آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ

لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ ذَكَرَ أَنَّ الْكُلَّ مُعْتَرِفُونَ بِهِ غَيْرَ أَنَّ الْبَصِيرَ يُدْرِكُهُ أَوَّلًا وَمَنْ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ لَا يُدْرِكُهُ أَوَّلًا، فَإِذَا غَشِيَهُ مَوْجٌ وَوَقَعَ فِي شِدَّةٍ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْكُلَّ مِنَ اللَّهِ وَدَعَاهُ مُخْلِصًا أَيْ يَتْرُكُ كُلَّ مَنْ عَدَاهُ وَيَنْسَى جَمِيعَ مَنْ سِوَاهُ، فَإِذَا نَجَّاهُ مِنْ تِلْكَ الشِّدَّةِ قَدْ بَقِيَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَقَدْ يَعُودُ إِلَى الشِّرْكِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: مَوْجٌ كَالظُّلَلِ وَحَدَّ الْمَوْجَ وَجَمَعَ الظُّلَلَ، وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ كَالْجِبَالِ، وَقِيلَ كَالسَّحَابِ إِشَارَةٌ إِلَى عِظَمِ الْمَوْجِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَوْجُ الْوَاحِدُ الْعَظِيمُ يَرَى فِيهِ طُلُوعٌ وَنُزُولٌ وَإِذَا نَظَرْتَ فِي الْجَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ تَبَيَّنَ لَكَ ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْجِبَالِ الْمُتَلَاصِقَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْعَنْكَبُوتِ فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت: ٦٥] وقال هاهنا فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ فَنَقُولُ لما ذكر هاهنا أَمْرًا عَظِيمًا وَهُوَ الْمَوْجُ الَّذِي كَالْجِبَالِ بَقِيَ أَثَرُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ فَخَرَجَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ أَيْ فِي الْكُفْرِ وَهُوَ الَّذِي انْزَجَرَ بَعْضَ الِانْزِجَارِ، أَوْ مُقْتَصِدٌ فِي الْإِخْلَاصِ فَبَقِيَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْهُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ، وَهُنَاكَ لَمْ يَذْكُرْ مَعَ رُكُوبِ الْبَحْرِ مُعَايَنَةً مِثْلَ ذَلِكَ الْأَمْرِ فَذَكَرَ إِشْرَاكَهُمْ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ أَثَرٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا فِي مُقَابَلَةِ قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ [لقمان: ٣١] يَعْنِي يَعْتَرِفُ بِهَا الصَّبَّارُ الشَّكُورُ، وَيَجْحَدُهَا الْخَتَّارُ الْكَفُورُ وَالصَّبَّارُ فِي مُوَازَنَةِ الْخَتَّارِ لَفْظًا، وَمَعْنًى الكفور فِي مُوَازَنَةِ الشَّكُورِ، أَمَّا لَفْظًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْخَتَّارَ هُوَ الْغَدَّارُ الْكَثِيرُ الْغَدْرِ أَوِ الشَّدِيدُ الْغَدْرِ، وَالْغَدْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ قِلَّةِ الصَّبْرِ، لِأَنَّ الصَّبُورَ إِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْهَدُ مَعَ أَحَدٍ لَا يُعْهَدُ مِنْهُ الْإِضْرَارُ، فَإِنَّهُ يَصْبِرُ وَيُفَوِّضُ الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ وَأَمَّا الْغَدَّارُ فَيَعْهَدُ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى/ الْعَهْدِ فَيَنْقُضُهُ، وَأَمَّا أَنَّ الْكَفُورَ فِي مُقَابَلَةِ الشَّكُورِ معنى فظاهر. ثم قال تعالى:
[سورة لقمان (٣١) : آية ٣٣]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٣٣)
لَمَّا ذَكَرَ الدَّلَائِلَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى آخِرِهَا وَعَظَ بِالتَّقْوَى لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ وَاحِدًا أَوْجَبَ التَّقْوَى الْبَالِغَةَ فَإِنَّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِ اثْنَيْنِ لَا يَخَافُ أَحَدُهُمَا مِثْلَ مَا يَخَافُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا لَا غَيْرُ، ثُمَّ أَكَّدَ الْخَوْفَ بِذِكْرِ الْيَوْمِ الَّذِي يَحْكُمُ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلِكَ إِذَا كَانَ وَاحِدًا وَيَعْهَدُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا وَلَا يَسْتَعْرِضُ عِبَادَهُ، لَا يَخَافُ مِنْهُ مِثْلَ مَا يَخَافُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ يَوْمَ اسْتِعْرَاضٍ وَاسْتِكْشَافٍ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: لَا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْرِمَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ عِنْدَ الْمَلِكِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي حَقِّهِ وَيَقْضِي مَا يَخْرُجُ عَلَيْهِ بِرِفْدٍ مِنْ كَسْبِهِ لَا يَخَافُ مِثْلَ مَا يَخَافُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقْضِي عَنْهُ مَا يَخْرُجُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ شَخْصَيْنِ فِي غَايَةِ الشَّفَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَهُمَا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ لِيَسْتَدِلَّ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، وَذِكْرُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ جَمِيعًا فِيهِ لَطِيفَةٌ، وَهِيَ أَنْ مِنَ الْأُمُورِ مَا يُبَادِرُ الْأَبُ إِلَى التَّحَمُّلِ عَنِ الْوَلَدِ كَدَفْعِ الْمَالِ وَتَحَمُّلِ الْآلَامِ وَالْوَلَدُ لَا يُبَادِرُ إِلَى تَحَمُّلِهِ عَنِ الْوَالِدِ مِثْلَ مَا يُبَادِرُ الْوَالِدُ إِلَى تَحَمُّلِهِ عَنِ الْوَلَدِ، وَمِنْهَا مَا يُبَادِرُ الْوَلَدُ إِلَى تَحَمُّلِهِ عَنِ الْوَالِدِ وَلَا يُبَادِرُ الْوَالِدُ إِلَى تَحَمُّلِهِ عَنِ الْوَلَدِ كَالْإِهَانَةِ، فَإِنَّ مَنْ يُرِيدُ إِحْضَارَ وَالِدِ أَحَدٍ عِنْدَ وَالٍ أَوْ قَاضٍ يَهُونُ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَدْفَعَ الْإِهَانَةَ عَنْ

صفحة رقم 132
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية