آيات من القرآن الكريم

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ

هذه وصايا نافعة حكاها الله سبحانه عن ( لقمان الحكيم ) ليمتثلها الناس ويقتدوا بها، فقال :﴿ يابني إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ ﴾ أي إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل، وكانت مخفية في السماوات أو في الأرض ﴿ يَأْتِ بِهَا الله ﴾ أي أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط، وجازى عليها إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، كما قال تعالى :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ] الآية، ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء، أو ذاهبة في أرجاء السماوات والأرض، فإن الله يأتي بها لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض. ولهذا قال تعالى :﴿ إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ أي لطيف العلم فلا خفى عليه الأشياء، وإن دقّت ولطفت وتضاءلت، ﴿ خَبِيرٌ ﴾ بدبيب النمل في الليل البهيم، وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله ﴿ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ ﴾ أنها صخرة تحت الأرضين السبع، والظاهر والله أعلم أن المراد أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة فإن الله سيبديها ويظهرها بلطيف علمه، كما قال رسول الله ﷺ :« لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة. لخرج عمله للناس كائناً ما كان »، ثم قال :﴿ يابني أَقِمِ الصلاة ﴾ أي بحدودها وفروضها وأوقاتها، ﴿ وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَنِ المنكر ﴾ أي بحسب طاقتك وجهدك، ﴿ واصبر على مَآ أَصَابَكَ ﴾ لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر، وقوله :﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور ﴾ أي إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور.
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ يقول : لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقاراً منك لهم واستكباراً عليهم، ولكن أَلِنْ جانبك وابسط وجهك إليهم، كما جاء في الحديث :« ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط »، قال ابن عباس يقول : لا تتكبر فتحتقر عباد الله وعرض عنهم بوجهك إذا كلموك، وقال زيد بن أسلم ﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ : لا تتكلم وأنت معرض، وقال إبراهيم النخعي : يعني بذلك التشدق في الكلام، والصواب القول الأول، قال الشاعر :

دوكنا إذا الجبار صعَّر خده أقمنا له من ميله فتقوما
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً ﴾ أي خيلاء متكبراً جباراً عنيداً، لا تفعل ذلك يبغضك الله، ولهذا قال :﴿ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ أي مختال معجب في نفسه ﴿ فَخُورٍ ﴾ أي على غيره، وقال تعالى :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً ﴾

صفحة رقم 1986

[ الإسراء : ٣٧ ]. عن ثابت بن قيس بن شماس قال : ذكر الكبر عند رسول الله ﷺ فشدد فيه فقال :« » إن الله لا يحب كل مختال فخور « فقال رجل من القوم : والله يا رسول الله إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها ويعجبني شراك نعلي وعلاَّقة سوطي، فقال :» ليس ذلك الكبر، إنما الكبر أن تسفه الحق، وتغمط الناس « »، وقوله :﴿ واقصد فِي مَشْيِكَ ﴾ أي امش مقتصداً مشياً ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط بل عدلاً وسطاً بين بين، وقوله :﴿ واغضض مِن صَوْتِكَ ﴾ أي تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه، ولهذا قال :﴿ إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير ﴾ قال مجاهد : إن أقبح الأصوات لصوت الحمير، أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى، وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم، لأن رسول الله ﷺ قال :« ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه »، وروى النسائي عند تفسير هذه الآية عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :« إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطاناً » فهذه وصايا نافعة جداً، وهي من قصص القرآن العظيم، عن لقمان الحكيم، قود روي عنه من الحكم والمواعظ أشياء كثرة.

صفحة رقم 1987
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية