آيات من القرآن الكريم

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

لأعمالهم واستحقاقهم للجزاء وفق ذلك والتي تكرر أمثالها كثيرا.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٥ الى ٢٦]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)
. الآيتان استمرار في السياق التعقيبي وفيهما التفات إلى المشركين وتنديد بهم بسبب ما يبدو منهم من تناقض، فلو سئلوا عمن خلق السموات والأرض لأجابوا أنه الله ثم يقفون من الدعوة إليه وحده ومن رسوله موقفهم العنيد العجيب. وقد أمرتا النبي ﷺ بأن يحمد الله على هداه، وقررتا حقيقة أمر الكفار وهي أن أكثرهم جاهلون فيقعون في التناقض جهلا وحمقا. كما قررتا حقيقة من حقائق الله عز وجل وهي أن كل ما في السموات والأرض له، وأنه الغني عن الناس، المستوجب للوجود والحمد، سواء آمنوا به أم جحدوه.
والآية الأولى صريحة في تقرير عقيدة مشركي العرب بكون الله هو الخالق الرازق المتصرف في الكون مما حكته آيات عديدة أخرى مرّت أمثلة منها في السور السابقة. ومن هنا جاء الإفحام قويا مستحكما ضدهم.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠)
. (١) كلمات الله: المتبادر أنها تعني آياته ومخلوقاته ومشاهد ربوبيته ونواميسه الكونية وحكمه.
الجزء الرابع من التفسير الحديث ١٧

صفحة رقم 257

في الآيات:
١- تقرير بأنه لو قطّعت كل شجرة في الأرض وجعلت قطعها أقلاما وصار البحر ومعه سبعة أبحر مدادا لتدوين آيات الله وآلائه ومشاهد ربوبيته ونواميسه ومخلوقاته وحكمه لنفدت الأقلام والمداد ولم تنفد هذه الآيات والآلاء والمشاهد والنواميس والمخلوقات والحكم، فهو العزيز الجانب القادر الحكيم في كل ما يقضي ويخلق ويشاء.
٢- وتقرير آخر بأن خلق الناس جميعا وبعثهم جميعا بالنسبة إليه ليس إلّا كخلق نفس واحدة وبعثها. وهو السميع لكل ما يقال، البصير لكل ما يكون.
٣- وسؤال في معنى التقرير بأن الله هو الذي يعاقب بين الليل والنهار فيدخل الليل على النهار والنهار على الليل. وأنه هو الذي سخر الشمس والقمر ليجريا وفقا للنظام الذي رتبه لهما إلى الأجل المعين في علمه وحكمته. وأنه هو الخبير بكل ما يفعله الناس، وأن في هذه المشاهد التي يراها الناس بأعينهم ويتمتعون بفوائدها أقوى الأدلة على قدرته وعظمته وأفضاله، وأنه هو الحق وحده المستحق للعبادة والدعاء والخضوع وحده، وأن ما عداه مما يدعوه المشركون باطل، وأنه هو العلي الكبير الذي لا يدانيه شيء في علوه وعظمته.
والمتبادر أن الصلة بين هذه الآيات والآيات السابقة وثيقة وأنها استمرار في تقرير المعاني التي احتوتها تلك الآيات وتوكيد لها من جهة، ولإفحام المجادلين المكابرين الذين حكيت أقوالهم ومواقفهم وعقائدهم في تلك الآيات من جهة أخرى.
وقد جاءت بأسلوب قوي نافذ إلى القلوب والعقول معا، وتضمنت فيما تضمنته حقيقة يقينية يظهر كل يوم مظهر من مظاهرها وأثر من آثارها فيما ينكشف للناس نتيجة لتقدم العلوم من عظمة كون الله ونواميسه وحكمته وتجاوز ذلك كل معنى من معاني التحديد مما يثير الدهشة والذهول.
والآية الثانية [٢٨] جاءت بأسلوب المخاطب. ونرجح أنها موجهة للمشركين الذين ينكرون البعث الأخروي بسبيل الرد عليهم. فهم يعترفون بأن الله

صفحة رقم 258

هو الذي خلق السموات والأرض كما جاء في الآية [٢٥] وهم يعترفون بأن الله هو الذي خلقهم كما جاء في آية سورة الزخرف هذه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) فمن المناقضة أن يعترفوا بقدرة الله بدءا وينكروها إعادة، ومن الغباء أن يظنوا أن هناك تحديدا لقدرة الله وفرقا بالنسبة إليها بين خلق فرد وبين خلق جميع الناس وبعثهم، وفي ما هو ماثل أمامهم من عظمة كون الله الذي يعترفون بخلقه إياه وبآياته ونواميسه الباهرة فيه برهان لا يدحض على ذلك.
وجملة أَلَمْ تَرَ التي تبدأ بها الآية الثالثة قد تلهم أن سامعي القرآن يعرفون ويفهمون مدى ما احتوته الآيات من نواميس كونية ربانية، وبذلك يستحكم في المشركين منهم التنديد القرآني بقوة أشد، والله تعالى أعلم. وفي القرآن آيات فيها جملة أَوَلَمْ يَعْلَمُوا في مقام (أولم يروا) كما هو الأمر في الآية [٣٧] من سورة الروم والآية [٥٢] في سورة الزمر.
تعليق على رواية مدنية الآيات [٢٧، ٢٨، ٢٩]
ولقد روى المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيات [٢٧ و ٢٨ و ٢٩] مدنيات. ولقد روى الطبري عن ابن عباس: «أن أحبار يهود قالوا لرسول الله ﷺ بالمدينة يا محمد أرأيت قوله وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا الإسراء: [٨٥]. إيانا تريد أم قومك فقال: كلاكما. فقالوا ألست تتلو فيما جاءك إنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء؟ فقال: إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم فأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ... إلخ [٢٧] ونحن نتوقف في هذه الرواية وفي رواية مدنية الآيات بالتبعية لأنها منسجمة مع ما قبلها وبعدها انسجاما وثيقا سبكا ومعنى وتوجيها وموضوعا على ما يبدو عند إنعام النظر. ولا تفهم أي حكمة لوضعها لو كانت مدنية في هذا السياق.
وقد روى بعض المفسرين «١»
أن بعض المشركين سألوا النبي ﷺ ذلك

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي.

صفحة رقم 259
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية