
فيكون هذا أيضا أمرا بالصلاح. يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ كالإنسان من نطفة والطير من البيضة وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أي يخرج النطفة والبيضة من الحيوان.
وقال بعضهم: يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، ويقال: يخرج اليقظان من النائم، والنائم من اليقظان، فإحياء الميت عنده تعالى كتنبيه النائم، وإماتة الحي كتنويم المنتبه.
وَيُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها أي بعد يبوستها وَكَذلِكَ أي ومثل ذلك الإخراج تُخْرَجُونَ (١٩) من قبوركم.
وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء وضم الراء وَمِنْ آياتِهِ الدالة على أنكم تبعثون أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ فإنا خلقنا من نطفة وهي من الغذاء، وهو من النبات، وهو من التراب. ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) أي ثم بعد أطوار كثيرة فاجأتم وقت كونكم بشرا تتمتعون على وجه الأرض.
وَمِنْ آياتِهِ الدالة على البعث والجزاء: أَنْ خَلَقَ لَكُمْ أي لأجلكم مِنْ أَنْفُسِكُمْ أي من جنسكم أَزْواجاً أي إناثا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها أي لتميلوا إليها، وتطمئنوا بها، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ أي بين المرأة والزوج مَوَدَّةً أي محبة وَرَحْمَةً أي شفقة ويقال: مودة للصغير على الكبير ورحمة للكبير على الصغير. إِنَّ فِي ذلِكَ أي في خلقهم من تراب، وخلق أزواجهم من جنسهم وإلقاء المودة والرحمة بينهم لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) فيما خلق الله.
وَمِنْ آياتِهِ الدالة على أمر البعث: خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من حيث إن خلقهما وما فيهما ليس إلا لمعاش البشر ومعاده، وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ أي لغاتكم العربية، والفارسية، وغير ذلك. والأصح أنه اختلاف كلامكم، فإن الأخوين إذا تكلما بلغة واحدة يعرف أحدهما من الآخر وَأَلْوانِكُمْ ببياض الجلد وسواده، وتوسطه. إِنَّ فِي ذلِكَ أي في خلق السموات والأرض، واختلاف الألسنة والألوان لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢).
وقرأ حفص وحده بكسر اللام، أي لآيات عظيمة في أنفسها، كثيرة في عددها للمتصفين بالعلم. والباقون بفتح اللام في ذلك دلالة على كمال وضوح الآيات على أحد من الخلق كافة.
وَمِنْ آياتِهِ الدالة على القدرة والعلم: مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ فالنوم بالنهار مما تعدّه العرب نعمة من الله، ولا سيما في أوقات القيلولة في البلاد الحارة وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ فيهما. وهذا إشارة إلى أن العبد ينبغي أن لا يرى الرزق من كسبه وبحذقه بل يرى كل ذلك من فضل ربه، إِنَّ فِي ذلِكَ أي في الليل والنهار لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) سماع تفهم حيث يستدلون بذلك على شؤونه تعالى. وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ، أي ومن آياته الدالة على عظيم قدرته تعالى: إراءتكم للبرق خَوْفاً للمسافر من المطر أن يبل ثيابه وَطَمَعاً للمقيم في المطر أن يسقي حروثه، وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون النون. فَيُحْيِي بِهِ أي بذلك الماء الْأَرْضَ بالنبات

بَعْدَ مَوْتِها أي بعد يبوستها إِنَّ فِي ذلِكَ أي المطر لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) أي لدلالات على الفاعل المختار لمن له عقل، وإن لم يتفكر تفكر تاما. وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ أي ومن آياته الدالة على القدرة استمرار السماء والأرض على ما هما عليه بإرادته تعالى له، ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) أي ثم إذا دعاكم الله على لسان إسرافيل بعد انقضاء الأجل من الأرض وأنتم في قبوركم دعوة واحدة بأن قال: أيها الموتى اخرجوا فاجأتم الخروج منها وقول: مِنَ الْأَرْضِ متعلق ب «دعاكم». وَلَهُ خاصة مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الملائكة والثقلين خلقا، وملكا، وتصرفا، كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) أي منقادون لفعله وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد موتهم وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ بالقياس على قوانينكم من أن الإعادة للشيء أهون من ابتدائه، وإلا فالأفعال كلها بالنسبة إلى قدرته تعالى متساوية في السهولة، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي وله تعالى الوصف الأعلى الذي ليس لغيره ما يدانيه، فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)، أي وهو كامل القدرة على الممكنات، شامل العلم بجميع الموجودات، فيجري الأفعال على سنن الحكمة. ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أي بيّن الله لكم يا معشر الكفار مثلا مأخوذا من أحوال أنفسكم هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ أي هل لكم شركاء فيما رزقناكم من الأموال كائنون بالنوع الذي ملكت أيمانكم، فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ أي فأنتم وعبيدكم فيما رزقناكم مستوون في التصرف تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ أي تخافون أن تنفردوا بالتصرف فيه بدون رأيهم خيفة كائنة مثل خيفتكم من الأحرار المشاركين لكم فيما ذكر أي أنتم لا ترضون بأن يشارككم مماليككم، وهم أمثالكم في البشرية فكيف تشركون به تعالى في المعبودية مخلوقة تعالى؟ كَذلِكَ أي مثل ذلك التفصيل الواضح نُفَصِّلُ الْآياتِ أي نبينها بالدلائل القطعية والأمثلة والمحاكيات الإقناعية لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) أي يستعملون عقولهم في تدبر الأمور، بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي لا يجوز أن يشرك بالمالك مملوكه، ولكن الذين أشركوا اتبعوا أهواءهم الزائغة من غير علم، وأثبتوا شركاء من غير دليل فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ أي لا يقدر أحد على هداية من خلق الله فيه الضلال، وَما لَهُمْ أي لمن أضله الله تعالى مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) يخلصونهم من الضلال فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ أي أقبل بكلك على الدين غير ملتفت يمينا وشمالا حَنِيفاً أي مائلا عن كل ما عدا الدين فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها أي الزم دين الله- وهو التوحيد- فإن الله خلق الناس عليه في بطون أمهاتهم، وحيث أخذهم الله من ظهر آدم، وسألهم ألست بربكم؟
فقالوا: بلى لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أي لا تبدلوا دين الله- كما قاله مجاهد وإبراهيم- وقيل: أي لا تغير للوحدانية حتى إن سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون: الله. لكن الإيمان الفطري غير كاف. ذلِكَ أي لزوم دين الله الدِّينُ الْقَيِّمُ أي الحق الذي لا عوج فيه وَلكِنَّ