آيات من القرآن الكريم

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

تنزيه الله تعالى وحمده في جميع الأحوال
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٧ الى ١٩]
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩)
البلاغة:
تُمْسُونَ وتُصْبِحُونَ بينهما طباق.
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ استعارة، استعار الحي للمؤمن، والميت للكافر.
المفردات اللغوية:
فَسُبْحانَ اللَّهِ سبحان: هو التسبيح، أي التنزيه، وهو إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه، أي سبحوا الله بمعنى صلوا في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته، وتتجدد فيها نعمته حِينَ تُمْسُونَ تدخلون في المساء، وفيه صلاتان: المغرب والعشاء وَحِينَ تُصْبِحُونَ تدخلون في الصباح وفيه صلاة الصبح، وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لأن آثار القدرة والعظمة فيهما أوضح وأبين.
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اعتراض، ومعناه: يحمده أهلها وَعَشِيًّا عطف على حِينَ تُمْسُونَ وفيه صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ تدخلون في الظهيرة، وفيه صلاة الظهر.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية جامعة للصلوات الخمس: تُمْسُونَ صلاة المغرب والعشاء وتُصْبِحُونَ صلاة الفجر وعَشِيًّا صلاة العصر وتُظْهِرُونَ صلاة الظهر.
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ قال أكثر المفسرين: يخرج الدجاجة من البيضة، والإنسان من النطفة، والطائر من البيضة، ويخرج البيضة من الطائر، والنطفة من الإنسان، وقال بعضهم: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي يحييها بالنبات بعد يبسها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ أي ومثل ذلك الإخراج تخرجون من القبور

صفحة رقم 61

وتبعثون. والمعنى أن الإبداء والإعادة متساويان في قدرة القادر على إخراج الأشياء من أضدادها، بإخراج الميت من الحي، وإخراج الحي من الميت، وإحياء الميت، وإماتة الحي. وقرئ:
تخرجون.
المناسبة:
بعد بيان عظمة الله تعالى وقدرته في خلق السموات والأرض حين ابتداء العالم، وعظمته حين قيام الساعة (القيامة) حال انتهاء العالم، وافتراق الناس فريقين: فريق الجنة وفريق النار، أمر الله تعالى بتنزيهه عن كل سوء وعما لا يليق به، وبحمده على كل حال لأنه المتفرد بإحياء الميت وإماتة الحي، وإحياء الأرض بعد موتها، كإحياء الناس من قبورهم للبعث، وهذا في وقت الصباح يشبه حال انتقال الإنسان من النوم الذي هو الموتة الصغرى إلى اليقظة التي هي الحياة.
التفسير والبيان:
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ أي سبحوا الله تعالى ونزهوه وصلّوا له في جميع أوقات النهار والليل، حين ابتداء المساء، وحين طلوع الصباح. وهذا إرشاد من الله تعالى لعباده بتسبيحه وتحميده في هذه الأوقات المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه عند المساء: وهو إقبال الليل بظلامه، وعند الصباح: وهو إسفار النهار بضيائه، وفي المساء صلاتا المغرب والعشاء، وفي وقت الصباح صلاة الفجر. وقدم الإمساء على الإصباح هنا لأن الليل يتقدم النهار.
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي والله تعالى هو المحمود من جميع أهل السموات والأرض من ملائكة وجن وإنس. وهذا اعتراض بحمده مناسب للتسبيح وهو التحميد.

صفحة رقم 62

وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ أي وسبحوه ونزهوه أيضا وقت العشي أو العشاء: وهو شدة الظلام، وفي وسط النهار وقت الظهيرة.
قال الماوردي: الفرق بين المساء والعشاء: أن المساء: بدوّ الظلام بعد المغيب، والعشاء: آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب.
ويلاحظ أن تخصيص هذه الأوقات بالتسبيح إنما هو بسبب وجود معالم الانتقال المحسوس من حال إلى حال، ومن زمن إلى زمن، يشمل جميع أجزاء اليوم، بدءا من الصبح أو النهار وقوة الضياء، إلى الظهر حين تتحول الشمس من جهة المشرق إلى المغرب، إلى العصر حين يبدأ أفول النهار وقدوم العشي، إلى المغرب بدء الظلام، إلى العشاء في شدة الظلام. والمعنى: نزهوا الله عن صفات النقص، وصفوه بصفات الكمال في جميع هذه الأوقات المتعاقبة لأن أفضل الأعمال أدومها.
وفي هذا إشارة إلى أصول الإيمان الموجبة للظفر بروضات الجنان، فبعد أن أبان الله تعالى أن المقام الأعلى والجزاء الأوفى لمن آمن وعمل صالحا في قوله:
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ أعلمنا أن الإيمان تنزيه بالجنان، وتوحيد باللسان، وأن العمل الصالح القيام بجميع الأركان، وكل ذلك تسبيح (تنزيه) وتحميد، يوصل إلى الحبور (السرور والتنعم) في رياض الجنان.
وقد تكرر في القرآن لفت النظر إلى الإضاءة والإظلام، وأن الله فالق الإصباح، وجاعل الليل سكنا، كما قال: وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها [الشمس ٩١/ ٣- ٤]، وقال: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى، وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى [الليل ٩٢/ ١- ٢]، وقال: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى [الضحى ٩٣/ ١- ٢].

صفحة رقم 63

ثم ذكر الله تعالى بعض مظاهر قدرته وعظمته الموجبة للتنزيه والتحميد، فقال:
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أي أن الله تعالى هو القادر على خلق الأشياء المتقابلة، فهو يخرج أولا الإنسان الحي من التراب الميت، ثم من النطفة، والطائر من البيضة، كما يفعل ضدّ هذا، فيخرج النطفة من الإنسان، والبيضة من الطائر، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، واليقظان من النائم، والنائم من اليقظان.
وأما كون النطفة كائنا حيّا فلا تعرفه العرب، ولم يكن التقدم العلمي واضح المعالم في هذا لديهم.
وهذا دليل على كمال القدرة الإلهية وبديع الصنع وعظمة الإله.
وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي والله تعالى يحيي الأرض بالمطر، فيخرج النبات من الحب، والحب من النبات، كما قال: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها، وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا، فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ. وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ، وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ [يس ٣٦/ ٢٣- ٢٤]، وقال سبحانه:
وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج ٢٢/ ٥].
وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ أي ومثل ذلك الإخراج تخرجون من القبور أحياء بعد أن كنتم أمواتا، وذلك على الله يسير.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- وجوب تنزيه الله تعالى عن جميع صفات النقص، ووصفه بجميع صفات

صفحة رقم 64
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية