في قصة لقمان وما يؤيدها من آي السورة في تقرير التوحيد، وهدم الشرك وإثبات البعث والنبوة، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، والإيمان بعالم الغيب والشهادة، المنعم على عباده بالنعم الكثيرة الظاهرة والباطنة.