
الْأَخْلَاقِ كُلُّهَا حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، وَلَوْ كَانَ تَعَبُّدًا مَحْضًا لَلَزِمَ قَبُولُهُ، فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ، اسْتَدَلَّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ بِالنِّعْمَةِ لِأَنَّا بَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّ الْمَلِكَ يُخْدَمُ لِعَظَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُنْعِمْ وَيُخْدَمُ لِنِعْمَتِهِ أَيْضًا، فَلَمَّا بَيَّنَ أنه المعبود لعظمته بخلقه السموات بِلَا عَمَدٍ وَإِلْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ الرَّوَاسِيَ. وَذَكَرَ بَعْضَ النِّعَمِ بِقَوْلِهِ: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً [لقمان: ١٠] ذَكَرَ بَعْدَهُ عَامَّةَ النِّعَمِ فَقَالَ: سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ أَيْ سَخَّرَ لِأَجْلِكُمْ مَا في السموات، فَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِ اللَّهِ وَفِيهَا فَوَائِدُ لِعِبَادِهِ، وَسَخَّرَ مَا فِي الْأَرْضِ لِأَجْلِ عِبَادِهِ، وَقَوْلُهُ: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَهِيَ مَا فِي الْأَعْضَاءِ مِنَ السَّلَامَةِ وَباطِنَةً وَهِيَ مَا فِي الْقُوَى فَإِنَّ الْعُضْوَ ظَاهِرٌ وَفِيهِ قُوَّةٌ بَاطِنَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ شَحْمٌ وَغُضْرُوفٌ ظَاهِرٌ، وَاللِّسَانَ وَالْأَنْفَ لَحْمٌ وَعَظْمٌ ظَاهِرٌ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مَعْنًى بَاطِنٌ مِنَ الْإِبْصَارِ وَالسَّمْعِ وَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ، وَكَذَلِكَ كَلُّ عُضْوٍ، وَقَدْ تَبْطُلُ الْقُوَّةُ وَيَبْقَى الْعُضْوُ قَائِمًا، وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ فَإِنَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الِاسْتِدْلَالُ بِنِعْمَةِ الْآفَاقِ وَبِنِعْمَةِ الْأَنْفُسِ فَقَوْلُهُ: مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى النِّعَمِ الْآفَاقِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى النِّعَمِ الْأَنْفُسِيَّةِ، وَفِيهِمَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي جَمِيعِ كُتُبِ التَّفَاسِيرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرْنَاهُ مَقُولًا مَنْقُولًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَائِغًا مَعْقُولًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ يَعْنِي لَمَّا ثَبَتَ الْوَحْدَانِيَّةُ بِالْخَلْقِ وَالْإِنْعَامِ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ وَيُثْبِتُ غَيْرَهُ، إِمَّا إِلَهًا أَوْ مُنْعِمًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ هَذِهِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ مَرْتَبَةُ الْعِلْمِ وَالْهُدَى وَالْكِتَابِ، وَالْعِلْمُ أَعْلَى مِنَ الْهُدَى وَالْهُدَى مِنَ الْكِتَابِ، وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّ الْعِلْمَ تَدْخُلُ فِيهِ الْأَشْيَاءُ الْوَاضِحَةُ اللَّائِحَةُ الَّتِي تُعْلَمُ مِنْ غَيْرِ هِدَايَةِ هَادٍ، ثُمَّ الْهُدَى يَدْخُلُ فِيهِ الَّذِي يَكُونُ فِي كِتَابٍ وَالَّذِي يَكُونُ مِنْ إِلْهَامٍ وَوَحْيٍ، فَقَالَ تَعَالَى: يُجادِلُ ذَلِكَ الْمُجَادِلُ لَا مِنْ عِلْمٍ وَاضِحٍ، وَلَا مَنْ هَدًى أَتَاهُ مِنْ هَادٍ، وَلَا مِنْ كِتَابٍ وَكَأَنَّ الْأَوَّلَ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْ أُوتِيَ مِنْ لَدُنْهُ عِلْمًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
[النِّسَاءِ: ١١٣] وَالثَّانِي: إِشَارَةٌ إِلَى مَرْتَبَةِ مَنْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ بِوَاسِطَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النَّجْمِ:
٥] وَالثَّالِثُ: إِشَارَةٌ إِلَى مَرْتَبَةِ مَنِ اهْتَدَى بِوَاسِطَتَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: الم ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [الْبَقَرَةِ: ١، ٢] وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ [لقمان: ٣] وقال في السجدة:
[٢٣] وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ... وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ فَالْكِتَابُ هَدًى لِقَوْمِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالنَّبِيُّ هُدَاهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ أَوْ بِوَاسِطَةِ الرُّوحِ الْأَمِينِ، فَقَالَ تَعَالَى: يُجَادِلُ مَنْ يُجَادِلُ لَا بِعِلْمٍ آتَيْنَاهُ مَنْ لَدُنَّا كَشْفًا، وَلَا بِهُدًى أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِ وَحْيًا، وَلَا بِكِتَابٍ يُتْلَى عَلَيْهِ وَعْظًا. ثُمَّ فِيهِ لَطِيفَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ لِأَنَّ الْمُجَادِلَ مِنْهُ مَنْ كَانَ يُجَادِلُ مِنْ كِتَابٍ وَلَكِنَّهُ مُحَرَّفٌ مِثْلُ التَّوْرَاةِ بَعْدَ التَّحْرِيفِ، فَلَوْ قَالَ/ وَلَا كِتَابٍ لَكَانَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُجَادِلُ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ، فَإِنَّ بَعْضَ مَا يَقُولُونَ فَهُوَ فِي كِتَابِهِمْ وَلِأَنَّ الْمَجُوسَ وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ بِالتَّثْنِيَةِ وَالتَّثْلِيثِ عَنْ كِتَابِهِمْ، فَقَالَ: وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ مُظْلِمٌ، وَلَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ التَّحْرِيفَ وَالتَّبْدِيلَ لَمْ يَقُلْ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى مُنِيرٍ أَوْ حق أو غير ذلك. ثم قال تعالى:
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢)

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا بَيَّنَ أَنَّ مُجَادَلَتَهُمْ مَعَ كَوْنِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَهِيَ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ فَإِنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُوهُمْ إِلَى كَلَامِ اللَّهِ، وَهُمْ يَأْخُذُونَ بِكَلَامِ آبَائِهِمْ، وَبَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ بَوْنٌ عَظِيمٌ فَكَيْفَ مَا بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ الْجُهَلَاءِ ثُمَّ إن هاهنا شَيْئًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا يَعْنِي نَتْرُكُ الْقَوْلَ النَّازِلَ مِنَ اللَّهِ وَنَتَّبِعُ الْفِعْلَ، وَالْقَوْلُ أَدَلُّ مِنَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، وَهُمْ تَعَاطَوْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِي اعْتِقَادِهِمْ وَالْقَوْلُ بَيِّنُ الدَّلَالَةِ، فَلَوْ سَمِعْنَا قَوْلَ قَائِلٍ افْعَلْ وَرَأَيْنَا فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ، لَكَانَ الْوَاجِبُ الْأَخْذَ بِالْقَوْلِ، فَكَيْفَ وَالْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ وَالْفِعْلُ مِنَ الْجُهَّالِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ اسْتِفْهَامًا عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ فِي الْإِنْكَارِ يَعْنِي الشَّيْطَانَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْعَذَابِ وَاللَّهَ يَدْعُو إِلَى الثَّوَابِ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يَتَّبِعُونَ الشَّيْطَانَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى، وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ لَمَّا بَيَّنَ حَالَ الْمُشْرِكِ وَالْمُجَادِلِ فِي اللَّهِ بَيَّنَ حَالَ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَسْلِمِ لِأَمْرِ اللَّهِ فَقَوْلُهُ: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُحْسِنٌ إِشَارَةٌ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَتَكُونُ الْآيَةُ فِي مَعْنَى قوله تَعَالَى: مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً [الْكَهْفِ: ٨٨] وَقَوْلِهِ: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى أَيْ تَمَسَّكَ بِحَبْلٍ لَا انْقِطَاعَ لَهُ وَتَرَقَّى بِسَبَبِهِ إِلَى أَعْلَى المقامات وفي الآية مسائل:
الأولى: قال هاهنا: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١١٢] : بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ فعدى هاهنا بإلى وَهُنَاكَ بِاللَّامِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَسْلَمَ... لِلَّهِ أَيْ جَعَلَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سَالِمًا أَيْ خَالِصًا/ وَالْوَجْهُ بِمَعْنَى النَّفْسِ وَالذَّاتِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ يُسْلِمُ نَفْسَهُ إِلَى اللَّهِ كَمَا يُسْلِمُ وَاحِدٌ مَتَاعًا إِلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ وَيُقَالَ مَنْ أَسْلَمَ لِلَّهِ أَعْلَى دَرَجَةً مِمَّنْ يُسْلِمُ إِلَى اللَّهِ، لِأَنَّ إِلَى لِلْغَايَةِ وَاللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ، يَقُولُ الْقَائِلُ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ أَيْ تَوَجَّهْتُ نَحْوَكَ وَيُنْبِئُ هَذَا عَنْ عَدَمِ الْوُصُولِ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى الشَّيْءِ قَبْلَ الْوُصُولِ وقوله أسلمت وجهي لك يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ وَلَا يُنْبِئُ عَنِ الْغَايَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمَسَافَةِ وَقَطْعِهَا لِلْوُصُولِ، إِذَا عُلِمَ هَذَا فَنَقُولُ فِي الْبَقَرَةِ قَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى فَقَالَ اللَّهُ رَدًّا عَلَيْهِمْ: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ [الْبَقَرَةِ: ١١١] ثُمَّ بَيَّنَ فَسَادَ قَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [البقرة: ١١٢] أَيْ أَنْتُمْ مَعَ أَنَّكُمْ تَتْرُكُونَ اللَّهَ لِلدُّنْيَا وَتُوَلُّونَ عَنْهُ لِلْبَاطِلِ وَتَشْتَرُونَ بِآيَاتِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا تَدْخُلُونَ [النَّارَ] وَمَنْ كَانَ بِكُلِّيَّتِهِ لِلَّهِ لَا يَدْخُلُهَا، هَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ مَنْ أَسْلَمَ لِلَّهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّقْضَ بِالصُّورَةِ الَّتِي هِيَ أَلْزَمُ أَوْلَى فَأَوْرَدَ عَلَيْهِمُ الْمُخْلِصَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَمْرٌ إِلَّا اللَّهَ وَقَالَ:
أَنْتُمْ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَهَذَا لَا يَدْخُلُهَا، ثُمَّ بَيَّنَ كَذِبَهُمْ وَقَالَ: بَلَى وَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ فَوْقَ الْجَنَّةِ دَرَجَةً وَهِيَ الْعِنْدِيَّةُ بِقَوْلِهِ:
فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وأما هاهنا أَرَادَ وَعْدَ الْمُحْسِنِ بِالثَّوَابِ وَالْوُصُولِ إِلَى الدَّرَجَةِ الْعَالِيَةِ فَوَعَدَ مَنْ هُوَ دُونَهُ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَيَعُمَّ الْوَعْدُ وَهَذَا مِنَ الْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى أَوْثَقُ الْعُرَى جَانِبُ اللَّهِ لِأَنَّ كُلَّ مَا عَدَاهُ هَالِكٌ مُنْقَطِعٌ وَهُوَ بَاقٍ لَا انْقِطَاعَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ يَعْنِي اسْتَمْسَكَ بِعُرْوَةٍ تُوصِلُهُ إِلَى اللَّهِ وَكُلُّ شَيْءٍ عَاقِبَتُهُ إِلَيْهِ فَإِذَا حَصَلَ فِي الْحَالِ مَا إِلَيْهِ