قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الدِّينَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَيُقْرَأُ بِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ مَصْدَرٌ، وَمَوْضِعُهُ جَرٌّ، بَدَلًا مِنْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ; أَيْ شَهِدَ اللَّهُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ بِأَنَّ الدِّينَ. وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنَ الْقِسْطِ.
وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بَدَلًا مِنَ الْمَوْضِعِ. وَالْبَدَلُ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا بَدَلُ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ، وَهُوَ هُوَ. وَيَجُوزُ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ. (عِنْدَ اللَّهِ) : ظَرْفٌ الْعَامِلُ فِيهِ الدِّينُ، وَلَيْسَ بِحَالٍ مِنْهُ ; لِأَنَّ أَنْ تَعْمَلُ فِي الْحَالِ. (بَغْيًا) : مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ ; وَالتَّقْدِيرُ: اخْتَلَفُوا بَعْدَ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ لِلْبَغْيِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ (وَمَنْ يَكْفُرْ) :«مِنْ» مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ يَكْفُرُ. وَقِيلَ: الْجُمْلَةُ مِنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ هِيَ الْخَبَرُ.
وَقِيلَ: الْخَبَرُ هُوَ الْجَوَابُ، وَالتَّقْدِيرُ: سَرِيعُ الْحِسَابِ لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) :«مَنْ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَطْفًا عَلَى التَّاءِ فِي أَسْلَمْتُ ; أَيْ وَأَسَلَمَ مَنِ اتَّبَعَنِي وُجُوهَهُمْ لِلَّهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ كَذَلِكَ.
وَيَجُوزُ إِثْبَاتُ الْيَاءِ عَلَى الْأَصْلِ، وَحَذْفُهَا تَشْبِيهًا لَهُ بِرُءُوسِ الْآيِ وَالْقَوَافِي كَقَوْلِ الْأَعْشَى: فَهَلْ يَمْنَعَنِّي ارْتِيَادِي الْبِلَا دَ مِنْ حَذَرِ الْمَوْتِ أَنْ يَأْتِيَنْ.
وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ (أَأَسْلَمْتُمْ) : هُوَ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ ; أَيْ أَسْلَمُوا، كَقَوْلِهِ: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [الْمَائِدَةِ: ٩١] ; أَيِ انْتَهُوا.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَبَشِّرْهُمْ) : هُوَ خَبَرُ إِنَّ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِيهِ حَيْثُ كَانَتْ صِلَةَ الَّذِي فِعْلًا، وَذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِاسْتِحْقَاقِ الْبِشَارَةِ بِالْعَذَابِ جَزَاءً عَلَى الْكُفْرِ، وَلَا تَمْنَعُ إِنَّ مِنْ دُخُولِ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ ; لِأَنَّهَا لَمْ تُغَيِّرْ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ بَلْ أَكَّدَتْهُ، فَلَوْ دَخَلَتْ عَلَى الَّذِي «كَأَنَّ»، أَوْ «لَيْتَ» لَمْ يَجُزْ دُخُولُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ. وَيُقْرَأُ: (وَيُقَاتِلُونَ النَّبِيِّينَ)، (وَيَقْتُلُونَ) هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُدْعَوْنَ) : فِي مَوْضِعِ حَالٍ مِنَ الَّذِينَ: (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةً لِفَرِيقٍ ; أَوْ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [الْبَقَرَةِ: ٢١٦].
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)).